2014-05-18

نفتقـد بشـدة إلى الصالونات الثقافيـة ؟


الصالونات الثقافية هي مجالس خاصة يحضرها القليل من المفكرين والمثقفين والأدباء والسياسيين والفنانين والاقتصاديين والكثير من أصحاب التخصصات والعقول والمواهب ... وتكون تلك الجلسات دائما في المساء من بعد صلاة المغرب أو من بعد صلاة العشاء وتستمر إلى ما قبل الساعة 12 منتصف الليل ... وغالبا ما تكون الأعداد من 10 إلى 15 أو 20 على أكثر تقدير ولا يزيد العدد حتى لا تصبح فوضى وحتى الكل يعرف ما يدور من حوار أو نقاش أو فن ... ويحضر هذه الصالونات النساء والرجال مجتمعين وليست حكرا على الرجال وليست حكرا على النساء على الإطلاق ... ويحضر ويمنع فيها منعا باتا أي لفظ خارج أو بذيء مهما كانت الأسباب ومهما كان المتحدث وبالتأكيد يمنع فيها تماما تناول الخمور أو المؤثرات العقلية ... فنعرف بالتالي أنها صالونات راقية اجتماعية فكرية فنية ثقافية على مستويات عالية ؟ 

فيديو مثال للصالونات الثقافية 


في تسعينات القرن الماضي كنت أعرف سيدة فاضلة تعشق الفن والطرب والشعر والفكر والثقافة وكان لديها منزل في منطقة الدسمة خصصته وجعلته صالون ثقافي ... فكان المنزل مقسم إلى قاعات كبيرة فقاعة للحوارات والنقاشات الفكرية وقاعة كبيرة مخصصة ومجهزة تماما للعزف والغناء ... وكانت السيدة الفاضلة تدعوا زوارها يومين من كل أسبوع فشاهدت عندها كبار وعمالقة الفن الكويتي والخليجي وكبار الشعراء والأدباء والمفكرين ... بالإضافة إلى أن هذه السيدة الفاضلة نشرت عشرات الصور لها في أرجاء صالونها الثقافي مع عمالقة الفن العربي تجمعها مع أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب ووردة الجزائرية وسيد مكاوي وعبدالحليم حافظ وفريد اللأطرش ووديع الصافي وفيروز وصباح فخري والكثير من كبار المطربين ... وطبعا كانت في يوم الصالون الثقافي تقدم المشروبات الباردة والساخنة والعشاء الفاخر وبترحاب دائم ... وبسبب مرضها جعلت الصالون يوم في الأسبوع ثم بعد ذلك توقفت بسبب مرضها بالإضافة إلى أنها دائمة السفر ولا أعرف عنها شيئا منذ أكثر من 19 عام ؟ 

لماذا لا يوجد وإن وجدت لا تستمر مثل هذه الصالونات الثقافية ؟
الصالونات الثقافية ثرية وغنية جدا بالمعلومات والثقافات والفكر العالي المستوى + أن غالبا ما يتخلل جلسات الصالونات الثقافية وصلات طربية موسيقية وغنائية من فنون الماضي الجميل ... لكنها مكلفة ماديا بسبب مستوى ونوع الضيافة + أنها مرهقة جسديا وفكريا لصاحب المنزل الذي يجب عليه أن يهتم بضيوفه ويكون هو الضابط لأي حوار وأي نقاش يعرف كيف ينهي أي سوء فهم أو أي نقاش حاد ... فيكون صاحب الصالون هو سيد الجلسة الذي يحرص حرصا شديدا بأن يمنح ضيوفه أكبر قدر من الأريحية النفسية والأدبية حتى يتمكن من تفجير ما بداخلهم من أفكار ومعلومات ومواهب يستفيد منها الحاضرين ... وحقيقة أعجب كثيرا لماذا الأثرياء لا يكون لهم مثل هذه الصالونات هل لأن عقلياتهم لا تستوعب من هم أكبر منهم ثقافة وعلما أم أن شخصياتهم لا تقبل بمن يفرض عليهم حوار معين أو أنهم تعودوا على أن يأمروا فيطاعوا ؟ وفي كل الأحوال لا أعرف ولا أفتي بهذا الشأن خصوصا ؟

هل الصالونات الثقافية تشابه دواوين الكويت ؟
أنا قاطعت الدواوين منذ أكثر من 17 عام بسبب ما رأيته من تغير كبير في أصول الديوانية الكويتية ... فصار بعضها مجلسا للنميمة ومجلسا لتوافه الحديث ولا توجد منها أي فائدة سوى الحديث العادي والضحك ولعب ( الجنجفة ) ومشاهدة التلفزيون والربع قلوبهم مو على بعض واحد يقرض بالثاني جنهم حريم ... لكن في الكويت يوجد ديوانية وهي ذات الحجم الصغير ويوجد ديوان هو المبنى الكبير ... وفي الديوانية والديوان لا يمكن أن تحضر الموسيقى أو تعزف ... بالإضافة إلى أن الديوان والديوانية يمكن أن تحدث مشاحنات بسبب شدة اختلاف الرأي وكثيرا ما تفلت الأمور من أصحاب هذه الأماكن فيخرج الطرفين على خلاف ولا يعودون للدواوين إلا في المناسبات الرسمية فقط ... أما الصالون الثقافي فهو مكان راقي رائع لتبادل الأفكار العقلانية بعيدا عن أي شخصانية وبوجود الفن والشعر والطرب يمكن أن تسقط أي خلاف ؟    

بالمناسبة فإن أصحاب الرأي والحكمة والشعراء والأدباء والفنانين في الصالونات الثقافية لا يذهبون ولا يجتمعون عند كائن من يكون ... فهم يحرصون على معرفة من هو صاحب الصالون وما الهدف من صالونه وما مستواه لأنهم بالتأكيد لا يقبلون بأن يكونون في يوم ما جزءا من مؤامرة أو سلم يصل فوق رؤوسهم من لا يعرف قيمتهم ولا يعرف قيمة الثقافة والفن والأدب ... لذلك تلك الصالون تكون نادرة الوجود جدا جدا وأنا شخصيا في هذه الأيام لا أعرف بوجود أي صالون ثقافي في الكويت ؟ 

الصالونات الثقافية قيمة فنية وثقافية وأدبية وفكرية ثرية وكبيرة لا تقدر بثمن


تبا للفقر لم يكتفي بجيوبنا فتسلل لأنفسنا ولم يكتفي فأصبنا فقر العقول


دمتم بود ...

وسعوا صدوركم