2017-12-04

تخيلوا أنكم عـــراة في أعمالكم وأسواقكم ؟

بدون أي مقدمات فقط نتخيل هذا المشهد ... الناس في منازلهم في أعمالهم في أسواقهم في سفراتهم في كل وأي مكان حفاة وعراة لا شيء يسترهم نهائيا فهل هذا المنظر سيكون طبيعي ومألوف ؟ ... لإجابة المؤكدة كلا وأبدا بل هو المستحيل ... لكن في حقيقة الأمر أن الإنسان في بداياته كان هكذا بمعنى أجدادكم ومن نفس نسلكم كانوا حفاة عراة لا شيء يسترهم على الإطلاق ... بل أبويكم آدم وحواء عليهما السلام "هبطا" إلى الأرض وهم عــــراة ومارسوا حياتهم وهم عراة وأنجبا البنات والبنين وهم عراة وأبنائهم عاشوا حياتهم وتزاوج الأخ بأخته وأنجبا وهم عراة ... وكانوا يأكلون ويضحكون ويغضبون وهم عراة ... إذن لنتخيل ماذا نحن لو ولدنا بطبيعة الحال عراة ثم كبرنا قليلا فوصلنا إلى مرحلة الإدراك فوجدنا أن كل من حولنا عراة فإن النتيجة الطبيعية أننا سنمارس حياتنا عراة دون أدنى تفكير بل وبأريحية مطلقة ... لماذا ؟ لأننا ننتمي إلى بيئتنا ومحيطنا ثم إلى مجتمعنا ثم إلى كياننا فإن كانوا عراة فسنكون عراة بشكل تلقائي بل سنستغرب ونندهش لو رأينا من يرتدي حتى ما يستر "عورته" وسنجلس نتفكر ونحلل ما هذا الذي يلبسه ومما صنع ولماذا "غطى" تلك المنطقة تحديدا وهل يوجد مقاسات مختلفة وهل يوجد ما يغطي الصدر ؟ وأسئلة كثيرة ربما تكون محيرة لأنها خارج "المألوف" ... والأهم سنغامر لو رأينا ما يمنحنا دفئ الشتاء ويقينا من برده القارص ولذلك فإن الإنسان في حياته البشرية مر بمراحل وتجارب لا أحد يعلم دقتها وتفاصيلها إلا رب العلمين سبحانه ... الذي أي رب العالمين جل علاه بعد تكاثر الأبناء والبنين ثم توسع المجتمع إلى مجتمعات ومن أمة إلى أمم ومن ثم تمردت البشرية فأرسل إليهم الأنبياء والرسل ... مع الإنتباه أن مهمة الأنبياء والرسل لم تكن من باب الستر وتغطية العورات بل من أجل الإيمان بالله الواحد الأحد وترك عبادة الأصنام والأوثان والعبادة لغير الله ... ثم نزلت التشريعات السماوية التي تصحح التوارث والتزاوج وإعادة تشريع الحياة الإجتماعية فيما بعد عبر رسل رب العالمين ... وتلك أقوام وزمان سبقنا بأكثر من 7.000 و 10.000 سنة قبل الميلاد وأكثر من ذلك ... وبالمناسبة فإن اليوم في دول الغرب توجد هناك مطاعم وكافيهات وفنادق وشواطئ للعراة مستندين إلى بداية الإنسان الأول بأنه كان يمارس حياته وهو عاري ؟ 

إن الإنسان العربي عرف السيارة وركبها في ثلاثينات القرن الماضي والإنسان الغربي عرفها في سنة 1769م أي ما يقارب 246 سنة ... وما قبل ذلك كان الإنسان يعتمد اعتمادا كليا وأساسيا ورئيسيا على الجمال والخيل والبغال والحمير والمشي راجلا لمسافات طويلة ... واعتمد الإنسان على تلك الحيوانات لأكثر من 10.000 سنة فما قيمة 246 سنة أمام 10.000 سنة حتما لا شيء ولا مقارنة أصلا ... إذن المسألة مسألة تعود فعندما خرجت السيارة في الجزيرة العربية كانوا يسمونها "الجنية" أي حديد يتحرك وكان الرعب يدب في أنفس الجميع من ركوب الطائرة "قديما" ... ومع مرور الوقت ومع سماع الأخبار من هذا وذاك ركب آباؤنا السيارة والطائرة واطمئنوا لهما فولدنا فرأينا الطائرة والسيارة فأصبح الأمر جدا عاديا وطبيعيا ؟

ما أريد قوله أن التعود هو أصل البشر وفطرتهم وليس الشذوذ بالأفكار والتصرفات فحسب ... فكل ما تراه مألوفا تجد الناس تقبل عليه بالممارسة والتفاعل معه بل ويطورون المألوف حتى يصبح أكثر جمالا وأفضل ... لكن المهم أن هناك كانت هناك أمورا عادية جدا ومألوفة جدا ومن صلب وقلب المجتمع وكان الجميع يمارسها لكنها منعت أو اندثرت أو تغيرت أو تطورت بفعل الزمن والظروف الإجتماعية والتغيرات السياسية ... مثل هل بالإمكان اليوم أن نمارس حياتنا كممارسة أبونا آدم وحواء ؟ كلا طبعا لأن الأمم تطورت ثم تغيرت بفعل تطور الأمم والناقل والمنقول ... هل بالإمكان أن نعيد فتح أسواق بيع الجواري والسبايا والإماء ؟ كلا طبعا لأن القانون الدولي يجرم ذلك وبريطانيا أمرت أمرا الدول العربية التي كانت تقع تحت إمرتها بمنع ذلك فمنعت تلك الأسواق وأغلقت تلك المحلات قبل 120 سنة فقط ... هل اليوم يوجد أمير المؤمنين الذي كان حكمه يمتد ويبسط على قارة أو قارتين ؟ كلا بالتأكيد فلقب أمير المؤمنين انتهى ودولة الخلافة انتهت وقسمت القارات وأصبحت دويلات على رأس كل منها حاكم ... والأمثلة كثيرة لا تنتهي لكن من المهم بمكان واليقين أن نعرف أن ما هو ممنوع ومحرم في زماننا وأيامنا هذه كان مباحا كليا في الأزمنة الغابرة ولم نولد ولم نكن على الإطلاق أمة أو خلقا مثاليا ... وما نراه اليوم من منطقية أو مثالية ربما الأجيال القادمة ستنسفه وتغيره فتجعله كأن لم يكن أو تطوره أو تكون أكثر أخلاقا منا أو تكون أكثر انحرافا أو انحطاطا منا ... تلك هي العادات أي ما تعود عليه الإنسان والتقاليد أي تقليد الفعل دون تطوير وكل جيل ينظر للجيل الذي قبله أنه جيل متخلف والبشر خلقوا مختلفين وليس متفقين ؟





دمتم بود ...


وسعوا صدوركم