2018-12-01

الحاكم الفاسد ... شعب العبيد 1


في أي اختلاف سياسي تراه أو تقرؤه اليوم أو عبر التاريخ يجب أن تجتهد لتبحث عن سبب هذا الإختلاف وظروفه وهل هو فعل مقلد أم هو تطور جديد في الفكر أو الإدارة السياسية ... بمعنى حكام اليوم من طغاتهم كأمثال "معمر القذافي - صدام حسين - زين العابدين بن علي" وغيرهم هؤلاء كانوا مقلدين لـ "هتلر وغوبلز" ... وبالعودة إلى الوراء ستكتشف أن العثمانيين كانوا أيضا مقلدين لحكم البابليين وتحديدا في ممارسات التعذيب وقهر واستعباد الرعية وقد يظن الكثيرين أن الخازوق هو عثماني كلا وأبدا بل هو بابلي قبل 3.000 سنة ... ولو عدنا إلى الوراء قليلا لاكتشفنا أن حكم العباسيين كان في نواحي كثيرة تقليدا للروم سواء كنهضة أو كسياسة أو كالغرق في ملذات النساء ... ولو عدنا إلى العهد الأموي سنجده متشابها لبطش الفرس والإستبداد بالرعية وتجاوز المحظورات مهما وأيا كانت في سبيل الحفاظ على كرسي الخلافة ... كل هذا التقليد المتنوع لم يكن إلا بسبب أن العرب لم يكونوا في يوم من الأيام ملوكا وحكاما في ماضيهم البعيد وتحديدا في جاهليتهم وقبل إسلامهم ... بل كانوا أتباعا ورعايا تابعين لإمبراطوريات الفرس والروم والتبع اليماني ؟
جهل تأسيس الدولة 
قديما أي بتحديد حكم الخلفاء الراشدين هي النقطة التي يجب أن نبدأ منها وبدقة عند وفاة رسولنا عليه الصلاة والسلام وحدوث انشقاق على الخلافة الإسلامية ... ولأنهم قوم العرب كانوا أتباعا ولم يكونوا أحرارا لعدم وجود دولة مستقلة بذاتها أو مملكة تبسط حكمها فقد تكالب الروم والفرس عليهم بمؤامرات ودسائس لا يمكن تصورها ... لكن ثبت قوتها ومدى تمكنها عندما أقدم "أبو لؤلؤة المجوسي" بطعن الفاروق عمر ابن الخطاب وهي حالة تبين مدى اختراق الفرس في الدولة الإسلامية من ناحية ومن ناحية أخرى ترمينا عقولنا أن "بعض" الناس آنذاك كان إيمانها شكليا وليس يقينا حقيقيا ... وبما أن العرب لهم عشق "استثنائي" بحب المال وجمعه خوفا وهربا من الفقر ولعنته فقد استعر الخلاف من بعد مقتل أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب في خلافة عثمان ابن عفان ثم علي ابن أبي طالب ... ووصلت الأمر أن يقطع رأس خليفة المسلمين عثمان ابن عفنان في داره ويشتم علي ابن أبي طالب من على المنابر ويتم التحريض على الإنقلاب عليه ... ثم تولي معاوية ابن أبي سفيان للخلافة الإسلامية سنة 41 هـ = 661م ومن هنا نقف قبل أن نسترسل في حكم الأمويين لفهم إدارة الحكم عند الخلفاء الراشدين ... التي تؤكد المراجع التاريخية من خلال الصراعات التي جرت بين المسلمين والإقتتال بينهم لم تكن إلا نزعة في أنفسهم آخذة إلى جاهليتهم ولم يكن دين الله سبحانه هو المقصود كلا وأبدا بل كانت نزعات قبلية وجاهلية صرفة غلفت بشرعية مظللة لا وجود لشرعيتها على الإطلاق ... وكيف لا وقد ضيع العرب من تاريخهم أكثر من 300 سنة في حروب جاهلية أبادت نصفهم كحرب الأوس والخزرج التي استمرت أكثر من 120 سنة وحرب داحس والغبراء التي استمرت 40 عاما والبسوس 40 سنة حرب بني أصفهان أكثر من 70 سنة ... وبالتالي نحن أمام عقلية جاهلية صرفة من لحظة وفاة رسولنا ورسولهم انفرط زمامهم حتى أن بعض القبائل تركت الإسلام وعادت إلى جاهليتها فأقام الخليفة أبو بكر لصديق "حروب الردة" لقتالهم لإجبارهم بالعودة إلى الإسلام ... إذن رعاية دين الله والحفاظ على رعية المسلمين ومواصلة رسالة الرسول لم يكن لها أي مقياس في ما حدث لأنهم قوم لم يعهدوا في تاريخهم على صناعة الدولة ولم يعتادوا على تأسيس الدول وسياسة الحاكم ... فمن بعد أن كنت تابعا لإمبراطورية بعيدة كيف ستكون حرا لدولة حديثة من يحكمها يخضع له الجميع وتمكنه أموال الخِراج من الزكاة والجزية والضرائب من بسط نفوذه وثراؤه معا ؟

حكم الدولة الأموية
هي أول دولة حقيقية في التاريخ الإسلامي والدولة هنا تعني السياسة والمال والسلطة والنفوذ المطلق بضمان انتقالها مستقبلا بسلاسة إلى من بعد دون أي خلاف ... ولذلك معاوية ابن أبي سفيان يعتبر أو حاكم في التاريخ الإسلامي يورّث الحكم لقريب له وكان ابنه "يزيد ابن معاوية" والذي ورّث حكمه أيضا لإبنه "معاوية ابن يزيد" وهكذا سُنة بدعة جديدة في الخلافة الإسلامية بحكم الأمويين في توريث الحكم للأقارب ... ولفهم كيف كان يحكم الأمويين بطغيانهم يجب أن نفهم تلقائيا لما انقلب عليهم العباسيين بِغِل وحقد لا مثيل له والذي كان انقلابا دمويا بانتقام لم يسبق له مثيلا في التاريخ الإسلامي لدرجة نبشت قبور الأمويين وأحرقت وهناك من صلبوه لأياما وأسابيع معلقين أجسادهم بل حتى نساء الأمويات لم يسلمن من ثأر العباسيين ... فهناك من بيعت في أسواق لجواري والسبايا وهناك من أخذت إلى الصحراء حافية القدمين وقتلت وهناك من عملت جارية في قصور العباسيين كل تلك الأحقاد لا ترمينا إلا إلى فهم واستدراك أن حكم الأمويين كان حكما مجنونا ... والحكم المجنون من الطبيعي أن تكون ردة لفعل بانتقام لا يقل عن الفعل أو الأفعال نفسها وكيف لا والأمويين هم من أسقطوا ثلث الكعبة المشرفة وضربوها بالمنجنيق في قتال "عبدالله ابن الزبير" ... ولا ننسى استبداد "الحجاج ابن يوسف الثقفي" الذي استبد بالرعية ظلما وجورا وقتلا واغتصابا لأموال العامة ويكفي أن نعرف أن الحجاج كان يجبر الناس على القتال ومن يرفض تصادر أمواله وممتلكاته ... وهنا تكون نقطة بالغة الأهمية بالإنتباه لها أن في زمانهم لم يكن هناك جهاد إسلامي حقيقي لأن المقاتل كان مجبورا ومرغما وليس بإرادته وليس كجهاد وبيع الروح والنفس لله سبحانه ... وختام هذه الفقرة نصل إلى حقيقة إلى أن سقوط حكم الأمويين كان بسبب طغيان الحكام باستثناء العابد الزاهد "عمر ابن عبدالعزيز" والذي هو أيضا لم يسلم من دسائس ومؤامرات الأمويين من أهله فتل مسموما ... ناهيك أن نساء الحكم كانوا في صراع لأن كان دارجا وأمرا طبيعيا أن يتزوج الأمير بجاريته أي خادمته فإن أنجبت أنثى طردت أو تم تجاهلها وإن أنجبت ذكرا نسب إلى الأمير ... وما بين سليلات النسب وما بين الجاريات وأبناء هذه وتلك كانت قصور الحكم وكرا لا مثيل له من المؤامرات وهذه الشبكة المعقدة استمرت حتى حكم العباسيين والعثمانيين ؟

حكم الدولة العباسية
العباسيين يتمتعون بنرجسية عالية بسبب سلالتهم العريقة فهم من سلالة العباس بن عبدالمطلب أصغر أعمام رسولنا عليه الصلاة والسلام ... وكانوا دهاة العقول وذوو بأس شديد فإن صبروا كان صبرهم حليما وطويلا وإن قاموا قاموا كالإعصار لا شيء يقف أمامهم ... ولذلك يجب الفهم أن أثناء خضوعهم لحكم الأمويين كانوا في فرقة بسبب حروب وصراعات الخلافة من بعد وفاة "أبو بكر الصديق" ناهيكم أن الأمويين مزقوهم تمزيقا إما سجنا أو نفيا أو قتلا أو إخضاعا ... ولذلك استعان العباسيين في انقلابهم بالفرس أي العجم الذين كان لهم نفوذا غريبا باختراق دولة الخلافة الإسلامية واستثمر العباسيين حقد الفرس ونقمتهم على بني أمية في انقلابهم وثورتهم عليهم وبالفعل تلقى بني أمية ضربات مزقتهم تمزيقا ... ففي سنة 749 م هزم "مروان بن محمد" في "معركة الزاب" على يد "عبدالله بن علي" عم الخليفة العباسي الأول "أبو العباس السفاح" وتابع جيش العباسيين مسيره من شمال العراق قاصدا دمشق التي كان "مروان بن محمد" قد تحصن بها إلا أن أهل دمشق من القبائل القيسية رفضوا مناصرته بل وقفوا ضده بسبب حجم وكم الكراهية للأمويين ... وبالفعل حاصر العباسيون دمشق من جميع جهاتها ورغم ضعف إمكانات الأمويين إلا أن المدينة صمدت شهرا ونصف وتنقل أغلب الروايات بسبب متانة أسوارها وشدة تحصينها ... ثم تمكن العباسيون من ثقب السور عند باب الصغير وقتل بنتيجة المعركة "الوليد بن معاوية" قائد الجيش الأموي المرابط فيه ومنه فتحت سائر أبواب دمشق للعباسيين ... وبعدها ارتكب العباسيون عند دخول قلب الخلافة الأموية عمليات النهب والتدمير وقد قال المقدسي أن "عبدالله بن علي" أمر بأن يهدم السور حجرا حجرا وقال "ابن عساكر" أن الجند العباسيين كانوا يجزّون الرؤوس في الطرق وينهبون ما يحصلون عليه من الأموال ... كما قتلوا أغلب أعضاء الأسرة الأموية وصلبوا بعضهم الآخر من أمثال "عبدالله بن عبدالجبار بن يزيد" ولم تسلم الأمويات أيضا فعلى سبيل المثال نقل "البلاذري" أن زوجة هشام بن عبدالملك اقتيدت إلى البرية وهي سافرة وحافية ثم قتلت فيها كما أقدمت ابنة "مروان بن محمد" على الإنتحار وحتى أموات بني أمية نبشت قبورهم وأحرقت بقايا جثثهم ... وسقط حكم العباسيين بسبب حب المال والنساء ونهب ثروات الرعية والأهم نقمة الفرس على العباسيين فمن حلفاء إلى أعداء ... ناهيكم عن ظهور حركات تمرد واسعة أطلق عليها "دويلات المماليك" "الإدريسية" في المغرب العربي و "الفاطمية" في مصر والتي وصلت حتى إلى الحجاز واليمن ... أمام كل هذا الضعف لا يمكن الفهم لفرط القبضة الحديدية للعباسيين إلا من خلال انتشار الفساد وجعل سفلة القوم وأرذلهم في المناصب العليا وتقلد الفاسدين قيادات الجيش فأصبح الساقط يأمر الشريف مما أضعف ومزق الروح المعنوية للجيش ... وازدهر في عهد العباسيين "أخر زمانهم" تجارة الدين والمذاهب فتجاسر الفرس على المسلمين فدسوا ديانات "المانوية والمزدكية والزرادشتية" ... وقد نجحوا بالفعل إلى المزيد من تفرقة الخلافة العباسية وإضعافها وسقطت هيبة العباسيين بسبب صراعات قصور الحكم وصراعات حرائر العباسيات مع نساء الجواري الاتي أنجبن أمراء ومزق الفرس الدولة العباسية من بوابة "البرامكة" الذين كادوا أن يحكموا الخلافة الإسلامية ... وختم وانتهى حكم العباسيين غزو واجتياح هولاكو لدولتهم فأباد أشرافهم وساداتهم وكبرائهم ونسائهم وأبنائهم ومزقهم تمزيقا ما بعده تمزيقا ؟




دمتم بود ...


وسعوا صدوركم