2019-02-22

لماذا العرب دائما فاشلون في المظاهرات ؟


سؤال لا أحد يريد أن يسأله وطالما لا أحد يسأل يعني أن ليس هناك إجابة ... لكني سأسأل وسأحلل الإجابة : لماذا العرب دائما فاشلون في المظاهرات ؟ ... فعلا لماذا أي مظاهرة يجب أن يكون فيها من يتحدث ومن يقود ومن يشتم ومن يقوم بإتلاف أو تخريب الممتلكات العامة والخاصة ؟ ... من قال لكم أن هذه هي المظاهرة الحقيقية ومن قال لكم أن المظاهرات التي تقوم في الدول الغربية صحيحة ؟ ... هل عندما تقوم بقطع الطريق وتدمير ممتلكات الدولة التي تعود ملكياتها للشعب وللعامة وحرق الإطارات وحرق سيارات الشرطة ومنع مرور سيارات الإسعاف يعني أنك نجحت في المظاهرة ؟ ... كلا وأبدا بل بمثل هذه الممارسة تمنح تعاطفا بالمجـــــان للحكومة المخطئة الفاسدة المجرمة سموها كما شئتم ... والأهم عندما تقوم المظاهرات لماذا دائما يكون هدفها الحاكم أو الحكومة ؟ لماذا لا يكون هدفها الضغط من أجل تحسين الخدمات أو لإنهاء معاناة المواطنين أو بطلب النهضة للوطن ؟ ... أتذكر أني قد كتبت كثيرا في مواضيع عن حقبة الحراك الكويتي "المشكوك في وطنيته" وأهدافه في 2011 وكيف تم تظليل الكثيرين بزعم مكافحة ومحاربة الفساد بكان العنوان فضيلة ومشروع لكن تفاصيل الموضوع كان فاسدا شيطانيا ... ولذلك لا عجب أن يفشل وتحترق كل أوراق قادة ذاك الحراك الشيطاني فأصبحوا من الماضي الأسود في تاريخ الكويت ... مع العلم أن كانت لديهم أدوات لو فطنوا باستخدامها لقلبوا الطاولة السياسة على كل من يجلس حولها لكن لم تكن الكويت سوى من ضمن أهداف سقوطها في حقبة "الربيع العربي" ... التظاهر يعني أنك تمتلك حجة ومنطقية في الإحتجاج وأنك استنفذت كل سبل المطالبة والضغط وبالتالي تتجه إلى الحراك الشعبي بشرط دون الإضرار بالأخرين ... وكلنا رأينا عندما تفسد المظاهرات وتكون بمخطط خارجي وبجهل داخلي ماذا كان الثمن الباهض الذي دفعته تلك الشعوب فجاءها أسوأ ممن كان يحكمها بأضعاف ؟
 
كيف تريد الناس أن تتظاهر ؟
لو وقف اليوم 100 شخص في ساحة ترابية بعيدة عن المدينة وزحمة الطرقات في البر أكرر في البر ... أي لا شوارع ولا طرقات ولا إزعاج للمارة ولا تشويه صورة الوطن ولا الإضرار بأي شكل من الأشكال بالممتلكات العامة ... وقف 100 شخص ورفعوا لافتات احتجاج كتب عليها بضع كلمات تعبر عن مضمون الوقفة ومدة وقوفهم 5 ساعات ... ثم في اليوم الثاني وصل المحتجين إلى 500 فرد يرفعون اللافتات بأدب واحترام لا أحد يصرخ ولا أحد يشتم ولا أحد يستعرض عنتريات الجاهلية ... ثم في اليوم الثالث وصلت أعداد المحتجين إلى ألف شخص واليوم العاشر إلى 3.000 وبعد أسبوعين وصل العدد إلى 7.000 وبعد شهر تراوحت الأعداد ما بين 15 و 20 ألف نسمة ... وبنفس النهج لا شتم لا تطاول الكل محترم والكل منضبط والكل يحمل مسؤلية الوطن ... فهل الأمن سيجرؤ على فض اعتصامهم ؟ كلا ... هل الحكومة تجرؤ على تجاهل مطالبهم ؟ كلا ... لأنهم تلقائيا ومنذ اليوم الثالث وبسببهم ستشتعل مواقع التواصل الإجتماعي وستمنح المحتجين الغطاء الشعبي العارم الذي يؤيد حقهم بالتعبير في خطوة لم يسبق لها مثيلا لأنهم حملوا المسؤلية الوطنية مع وقفتهم الإجتجاجية وبالتالي لا يوجد أي مبرر لقمعهم أو اعتقالهم ... بل ستتسبب الحكومة بمشكلة شعبية عارمة إن سببت أو ألحقت الضرر بأي أحد منهم لأنهم طبقوا الإحتجاج المسؤل الخالي من أي شخصانية أو أهداف قد تضر بمصالح الوطن والمواطنين ... ناهيكم من أن أعداد المتظاهرين تلقائيا ستتزايد بشرط ضبط الحضور من الخروج على خطط قادة الإحتجاج بعدم الشتم والسب وعدم التطاول وعدم الشخصانية والأهم تنظيف موقع الإحتجاج في كل يوم ... ولا أستبعد على الإطلاق من نجاح هذه الوقفة الإحتجاجية السلميـــــة التي بدأت بتحضر وبوطنية وبمسؤلية وانتهت برقي وهدوء وخرج الجميع بمكاسب ترضي الجميع ؟

إذن أين المشكلة ؟
المشكلة أن العقل العربي يريد أن يحقق مطالبة بأكبر قدر ممكن من الضغط بكافة أشكاله "الغير مقبولة" وبأسرع وقت ممكن ... وهذا ما يسبب سهولة دخول المندسين بين المتظاهرين فهذا يصرخ بكلمة مستفزة وذاك يؤيده وذاك يصفق له بتوزيع أدوار أعدت مسبقا ... يندفع معها السفهاء فيظنون أن قوة الدفع والفوضى قد تربك الرجل السياسي والأمني وعليه يحدث التصادم المطلوب فيتم التصوير ثم تسويق التصوير لوسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي ... ولذلك عندما بدأت حركة "السترات الصفراء" في فرنسا في شهر 5-2018 تعاطف معها المجتمع الفرنسي بقوة في أول أسبوع ... لكن عندما تمت عمليات التكسير والحرق وإغلاق الطرقات والشوارع ونهب وسرقة المحلات بدأ الشارع الفرنسي يستوعب حقيقة ما يجري وأنه مخطط يعتبر الأذكى في العالم بأن قيادات الحراك غير معروفين ... لكن ضرر المجتمع الفرنسي منح تعاطف شعبي فرنسي عارم مع الحكومة التي غضبوا منها قبل أقل من شهر مما أضعف الحركة شعبيا ... حدث كل هذا فقط عندما تعرض عامة الشعب إلى إلحاق الضرر بهم شخصيا عبر تحطيم ممتلكاتهم والشعور بعد الأمن وأن الوطنية والمطالب المشروعة لا تتم عبر ترهب العامة وتدمير ممتلكاتهم ... والأهم الأهداف المشروعة للإحتجاج لا يجب أن تكون على حساب قطرة دم واحدة أو نفس تزهق وإلا أصبحت الوطنية كاذبة ومشروعية الحجة باطلة والتشكيك بوطنية المحتجين أمرا مشروعا ... مثل الرجل الذي يفجر نفسه بين الأبرياء فوددت أن تسأله : مشكلتك مع الأمن إذهب وفجر بالأمن مشكلتك مع الحاكم إذهب وفجر بالحاكم مشكلتك مع الحكومة إذهب وفجر بالحكومة مالك ومال المواطنين الأبرياء !!! ... والمتظاهر ينطبق عليه المثل لماذا تدمر ممتلكات المواطنين الأبرياء مالك ومالهم ولماذا تقطع الطرق عنهم وتمنعهم من الذهاب إلى أعمالهم والبحث عن أرزاقهم ... وبالتالي هناك أساليب كثيرة ومتعددة لصناعة شعبية قادرة على اكتساح القرارات الحكومية بل وإخضاعها لكن المراهقة السياسية هي من تسقط أصحابها دائما وأبدا بشر اعمالهم وبغبائهم وتوفر مكاسب سياسية وشعبية للحكومات الفاسدة بشكل مجاني يجعلك تضرب أخماسا بأخماسا من هول الغباء الشعبي والرعونة السياسية ؟ 

حقك بالتظاهر مشروع لكن دون الإضرار بالآخرين






دمتم بود ...


وسعوا صدوركم