في هذا الموضوع الذي أظن أنه سيفهم بشكل خاطئ أسلط الضوء على تسلسل
زمني وحقبة تاريخية شديدة الأهمية أثرت علينا تأثيرا بالغا وغيرت عقولا ومفاهيم
كثيرة ... المجتمعات الخليجية قاطبة منذ القدم هي بطبيعتها مجتمعات عربية ذات أصول
أنساب عريقة لدرجة مذهلة وهذا الأمر راجع لعادتها وتقاليدها منذ آلاف السنين ...
وفي نفس الوقت هي مجتمعات محافظة جدا ولها قواميسها الخاصة تقبل أو لا تقبل بها صح
أم خطأ جاهلية أو غير جاهلية ليس هذا موضوعنا لأن بالذات هذه النقطة لو أردت الخوض
فيها قبل 200 سنة فسوف تكتشف عجب العجاب في المجتمعات التي تدعي الحداثة ... لكن
هناك أمر في غاية الأهمية لتحليل فهم كيف المجتمعات العربية المحافظة في منطقة
الخليج العربي تصل إلى مرحلة من التفسخ المجتمعي والإنقسام على الذات ؟ ... وهنا
يجب أن نعود إلى الوراء لفهم ما حدث وكيف حدث وأسباب ما حدث ... فالكويت هي الدولة
والشعب الأول الذي انطلق خارج محيطه إلى الخارج وكيف لا والراحل "مراد
بهبهاني" هو أول كويتي وخليجي يصل إلى مدينة نيويورك في سنة 1934 و سنة 1936
كان في سويسرا وأصبح وكيلها وممثلها الحصري في منطقة الخليج العربي ... والثقافة التي كانت تنير الكويت قبل أن يطأها العرب من مصر ولبنان وسوريا عندما كان الراحل "محمد الرويح" يجلس في مكتبة الكتب والمجلات الخاصة به في سنة 1920 ... لكن
الإنفتاح الإجتماعي الخليجي على الخارج حدث بعد اكتشاف النفط وتثمين الأراضي
والمنازل فترك الخباز والنجار والحداد وصانع السفن "القلاف" واللحام
وغيرهم مهنهم وما توارثوه عن آبائهم ... وشيئا فشيئا بدأ الترف والمغامرات المالية
تضرب المجتمع بأسره وهذه كانت حقبة نهاية الأربعينات بداية الخمسينات فطار الكثير
من الخليجيين إلى فلسطين والقدس ومصر ولبنان وسوريا وبغداد ... وكان هذه الدول
بالتحديد هي الأكثر استهدافا من الكويتيين والخليجيين بسبب اللغة أولا بحكم أن
الكثرين لم يكونوا يعرفون اللغة الإنجليزية ... والبعض اختار أمريكا وبريطانيا
وفرنسا وألمانيا رغبة بتجربة كانت استثنائية آنذاك وما بين شرق وغرب حدث التغير
الإجتماعي ... وفي المقابل حدثت هجرة عكسية من قبل الدول التي ذكرتها إلى الكويت
والخليج طلبا لتحسين ظروفهم بحكم أن منطقة الخليج والنفط ظهر والمال أصبح متوحشا
ومجنونا ودولا تريد أن تصنع نهضة فكان مئات الآلاف يرتمون في الخليج ؟
ما بين سياحة الخليجيين ودراسة أبنائهم وقع التغير الإجتماعي الذي كان
أكثر من المطلوب فحدثت زواج ومصاهرة بين مئات الآلاف من العراق ومصر وسوريا ولبنان
والقليل من أمريكا وبريطانيا ... كل ذلك حدث وكان هناك انضباطا في المجتمع الكويتي
والخليجي انضباط من ناحية الأخلاق واحترام الذوق العام وتوقير العادات والتقاليد
... ثم في بداية الستينات ظهرت التلفزيونات العربية وكان تلفزيون العراق هو أول تلفزيون
أنشأ سنة 1957 ثم تلفزيون لبنان في سنة 1959 ثم تلفزيون مصر وسوريا في سنة 1960 ثم
تلفزيون الكويت سنة 1961 ثم تلفزيون السعودية سنة 1965 ... ضف على ما سبق أن الفن
المسرحي بدأ منذ العشرينات في مصر والثلاثينات في الكويت والإذاعات أطلقت بثها في
الدول العربية منذ الأربعينات والخمسينات ... إذاعة ومسرح وتلفزيون كلها عوامل
كانت كافية أن تبدأ بتغيير أي مجتمع وعسيل العقول التي كانت عمياء ثم جاءت تلك
الوسائل لتدهش الإنسان البسيط الذي كان ينام بعد صلاة العشاء ويصحوا على أذان
الفجر ... لتبدأ مرحلة جديدة في صناعة الصدمات الإجتماعية فعندما سافر الخليجيين
إلى الدول العربية وجدوا الإنفتاح والموضة والشباب مع البنات في جلسات كان آنذاك
مثار دهشة واستغراب ... والمرأة تخرج لوحدها وتقضي مشاويرها ساعد كل ذلك الأفلام
العربية المصرية واللبنانية والسورية والتي كانت هناك صناعة سينما في سوريا ولبنان
ومصر ... ومن هذه الأفلام بدأ الجنس يغزو دول الخليج لبس فاضح ورقص وأجساد عارية
وراقصات ومراقص وتجسيد لشكل السكران وصناعة تجميل للخمر وأنه يجب أن يلازمه
"المزة" والإضاءة الحمراء والجنس الناعم والدخان شيشه أو سجائر ... وبعد
استهداف الغرائز الجنسية تم استهداف شخصية الإنسان وتحريضه على التمرد والخروج على
المجتمع وعدم الإنصياع لتخلفه وحرية الرأي وحرية المرأة ... وتأليف مئات الأفلام
التي تعلمك كيف تكذب وكيف تبرر وكيف تخون وكيف تغش وكيف تتحايل والأخطر كيف تصنع
تصور خيال لجنس والرغبة بمن أمامك دون أن تعبر عن ذلك ... ثم مرحلة السبعينات
مرحلة الأفلام السياسية وأقصى درجة من الأفلام التي تحتوي على أقوى المشاهد
الجنسية الفاضحة التي أدت إلى تغير المجتمعات الخليجية وقلبتها رأسا على عقب ...
ليسجل التاريخ أن مصر وسوريا ولبنان هما البوابات العربية التي استهدفت منطقة
الخليج بالإنحلال الأخلاقي وغسيل العقول في الفكر السياسي ... وعلى النقيض نفس هذه
الدول كانت ترسل الأطباء والمدرسين للعمل في أقدس مهنتين لكن في نفس الوقت كان
هناك صراع بين من يصنع جيل ومن يدمر أجيال ... ولو شاهدتم الأفلام العربية المصرية
القديمة وحتى يومنا هذا فلا بد من تجسيد دور الخليجي الذي يتم تصويره على أنه
"كلب جنس" لا يخلو مرقص أو كابريه في فيلم إلا والزي الخليجي حاضرا
لتحقيره وتثبيت صورة مسيئة عن الرجل الخليجي ؟
يا سادة لقد كان صراع من قلب دولهم بين الفضيلة والرذيلة فصدروا إلينا
الإثنين معا لكن الرذيلة هي من انتصرت في أوطانهم ولم يتوقف الأمر على هذا فحسب بل
صدروا إلينا فسادهم ... ولذلك ليس من الغريب ولا المستنكر ولا المعيب أن كل
الإعلام اللبناني والسوري والمصري لا أحد يسلط الضوء على أفضال دول الخليج على
أوطانهم ... ولا أحد يوثق البطولات الخليجية في أزماتهم الإقتصادية الكثيرة التي
كادت أن تسقط تلك الدول ولا أحد إلى يومنا هذا يذكر دماء شهداء الكويت والسعودية
الذين استشهدوا على أرض مصر ... ولا يذكرون الجيش الكويتي في الجولان السوري
وسيناء مصر ولا بعشرات المليارات من الدعم الإقتصادي الكويتي لسوريا ومصر ولبنان ...
إنهم فقط يذكرون عظمة أوطانهم وعظمة شهدائهم وعظمة علمائهم والمعايرة والذلة لنا
كخليجيين وكأن تلك الدول كانت تمنحنا القروض والمساعدات والهبات وتضح في أوطاننا
الإستثمارات ويرسلون أبنائهم للعمل في أوطاننا بالمجان ... لا شيء يذكرون في كل
إعلامهم ولا شيء يوثقون في أرشيفهم هم فقط لا يزالون يرون كل الشعوب الخليجية مجرد
قطعان من البدو والجهلة والمتخلفين و "كلاب جنس" ولولا البترول لكنا
خيمة وغنمة وبعير وهذا جهلهم بالتاريخ العربي ... إنها يا سادة عقيدتهم شئتم أم أبيتم عقيدتهم
وصناعة فكر تم غسل أدمغتهم بصورة مقززة عن دول الخليج وارجعوا إلى اليوتيوب في
الخلافات السعودية المصرية والقطرية المصرية لأي درجة وصل الإنحطاط في الفهم
والقول والسب والشتم ... وارجعوا إلى خطابات الرئيس المصري "جمال عبدالناصر
وأنور السادات" ماذا كان يقولون عن حكام الكويت والسعودية والعراق وسوريا ...
لقد تم استهدافنا مرتين ففي المرة الأولى استهدفونا فكريا وجنسيا وأخلاقيا وسياسيا
وفي المرة الثانية استهدفونا ماليا واقتصاديا وفسادا إداريا وإلى قيام الساعة لن
تتغير نظرتهم عنكم ولو سجدتم لهم ولو منحتموهم كل ما تملكون "إلا من رحم
ربي" من الصالحين والشرفاء والمخلصين منهم ... وربما والله أعلم أن ما أصابهم
وما سيصيبهم هي نتيجة سوء وخبث النوايا وعدم الإخلاص في القول والعمل وتلك صفة
المنافقيــــــــن والعياذ بالله من النفاق والمنافقين ... ولا أملك في الخاتمة
إلا أن أدعوا لهم وللجميع بالهداية والبصيرة وقلبي لا يتمنى لأي وطن وشعب عربي إلا
كل خير وكل صلاح وإنسانية ورحمة وخيرا من رب العالمين ومن أخطأ ويخطئ وسيخطئ في
حقنا فله رب سريع الحساب يرى ويسمع سبحانه وملائكته تسجل وتوثق وجزاؤه عند ربه
وليس عندنا ومن نطق بالحق منهم فقد أبرأ ذمته ونطق بالحق وهو محمودا ومشكورا لدينا
بالتأكيد ؟
دمتم بود ...
وسعوا صدوركم