2022-03-01

بحث : فصل الحجاز عن السعودية وعودة الحكم التركي ؟

 

في هذا البحث السياسي والذي بطبيعة الحال يجب أن يكون متجردا من العواطف ليكون العقل والرؤية الثاقبة هما المتحدثان في موضعنا هذا ... فإن وقع ما أتحدث عنه فاللهم قد بلغت وإن لم يحدث فلله الحمد الذي بيده سبحانه كل الأمور ... لذا اقتضى التنويه . 

الموضــــــــوع 

في موضوعنا وبحثنا هذا ليس المقصود فيه السعودية حصريا لأنها لا تملك الحرمين الشريفين لا ملكية سياسية ولا ملكية شرعية إنما المملكة هي راعية للحرمين الشريفين ... وقبل الخوض في عمق بحثنا هذا لا بد أن نسجل أمانة وحقيقة تاريخية وهي أنه لا توجد خلافة إسلامية على الإطلاق رعت وطورت واهتمت بالحرمين الشريفين مثلما فعلت المملكة العربية السعودية ... وهذه الأمانة والحقيقة نسجلها سواء الحرمين تحت حكم السعودية أو خارج حكمها لكن التاريخ يجب أن يسجل ويوثق الحقائق كما هي ... أما في تاريخنا الحديث فكانت هناك مخططات إقليمية تندرج في دائرة المؤامرة ... مخططات للإستيلاء على جزء من أراضي ومخطط لغزو أراضي ومخطط لإسقاط أنظمة عربية ومخطط لتقسيم الوطن العربي بمزيد من التقسيمات ... وفي موضوعنا هذا أتحدث معكم حول المخطط التركي لتقسيم السعودية وفصل الحجاز عنها والحكم التركي لها ... وهذا المخطط ظهر للوجود منذ وصول الإسلاميين للسلطة في تركيا العلمانية في 2002 أي قبل 20 سنة عندما وصلت حكومة "عبدالله غُل" للسلطة ... ومن المهم قبل أن نخوض في المخطط التركي أن نذكر الجميع بـ "صفقة القرن" وهي المؤامرة التي قادتها "السعودية وإسرائيل وأمريكا ومصر" لطرد فلسطيني قطاع غزة وإنشاء لهم وطن وكيان مستقل في شمال سيناء بديلا عن الأراضي الفلسطينية ... وهذا المخطط كان ظاهره إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني واستعادة نهضته لكن في حقيقته كان مخططا أُعّد لخدمة الكيان الصهيوني حصريا ... وعلى الجانب الأخر كان المخطط يشمل إضعاف الأردن وإشعاله بحرب أهلية وصولا لإسقاط نظامه ... وأظن وأعتقد أن مخطط "صفقة القرن" كان مخطط مضاد لمخطط "فصل الحجاز عن السعودية" وعودة الهاشميين في الأردن لموطنهم الأصلي في مكة المكرمة والمدينة المنورة والذي أطلق عليه وقتها مشروع مخطط "إسرائيل الكبرى" ... هو المخطط الذي أول من كشف عنه "مجلة كيفونيم" التي تصدرها "المنظمة الصهيونية العالمية" في عددها بتاريخ 14-2-1982 والتي عرفت بـ "خطة يِنون - Yinon Plan" ... والتي كشفت عن الإستراتيجية الصهيونية في الشرق الأوسط وفيها وضع مخطط تدمير الدول العربية الكبرى ذات التأثير "العراق - سوريا - مصر - السعودية" وتفكيك "الأردن - لبنان - الضفة الغربية" في فلسطين... أما دعوات فصل الحجاز عن السعودية فأول من طالب بهذا الأمر كانت إيران في عهد الخميني بما أطلقت عليه "تدويل الحجاز" أي يكون برعاية أممية أو دولية والذي بالتأكيد رفضته الدول العربية آنذاك ... والخميني مؤسس الثورة الإيرانية لديه تصريحات كثيرة شديدة العداء للسعودية وأحد تلك التصريحات خطاب ذي الحجة 1408هـ 1987م والذي قال فيه : سندخل المسجدَ الحرامَ مع الإحتفال بانتصار الحق على جنود الكفر والنفاق وتحرير الكعبة من أيدي من ليسوا أهلا ومن ليسوا من محارمها وخاصتها ... وقضية "تدويل الحرمين" خرجت من عدة جهات في 1987 - 1988 - 1991 - 2015 - 2017 - 2018 وتحديدا من إيران والعراق وقطر سواء بشكل رسمي أو عبر مطالبات شعبية ومنظمات مجتمع مدني بغطاء سياسي بالتأكيد ... ناهيك عن تجمعات طلابية وسياسية بالتأكيد مأجورة أو تحت التطويع السياسي في أندونيسيا والجزائر ... والأخطر كان مخطط الصهيوني "برنارد لويس" الذي تبنته إسرائيل الصهيونية والإدارة الأمريكية وتم إدراجه في ملفات السياسة الأمريكية الإستراتيجية لسنوات مقبلة بعد أن وافق عليه الكونجرس الأمريكي واعتمده في 1983 وهو مخطط تقسيم الشرق الأوسط و "تفتيت المُفَتت" ... هو نفس المخطط الذي الإدارة الأمريكية في عهد "جورج بوش الإبن" وأطلقته وزيرة خارجيته "كونداليزا رايس" في 2005 والذي أسمته بـ "الفوضى الخلاّقة" و "الشرق الأوسط الجديد" ... إذن مسألة إسقاط أنظمة الحكم وضم أراضي وإعادة توزيعها وتقسيم الشرق الأوسط ليست بالمسألة الجديدة ... والحجاز جميعنا نعلم أنه موضوع على طاولة الأهداف الإستراتيجية والتي سنتحدث عنها باستفاضة وبوضوح وبشفافية لاحقا وبالتالي مسألة فصل الحجاز عن السعودية هي قضية كثير من يقاتلون من أجلها ... مع عدم إغفال أن الكيان الصهيوني يرى بإسقاط أو إضعاف أو تقسيم السعودية هدفا استراتيجيا يستحيل التخلي عنه ... لأنهم يريدون هدفين أولا : عودة إرث اليهود في المدينة المنورة من أسلاف "بنو النظير - بنو قريظة - بنو قينقاع" ... ثانيا : كسر وإنهاء أهم ثقل اقتصادي تستند عليه الأمة العربية والإسلامية ألا وهي السعودية ... والحجاز هو تحت الأطماع "الإيرانية - التركية - المصرية" كل وله مبرراته لكن السعودية وقفت للجميع بالمرصاد طيلة تأسيسها نشأتها الأولى والحقيقية والتاريخية في سنة 1932 أي منذ 90 عام ؟

من يملك الحجاز فقد ملك المسلمين 

تلك عقيدة المسلمين أن من يحكم "مكة المكرمة والمدينة المنورة" تلقائيا يحصل على دعم وتعاطف أمة الإسلام بأسرها ... لكن للسياسة حديث أخر مختلف كليا فإن السياسة كان دائما ما توظف الدين لصالحها وتتكسب من خلاله أي أننا نتحدث عن "الإسلام السياسي" ... منذ الخلافة الراشدة إلى الخلافة الأموية إلى الخلافة العباسية إلى الدولة السلجوقية إلى الخلافة العثمانية ثم الهيمنة المصرية ثم الدولة السعودية حاليا ... جميعهم كان لهم شرف رعاية وحماية الحرمين الشريفين مع ملاحظة وتذكير أن تلك الحماية لم تكن مطلقة وكاملة 100% ... فكثيرا ما تعرضت مكة والمدينة إلى غزوات وضربات وسرقات في ظل حكم تلك الخلافات والدول على مدار أكثر من 1.300 عام ... ولا يعتقد الكثير منكم أن الحرمين كانوا في أمن وأمان كلا وأبدا بل ومطلقا بدليل وجود أسوار حول الحرمين لحمايتهم من الغزوات والحروب وإن لم تخني ذاكرتي فإن أخر سور تم هدمه كان في خمسينات القرن الماضي أي منذ وقت قريب ... لكن يبقى الواقع كما تحدثنا أن من يحكم الحرمين يملك تعاطف المسلمين كافة بسبب عاطفتهم الدينية الرائعة بطبيعتها ... لكن الإرث يبقى إرثا وهذا سبب الخلافات الدائمة بين مشايخ الدين في السعودية وبين الأزهر في مصر ... فهم مروا بعواصف كثيرة جدا بين الخلافات والصراعات التي ظهرت كثيرا إلى العلن والطعن فيما بينهما فهذا يتهم ذاك بالظلال والبدع وهذا يتهم ذاك بالتطرف والإرهاب ... لكن الأتراك ظلوا في حسرة عظيمة بسبب سقوط خلافتهم الإسلامية وفقدانهم لأهم مقدسات المسلمين ... بل أن أهم الأثار الإسلامية وأعظمها أهمية لا توجد في مصر ولا في السعودية بل في تركيا وأهمها "متحف الأثار الإسلامية" في إسطنبول ... أي نحن نتحدث عن إرث وأثر الرسول عليه الصلاة والسلام وآل بيته والصحابة والخلفاء وهو ما ورثته الخلافة العثمانية عن الخلافة العباسية بحكم عثماني دام لأكثر من 620 عاما ... على الجانب الأخر كان واقع السقوط العثماني والذي تحول إلى حلم تركي باستعادة الحرمين أو الحجاز ظل هاجسا طويلا لدى الأتراك ... وفي حالة من التناقض فإن الشخصية التركية الإجتماعية معظمها لا يكن أي ود أو احترام أو تقدير للعرب وتحديدا عرب الجزيرة العربية لأنهم يعتقدون أنهم كانوا سبب سقوط الخلافة العثمانية ... مع أن الحقيقة والواقع وفوقهم تاريخهم يؤكدون جميعهم أن العرب لم يقوموا بغزو واحتلال "العاصمة العثمانية إسطنبول" كما فعلت القوات البريطانية والفرنسية والروسية في 1918 ولم يسقطوا السلطان "عبدالحميد الثاني" مثلما فعل الشعب العثماني وبرلمانهم آنذاك ... والشعب العربي أو عرب الجزيرة العربية وقبائلها لم يخونوا السلطة العثمانية مثلما قام الأتراك أنفسهم بخيانة سلطانهم ومهاجمة قصره وشتمه في الشوارع علنا ... وبالعودة إلى محورنا فإن من يملك الحجاز ملك المسلمين ليس هذا فحسب بل اليوم وقد توسع الحرمين الشريفين توسعات لم يسبق لها مثيلا وهذا بفضل من الله سبحانه ثم لأسرة الحكم في السعودية "آل سعود" ... وبالتالي نحن نتحدث عن أكثر من 15 مليار دولار مصدرها إيرادات الحج والعمرة في كل سنة ويمكن الإستثمار والتطوير أن يحقق أكثر من 30 مليار دولار سنويا ... مما تشكل أطماعا لـ "الدين السياسي" أي لدول عديدة تتمحور أطماعها بأن تكسب تعاطف المسلمين بالإضافة أنها تملك دخلا لا ينضب أبدا ؟

السعودية اليوم في ضعف 

بالتأكيد لا يسعدنا أن تكون السعودية في ضعف ويسعدنا حقا أن تكون قوية لكن فعليا المملكة العربية السعودية اليوم في ضعف لم تشهد له مثيلا في تاريخنا المعاصر ... والضعف الذي نتحدث عنه هو ضعف سياسي لا يمكن وصفه إلا بالكارثي والذي أصبح يشكل خطرا كبيرا جدا ليس على السعودية ككيان وحدودا فحسب بل وحتى على نظام الحكم نفسه ... فمقتل المعارض السعودي "جمال خاشقجي" ضرب سمعتها الدولية والعالمية بمقتل بالإضافة إلى خسارتها السياسية في لبنان وهزيمتها في اليمن وفشلها في سوريا والعراق والضعف القاتل أمام إيران وانكماشها وضعفها أمام تركيا وهزيمتها السياسية أمام قطر وخلافاتها مع أميركا وأزماتها السياسية مع "ألمانيا - كندا - السويد" ... ناهيكم عن ما تنشره الصحافة العالمية عن المملكة منذ 5 سنوات والتي بالفعل حملات إعلامية قد أتت أُكلها وخطوات التقارب "السعودية الإسرائيلية" والتي وصلت إلى "تعاون وثيق غير رسمي" بين البلدين باعتراف الكيان الصهيوني + مظاهر الترحيب باليهود ودخولهم مكة المكرمة والمدينة المنورة "المحرمة شرعا" والسماح بعبور الطائرات الإسرائيلية المدنية والعسكرية فوق أجواء المملكة واعتراف رئيس الكيان الصهيوني السابق "نتياهو" بعلاقات حقيقية جرت بين السعودية والكيان الصهيوني ... فباتت السمعة الخارجية للملكة بأسوأ حالاتها ونقمة عربية واسعة النطاق ضد المملكة بشكل لم نشهد له مثيلا ... أما السعودية داخليا فحرب الأمراء قائمة والصراع داخل الأسرة الحاكمة في حال توقيت الإنفجار والبطالة تمزق المجتمع والتي وصلت لأكثر من مليون عاطل والتضخم الإقتصادي وتراجع نسبة الإستثمار الأجنبي ورفع أسعار الماء والكهرباء والبنزين وفرض "ضريبة القيمة المضافة" التي تم تطبيقها في 2018 بواقع 5% وتم رفعها إلى 15% وإيقاف "بدل غلاء المعيشة" في 2021 ... كلها أزمات فشل "موسم الرياض" أن يسترها + غالبية الشعب السعودي هو بطبيعته شعب محافظ وما يظهر على السطح ما هم سوى نسبة لا تزيد بأفضل أحوالها عن 20% ... مع عدم إغفال أن الإقتصاد السعودي يعاني من العجز والدين العام وحالة من نزيف الإقتراض المستمر بحرق حصص ملكية شركة النفط السعودية "أرامكو" ... ناهيكم أن في 2015 بلغ حجم الصندوق السيادي السعودي أكثر من 757 مليار دولار أما في 2021 فقد انخفض إلى 430 مليار دولار أي خسارة 320 مليار دولار خلال 6 سنوات فقط ؟

إن كل هذه الحيثيات من الطبيعي أن تجعل السعودية اليوم في ضعف سياسي واقتصادي كبير جدا وهو ما يحفّز الطامعين بها إلى بدأ التحرك ضدها وأهمهم "تركيا - إيران" فتركيا وهي محور موضوعنا لديها إرث تريد استرجاعه وهي منطقة الحجاز فإن لم تحصل على الحجاز كاملا فليس أقل من محافظة "مكة المكرمة" ومحافظة "المدينة النورة" ... أما إيران فلديها صراع عقائدي متوحش بينها وبين السعودية مشتعلا منذ 40 عاما وهو في حقيقته صراع سياسي صرف لكن تم توظيف الدين الإسلامي وزج عقيدة "السنة - الشيعة" في هذا الخلاف ... مع عدم إغفال أن هناك أطماع مصرية قديمة وهي تريد أن تكون الدولة الأولى بالمرجعية الإسلامية لكن دون الحصول على مكة والمدينة فتبقى مجرد هرطقات ... حتى مع افتتاح مصر قاعدتها العسكرية "برنيس" في 2020 والتي تم تحديد موقعها مقابل مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة لكن تبقى مصر أبعد ما يكون من أن تقحم نفسها في ملف أكبر منها عسكريا مقارنة مع تركيا وإيران ... ناهيك أن نفس دول مجلس التعاون من مصلحتها إضعاف السعودية ولا أبالغ إن قلت أن من أهدافها الإستراتيجية هو تهميش وإضعاف السعودية لأقصى درجة ممكنة ولو سقط الحجاز من المملكة ولو تم إسقاط نظام حكمها لأن تلك الدول تشعر بخطر وجودها وبقائها ما دامت السعودية ونظامها باقيان وتلك الدول بالتأكيد هي "قطر - الإمارات" ... فالإمارات قامت بمهمتها على أكمل وجه فورطت السعودية بمستنقع اليمن وهي أعلنت انسحابها رسميا من اليمن لكنها تدير مرتزقتها هناك في حالة لا يمكن وصفها سوى بـ "ضرب الحليف للحليف" أو الخيانة بأبشع صورها وسط عجز سعودي ليس له تفسير سوى أنه موافقة علنية على الضعف ... وفي الجهة الأخرى قطر التي أصبحت تقوم بدور أكبر من حجمها لكن قوة سياستها وتنوع نفوذها ونجاحها في ملفات كثيرة مكنها بجدارة بأن تسحب البساط من تحت أقدام السعودية بل المملكة اليوم أصبحت تطلب وساطة قطر وتدخل قطر في ملفات مثل "أفغانستان - العراق - إيران" ... ناهيك عن انتصار قطر السياسي في أزمتها الأخيرة وإحباط تغيير نظام الحكم القطري في 1996 والذي كان مخططا "سعوديا إماراتيا بحرينيا مصريا" ... ونتيجة لما سبق فقد خسرت السعودية قيادتها السياسية لصالح قطر والتجارية لصالح الإمارات والإسلامية لصالح تركيا والهيمنة الإقليمية لصالح إيران ... فماذا بقي للمملكة سوى موسم الرياض والحفلات الغنائية والجيش المهزوم في اليمن وفقدان الحلفاء في "لبنان والعراق وسوريا وليبيا وتونس" وتوترات وعلاقات غير موثوق فيها مع "باكستان وماليزيا وأندونيسيا وأفغانستان وتركيا" وغيرهم ؟

تركيا من الدولة العلمانية إلى الإسلامية

منذ أكثر من 10 سنوات و "حزب العدالة التنمية" الإسلامي وهو يغير قناعات الشعب التركي ويهيأ الشعب التركي ... أكثر من 10 سنوات والضخ وشحن الشعب التركي لم يتوقف سنة واحدة لإحياء الإرث التركي بالفتوحات الإسلامية ... تلك المنهجية أدت إلى أن التيار الإسلامي في تركيا أصبح طاغيا مؤثرا محوريا صلبا في المجتمع التركي العلماني ... صحيح توجد دعارة بل ومرخصة وبارات وخمور ومراقص ومثليين ومحلات رسمية مرخصة لبيع الأدوات الجنسية علنا ومحلات رسم "الوشم - التاتو" والقوانين التركية توفر عمليات الإجهاض المجانية في المستشفيات الحكومية وبمقابل في المستشفيات الخاصة دون مسائلة وبحرية مطلقة ... أي أننا نتحدث عن دولة قوانينها أوروبية ومجتمعها منفتح وخليط من "العلمانية الليبرالية الإسلامية" وهذا كان هدف التيار الإسلامي التركي الذي يريد أن تعود الهوية الإسلامية من جديد كسابق عهدها ... ففي الخلافة العثمانية أيضا كانت الدعارة والخمّارات موجودة ولا يستطيع أحد أن ينكرها لا حاليا ولا كائن من يكون ... وبعدما نجحت المسلسلات التركية بتحويل الروح المعنوية التركية من القومية العلمانية إلى القومية الإسلامية لتتضح الصورة أن المسألة لم تكن وليدة الصدفة بل مخطط أعد له بإتقان ... والحقيقة أن الأعمال الدرامية التركية لا أحد يستطيع منافستها بل سحقت الدراما "الكويتية والمصرية والسورية" ووصلت إلى العالمية عن جدارة ... لكن في أثناء إنتاج وعرض المسلسلات التاريخية ذات الطابع الإسلامي والفتوحات الإسلامية التركية مثل المسلسلات "أرطغل - المؤسس عثمان - نهضة السلاجقة - كوت العمارة - القرن العظيم" وغيرها ... وفي نفس الوقت وفي المقابل كانت هناك فعاليات إسلامية واسعة النطاق تجري مثل : حفل تخرج حفظة القرآن - سفينة الحرية لمساعدة غزة - تصريحات سياسية لنصرة أقليات مسلمة في بورما والصين والهند - إعادة الصلاة في مسجد "آيا صوفيا" - رئيس الحكومة يؤم المصلين - رئيس الدولة يقرأ القرآن - مهرجان لنصرة فقراء سوريا - تصريحات سياسية ضد إسرائيل لكسب تعاطف الشارع ... وغيرها الكثير كلها ظاهرها نعم إحياء روح الإسلام في نفوس المسلمين لكن الحقيقة تقول لنا أن ما يحدث أمر غير طبيعي وغير منطقي ... لقد نجحوا فعليا بتغيير الرأي العام التركي وتغيير التوجه التركي العام نجاحا باهرا وهذا النجاح يستحيل أن يكون وليد الصدفة أو بفعل صدف الأعمال الدرامية بل هناك مخطط ممنهج وضع بشكل دقيق وقد أتى ثماره فعلا ... وهذا التوجه التركي لا يمكن تفسيره بالتحول العلماني إلى الإسلامي إلا أن هناك غاية وهدف كان بعيدا جدا واليوم بات قريبا كثيرا وهو ما أعتقده أنه سيكون حكم الحجاز من جديد ... يدفع هذا الرأي هو الإنتشار العسكري التركي في قواعده المتواجدة كشبه مثلث حول مكة المكرمة والمدينة المنورة وتحديدا في "قطر - السودان - الصومال" ... تلك القواعد لو تم تهيئتها بشكل عالي المستوى فإنها بكل أريحية يمكنها أن تصل تشكيلاتها إلى الحرمين الشريفين في أقل من 8 ساعات وتلك المسالة مستبعدة لكن لا يجب أن لا تغيب عن بالنا كفرضية منطقية ذات واقع وتأثير حقيقي ؟  

على الوجه الأخر في لعبة الديمقراطية وصناديقها فالمسألة تفسرها لنا الديمقراطية التركية وصناديق الإقتراع التي يمكن أن تحدد تغيير المادة الثانية من الدستور التركي والتي تنص "الجمهورية التركية جمهورية ديمقراطية علمانية اجتماعية تقوم على سيادة القانون في حدود مفاهيم السلم والعلم والتضامن الوطني والعدالة مع احترام حقوق الإنسان والولاء لقومية أتاتورك" ... وإذا ما اتفقت الأحزاب والأصوات المطلوبة وعُرضت المادة الثانية للإستفتاء الشعبي العام فإن الغالبية العظمى ستوفر الأصوات المطلوبة لتعديل الدستور التركي فتتحول "الدولة العلمانية إلى دولة إسلامية" ... وفي هذه الحالة أي تحرك من قبل "تركيا الإسلامية" فسيصبح تحرك مشروع بذريعة حماية المقدسات الإسلامية استنادا إلى مرجعية الخلافة العثمانية ... لا بل بكل سهولة يمكن أن تعرض تركيا أثار الرسول عليه الصلاة والسلام وتستغل تلك الأثار لتغيير الرأي العام العربي "الساذج بطبيعته" وتذكر الأمة الإسلامية بتاريخها وإرثها وتضحياتها العثمانية حتى تستقطب بكل أريحية حجم تعاطف إسلامي واسع النطاق ... وأراهن على ذلك أن إيران فورا وبقوة ستدعم تركيا "حليفتها" في هذا الشأن دعما مطلقا لأنها بذلك ستتخلص من عدوها اللدود "آل سعود" حسبما زعمت طيلة عقود ... ناهيك أن السعودية إن فقدت الحجاز أو الحرمين الشريفين فقدت ثقلها وأهميتها بنسبة 80% والحقيقة أن أهمية السعودية وثقلها ليس بسبب ثروتها النفطية فأمريكا وروسيا أكثر المنافسين للسعودية من ناحية إنتاج النفط لكن ثقل السعودية الإسلامي بحكم رعايتها للحرمين الشريفين أكبر بكثير جدا جدا من كونها كأكبر منتج ومصدر للنفط في العالم ... يدفع الطموح التركي هو كم حلفائها وأفرعهم الذين بسهولة وتلقائيا نستطيع أن نحصرهم بدعمها وهم : إيران - العراق - اليمن - سوريا - الجزائر - لبنان - أندونيسيا - ماليزيا - أوزباكستان" + الأقليات الشيعية في دول الخليج وأفريقيا ... كلها عوامل سياسية يمكنها بسهولة أن توفر زخم إعلامي يتمثل بموجة تسونامي عملاقة تسحق أمامها أي حملات إعلامية خليجية متواضعة ... ونحن على موعد مع الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية كلاهما في السنة القادمة 2023 فإن اكتسح حزب العدالة والتنمية الساحة والرئاسة فسيكون ذلك بمثابة ضوء أخضر لبدء التحرك تجاه المخطط  ... وأظن وأعتقد أن الأمر سيبدأ بتصريح من سياسي رفيع أو برلماني مؤثر لتبدأ بعدها العاصفة ثم يتم تقييمها سياسيا ثم تكتيك دولي ثم مطالبة حكومية رسمية ... والذرائع أصبحت متوفرة مثل : حماية المقدسات من اليهود - حرية الحجاج والمعتمرين من الإعتقال - حماية المقدسات من الإنفتاح السعودي ... وغيرها من الحجج والأعذار التي أغفلت عنها السعودية فعليا والتي أعطت للغير أو لأعدائها حق التدخل في شؤنها والتي ستتحول الأمور مستقبلا من الشؤون الداخلية للدولة السعودية إلى حق التدخل في شؤون المقدسات الإسلامية التي هي ملك لكافة المسلمين ... وهي ذريعة منطقية لها أسانيد شرعية ليتلقفها السياسيين ويوظفوها لصالحهم كعادتهم في كل زمان ومكان ؟

أكتب ما سبق وأنا أرى ضعفا سياسيا سعوديا جميعنا نأسف عليه بأن دولة بحجم السعودية ترمي بثقلها لتذهب إلى دولة خليجية وعربية لتقاضي مغردا هنا وكاتبا هناك ... في نفس الوقت لا تجرؤ الحكومة السعودية أن تقاضي أحدا في أوروبا وأمريكا على الرغم من وحشية ما يكتب وينشر ضدها هناك ... وأكتب ما سبق لأكون ناصحا أمينا للسعودية حكومة وشعبا أن ينتبهوا كثيرا لما يحاك ضدهم وما خُطّط وما يُخَطط ضدهم ... وأنهم اليوم باتوا مستهدفين بل هدفا استراتيجيا لدول وحكومات عديدة والحذر ثم الحذر من الكيان الصهيوني فإنهم ألد الخصام أخبث الخبائث وألعن الملاعين ... وإن اعتاد الإعلام السعودي على النفاق فما أنا من المنافقين ولست مواليا لأحد ولن أكون سوى لوطني الكويت وحكامها فقط ... لكن أرى سُحبا سوداء قادمة باتجاه السعودية ومخططات دولية بدأ من "سايس بيكو" وصولا إلى "الربيع العربي" وما بينهما من حروب وصراعات ونزاعات حتى أصبحنا نعيش في وقت نرى أعلام الكيان الصهيوني اللقيط ترفرف فوق العواصم الخليجية ... وطالما ما كان محرما أصبح مباحا فلا تستبعد المحال أن يكون ممكنا ... الحرمين الشريفين ليسا ملكا للسعودية ولا لشعبها بل ملكا لجميع المسلمين مثلما القدس الشريف ليس ملكا للشعب الفلسطيني ولا لرئيسهم بل ملكا لجميع المسلمين ... وأن موضة تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني اللقيط ليس سوى فشلا وعجزا سياسيا للدول والأنظمة ... وتلك الحقيقة التي فشلت كل الدول العربية التي طبّعت مع إسرائيل أن تخفيها ... ومهما فعلت أنظمة الحكم فإنها لن تغلب الله جل جلاله { والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون } يوسف ... ولا أكثر من أخر وصايا أعظم سلاطين الخلافة العثمانية وهو عاشر السلاطين العثمانيين السلطان "سليماني القانوني" المتوفي في سنة 1566 والذي قال في وصيته : حين ترفعوني على النعش أخرجوا يداي من الكفن وأبقوهما معلقتان للخارج وهما مفتوحتان ... وتلك دلالة وحِكمة للعامة بأن حتى أمير المؤمنين وخليفة المسلمين لم يأخذ معه شيئا وهو سائرا إلى قبره ... وختاما لا أملك من أمري شيئا سوى الدعاء بأن يحفظ الله جل جلاله الحرمين الشريفين وأن يطهرهما من اليهود وخبث ومكائد ومخططات اليهود وأن يحفظ الشعب السعودي الشرفاء والمخلصين منهم وأن يعين القيادة السعودية وأن يلهمها البصيرة وطريق الحق ويبعد البطانة الفاسدة والمنافقين عنهم ... ولا تستنكر ولا تستهزئ فقبلك كان يضحكون كثيرا ثم بكوا طويلا ... فكم بكى بنو أمية وكم بكى العباسيين وكم بكى سلاطين الأندلس وكم بكى وتشرد العثمانيين وكيف هلك "القذافي وصدام وعلي صالح" وكيف فر وهرب "زين العابدين بن علي" بما سرق وكيف تحول "حسني مبارك ومحمد مرسي" بين ليلة وضحاها من حُكام إلى مساجين فسبحان من له الدوام ... { قل اللهم مالك المُلك تُؤتي الملك من تشاء وتَنزِع المُلك مِمّن تشاء وتُعزّ من تشاء وتذِلّ من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير } آل عمران 



مراجع

فكــر وتاريـخ المدرسة الخمينيـة ؟

https://q8-2009.blogspot.com/2016/12/blog-post_15.html


هذه حقيقة مؤامرة .. صفقة القرن ؟

https://q8-2009.blogspot.com/2017/12/blog-post_8.html


الثمن الذي دفعوه في حربهم على الإسلام ؟

https://q8-2009.blogspot.com/2021/08/blog-post_28.html


مخطط التقسيم الجديد للشرق الأوسط ... باي باي دول مجلس التعاون ؟

https://q8-2009.blogspot.com/2012/09/blog-post_17.html




دمتم بود ...


وسعوا صدوركم