2022-03-21

الغـوغـاء في التاريخ وشرورهم الشيطانية ؟

 

في كتاب "سيكولوجية الجماهير" الذي استمتعت بقرائته منذ سنوات لعالم النفس الفرنسي "جوستاف لوبون" يطلق تشخيص المرض النفسي للغوغاء بشرح علم النفس "قابلية التحريض السذاجة أو سرعة التصديق الحركية والخفة المبالغة في العواطف سواء كانت طيبة أم سيئة ويتشجعون بكثرة العدد وكفى أن يُشار إلى الواحد منهم بقتل أو سلب لينساب انسيابا لا يُثنيه عنه شيء" أي أنهم يسيرون ويتحركون بلا عقل بلا فهم بلا مبدأ ولا اتفاق مسبق تدفعهم نزعات الإنتقام والسرقة دون النظر للعواقب ... أما المفكر الدمشقي "عبد الرحمن الكواكبي" فيصف الغوغاء "أفراد من ضعاف القلوب يتخذهم المستبد كنموذج البائع الغشاش على أنه لا يستعملهم في شيء من مهامه فيكونون لديه كمصحف في خمارة أو سبحة في يد زنديق" ... وتاريخ الغوغاء في أوروبا تاريخ دموي متوحش وفي مصر وفي سوريا والعراق واليمن وغيرها من الأوطان في تاريخها السياسي والإجتماعي ... أما الغوغاء في تاريخ الخلافة العثمانية فحدث ولا حرج لا بل تاريخ يستحق أن يكون مدرسة من العبرة والعظة حقا ... إن الغوغاء "هم شرذمة من سفهاء العقول يكرهون القراءة والبحث والتحقق ويستمتعون بالسمع لمراهقي السياسة فيقودون مجاميع الغوغاء نحو غاياتهم الشيطانية بذرائع ظاهرها الدين أو الوطنية أو الحقوق لكن باطنها شرور الشياطين وأطماع السلطة ولو كان على حساب قتل النفس وتدمير الأوطان وتمزيق المجتمعات" ... فإذا رأيت الغوغاء يجتمعون ثم بدؤوا يتحدثون فلا تنتظر انتهاء خطاباتهم الكاذبة فأوكز فوق رؤوسهم وابطش بهم بطش القوي الأمين ولا تأخذك فيهم لا رحمة ولا شفقة ... فإنهم أوغاد مناكيد ملاعين لا ذمة ولا شرف لديهم خطيبهم شيطان ومستمعهم وضيع وقائدهم خسيس ... ما ظهروا في أرض إلا كان ثمنها الخراب والدمار وسرقة الممتلكات وترويع الآمنين وزوال النعم من الأسواق وإضعاف الدول والحكام وتمكين الخارج منهم ليمزقوهم تمزيقا ؟

إن الأمم بطبيعتها جاهلة وقد خُلق الإنسان جاهلا من الأساس لكن الفرد يكتسب العلم والمهارة والفنون والثقافة بمختلف أنواعها وأشكالها عبر الممارسة ... والممارسة إن جد جدها تصقل شخصية الفرد وتوسع مدركاته العقلية وأفقه دون اعتبارا للسن أو الأصل والنسب أو الأرض والوطن ... ومع ذلك فإن الفرد يبقى فردا وليس الفرد كالجماعة وليست الجماعة كالأمة ... والغوغاء لا يحركهم إلا دهاة العقول من خونة الأوطان والجواسيس بمعاملين إما بالمال وشراء الذمم أو بسحر الحديث ومنطقية الحجة لكن بلا دليل مادي ... وهذه هي خصلة الغوغاء ومنها تعرفهم تلقائيا وهي أنهم شراذم تهوى الإنصات للحديث وأي حديث دون أي اعتبارا لنوعه أو منطقيته أو صدقه ... وشرذمة أخرى ساخطة ناقمة على الحاكم وسلطاته أعمى الحقد بصائرها لا تريد إلا زواله بأي ثمن كان ولو كان الثمن حرق أوطانهم وزوال نعمة الأمن والأمان وازدهار التجارة في بلدانهم أمان أهاليهم ... فإن حكم البلاد مراهق سفيه أو سلطان ظالم وكلاهما بطبيعة الحال سيكونان من أشهر لصوص الأوطان هنا كمن يعطي الإذن بولادة الغوغاء وكلما كبر الحاكم وفساده كبرت معه شريحة الغوغاء وسفاهتهم أكثر وأكثر ... وكلاهما شر مستطير لكن الحاكم الظالم أكثر نفعا من شرور الغوغاء فيبقى بأدنى درجات المقارنة وعبرة الأحداث التاريخية هو بقاء الأوطان واستتباب الأمن والأمان للرعية وحسن تسيير النفقات العامة للرعية وإدارة شؤون الدولة ... بعكس الغوغاء الذين إن تمكنوا ومالت إليهم الأمور خسرت الرعية وطنها ومالها وأمانها وهنا تدب الفوضى في البلاد فتشتد وتتسارع أطماع الخارج في بلادهم وأرضهم ... فلا يجد وقتها الغوغاء إلا والوجوه الغريبة والألسن المختلفة بينهم في الشوارع والطرقات وهذا ما حدث كثيرا وكثيرا جدا قديما في "فرنسا وألمانيا وأمريكا ودول شرق أسيا" وحديثا كما حدث في "ليبيا والعراق وسوريا" ... كلها حركات انطلقت بسبب ظلم الحكام لرعيتهم فكان الثمن عشرات أضعاف ظلم الحاكم من ثمن دموي مبكي لم ينفع الندم فيها شيئا على الإطلاق وتلاشى فيها الغوغاء عن بكرة أبيهم ... وعبرة البشرية وأثرهم التاريخي وفطرتهم هي "الهجـــــرة" فمن لم يعجبه حاكمه عليه بأن يلتزم الصمت ولا يكون لسان الشيطان أو أن يهاجر تاركا وطنه وأهله لأرض أخرى وهذا أيضا ما وصوانا به ربنا جل جلاله في كتابه الكريم ... { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا } النساء ... ولأول مرة أكشف وأذيع سرا لأقوله علنا وهو أني : قررت قرارا لا رجعة فيه بالهجرة من معشوقتي الكويت ليس بسبب الحاكم ولا بسبب الحكومة ولا بسبب الرزق ولا بسبب البطش والظلم في وطني حشى لله والحمدلله على نعمة الكويت ونعمة حكم الصباح ... لكن بسبب بعض الناس والكثير منهم وأسأله سبحانه وتعالى حبيبي وخالقي ورازقي بإذنه وبمشيئته أن يُسبّب لي الأسباب فأرحل متجولا في أكثر من دولة حتى أستقر في إحداها مبتعدا وقتها عن كل طرق البحث والكتابة والنشر ومبتعدا نهائيا عن كل مواقع التواصل الإجتماعي لأعيش الباقي من عمري في خير وسلام وهدوء بعيدا عن كل ما يؤذيني ... والهجرة هي أصل البشرية ولولاها لما انتشرت البشرية في أصقاع الأرض بعضهم هربا من ظلم حكامهم وحكوماتهم وبعضهم هربا من بيئتهم وناسهم وبعضهم بحثا عن الرزق وتلك هي سنة الحياة إن كنتم تعقلون ؟

الأمم المتحضرة تدرك تماما أن طريق الإصلاح يستحيل أن يكون في يوم أو سنة أو حتى 50 عاما لأنه طريق الأجيال وليس حصرا لجيل محدد ... لأن برلماناتهم لا تزال تعمل منذ عشرات ومئات السنين وطالما البرلمان يعمل هذا يعني أن في كل سنة تخرج وتصدر تشريعات بقوانين والتشريعات هي جزء من الإصلاح وتنظيم شؤون العامة ... وتعرف الدول المتخلفة إذا انتشر فيها الغوغاء وهنا تعرفهم بكثرتهم من إطلاق الإشاعات والأكاذيب على الحاكم أو السلطة ووزرائها حتى ولو خرج الحاكم أو سلطاته ليكذبوا بالدليل والحقائق كذب وجور وظلم الغوغاء فإن الغوغاء لا يناكفون ولا يردون بالدليل والحجة والبرهان لكنهم يلتزمون الصمت المطبق ... ثم بعد صمت الغوغاء سرعان ما يبتدعون كذبة أخرى وإشاعة أخرى وهذه العملية كثيرا ما تكون خطيرة للغاية إن لم يتحرك الحاكم أمام شرذمة الشياطين هذه ويقطع ألسنتهم ويمزق رؤوسهم ... لأنك لا تضمن الرعية بالمطلق وبشكل عام فالرعية بطبيعتها هوائية عاطفية يمكن بكلمة يشتاطون ضدك غضبا ويمكن بكلمة يتعاطفون معك والرعية العاطفية هي التي يؤثر فيها الغوغاء وهي هدفهم بشكل ممنهج ومدروس ... ولذلك من المهم أن ندرك حقيقة ثابتة وهي "مصلحة الجماعة هي من تغلب على مصلحة الفرد" ... فزوال الفرد أهون من زوال الجماعة وظلم الفرد أفضل من ظلم الجماعة وفي كل الأحوال الظلم محرم بين البشر ... لكن الطبيعة البشرية هي من فرضت حيثيات الظروف وأحكامها ومن لم يتعظ مما حدث للأمم الماضية سواء القريبة أو البعيدة عنه فلا يمكن الوثوق برجاحة عقله وحسن تدبيره نهائيا ... وما ساق لكم ربكم جل جلاله سيرة من سبقكم من الأمم والشعوب في كتابه المقدس الكريم إلا للعبرة والعظة ... وما انتشرت ملايين الكتب عن أحوال الحاكم والرعية في كل دول العالم إلا للفهم والإدراك والإسقاط الواقعي في أيامكم هذه ... وإذا رأيت تجمعات الغوغاء فانزل عليهم بالقوة والبطش ولا تأخذك فيهم لا شفقة ولا رحمة فإن تركهم مفسدة وهلاك للبلاد والعباد ... ظاهرهم الحق وباطنهم الحقد والإنتقام لا يتفقون على رأيا وبسرعة البرق تتغير مطالبهم وترتفع سقف طموحاتهم ولو كان ذلك على حساب الأخرين ودمار أوطانهم ... فإن لم تحذروا الغوغاء الملاعين فلا يلومن أحدكم إلا نفسه ؟




دمتم بود ...


وسعوا صدوركم