المقدمـــــة
لو جمعت في كل التاريخ البشري كل كتب المفكرين وكل كتب الفلاسفة وكل كتب السياسة وكل كتب المؤرخين ثم جمعت الكتب السماوية "التوراة والإنجيل والقرآن" ووضعتهم فوق كل ما سبق ... فإنك لن تخرج عن دائرة الإنسان ومحور الإنسان وصراع الإنسان وغدر الإنسان ووفاء الإنسان وكل ما يخص الإنسان ... وحتى نفهم الحكاية يجب أن نبدأها من الأول من ولادتها من عميق صميمها لفهم من هو الإنسان وما هو أصله وما هو أصل سلوكه البشري وإلى أي مدى ودرجة تطور هذا السلوك ... هو ذات الإنسان الذي اليوم يتحكم بمصائرنا سواء في حالة الحرب أو السلم في الإقتصاد والمال في البنوك في العمل وفي الحريات والديمقراطيات والطغيان والإستبداد في الدساتير وأنظمة الحكم في الحياة الزوجية والإجتماعية في علاقات العمل في كل نقطة وزاوية وسطر سيكون محور الإنسان في هذه السلسلة التي أجتهد بها لتفكيك شفرة هذا الكائن ... الأحجية التي نحاول فك ألغازها لفهم هذا المخلوق الذي صنع كل ما يمكن أن يساعد البشرية وفي نفس الوقت صنع كل ما يمكن أن يقتل البشرية ويدمر كوكب الأرض ... فمن هذا الإنسان ولماذا أصلا خلقه الله سبحانه وتعالى ؟
الموضـــــــوع
أصل الحكاية والموضوع يبدأ من خلق أبونا آدم عليه السلام "أبو ومصدر كل الجنس البشري" ... ولأنه لا يوجد كتاب واحد يملك أدلة قطعية الثبوت يتحدث عن خلق "آدم وحواء" إلا في الكتب السماوية التي تتشابه كثيرا في شرح ووصف خلق "آدم وحواء" لكن هناك اختلافات في الأفرع وشطحات في "التوراة والإنجيل" ... تلك الكتب لا تزال منذ آلاف السنين محل خلاف وليس إجماع باتفاق عموم منتسبيها وتحضرني ذاكرتي أني قد كتبت فقرة منذ سنوات لا أتذكر في أي موضوع على هذه المدونة وقلت "سيتم اكتشاف نسخة من الإنجيل أو التوراة ستعتبر أقدم نسخة أثرية في التاريخ والتي ستحدث صاعقة على كل اليهود والمسيحيين والتي سيتم الكشف من قلب ذاك الكتاب من أنه قد ذكر رسول الله محمد ابن عبدالله كأخر رسول وأن على الجميع أن يتبعه" ... وحيث أن كتب "التوراة وللإنجيل" في الحقيقة هما بحر من الخلاف والإجتهاد على مدار مئات وآلاف السنين وحتى يومنا هذا ... فلا أجد بدا إلا أن أثبت على القرآن الكريم الذي بيدينا جميعا فهي النسخة الأكثر مصداقية على الإطلاق ولا يوجد خلاف على نسخة القرآن بين عموم المسلمين مع عدم اغفال عن وجود خلاف واجتهاد في التفاسير كل حسب مذهبه ... { نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين } يوسف ... وأقول ما سبق مكررا لأنه لا يوجد كتاب موثوق تاريخي يتحدث عن أصل خلق أدم وحواء وبذلك يكون القرآن الكريم هو بدايتنا مع ملاحظة أن "التوراة والإنجيل" توجد فيهما سيرة خلق "آدم وحواء" ... مكررا أن خلافات أتبعت تلك الديانتين في خلافات عميقة جدا وخلافات عميقة جدا بين أتباع "التوراة والإنجيل" بل وحتى خلاف في تضارب الترجمة ما بين التفاسير باللغة العربية التي ظن الراصدين أن ما قرؤوه من تفسير هو تفسير لغوي صحيح وما هو بذلك وتضارب التفسير من اللغة العبرية إلى السريانية وتضارب لغوي ما بين العبرية القديمة والحديثة والمحدثة ... ولو أردت أن أفكك تلك التعقيدات بكل تأكيد ستأخذ مني ما لا يقل عن 6 أجزاء لكشف تلك الخلافات والإختلافات ... الأمر الذي أجد أنه ليس له داعي لأنه ليس نحور هذه السلسة الفكرية ولنذهب إلى موضوعنا مباشرة ؟
في البداية يجب أن نقر يقينا أن الله سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيئا في السموات ولا في الأرض ... ومن هذه القاعدة الرئيسية يجب أن نعرف لماذا خلق الله آدم من الأساس ما الداعي وسبحانه يعلم مسبقا ويقينا أن آدم جاهل بطبيعة خلقه الأول وسيخطئ وأن الشيطان سيغويه هو وحواء ... نظريا وباجتهادنا وحسن الظن بربنا سبحانه وتعالى نقول : أن الله خلق الإنسان وكل البشرية حتى يدخلون الجنة ... ثم يأتي السؤال التالي ونقول : كيف يدخلون الجنة واليوم هناك المليارات من البشر يولدون ويعيشون ويموتون وهم من عبّاد الأوثان وألا دينيين والملاحدة والمشركين إلخ !!! ... هنا يأتي قول الفصل باجتهادنا وبلغتنا ووفق مفهومنا "لا شأن لك" باستدلال قوله سبحانه في سورة الشورى { استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ما لكم من ملجإ يومئذ وما لكم من نكير فإن أعرضوا فمــــا أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البـــــلاغ } ... { كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربّهم مرجعهم فيُنبّئهم بما كانوا يعملون } الأنعام ... { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } الكهف ... { إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده } يونس ... وهذه إرادة سماوية بحق الإنسان المطلق في الدنيا ليفعل ما يشاء لينال في الأخرة ما يستحق ... والكثير من الآيات الكريمة التي تؤكد أن الإنسان تُرك له قرار العبادة والديانة من عدمه لكن الحساب يوم القيامة حصرا وبيد الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له ... القرآن الكريم تحدث عن خلق أدم عليه السلام حصرا ولم يأتي على ذكر خلق حواء عليها السلام مطلقا ... وهنا لا نعرف هل عدم ذكر كيف خلقت أمنا حواء "أم البشرية" هو من باب تقديرها أو من باب الأدب معها وتوقيرها لا نعلم ولن يعلم أحد ذلك إلا من خلقنا جميعنا سبحانه ... لكن الثابت علميا أن خصائص التكوين البشري لحواء تتشابه في معظم خلق أدم كخلق أساسي "الجسد والعظام والمخ والرئتين والكبد والكليتين والقلب وخصائص وأنواع الدم" إلخ أي أنها خلق من طين كآدم ... وفي تنظيم المسألة فقد صدر القرار من الخالق عز وجل بخلق أدم دون أن يعرف أحدا مطلقا من ملائكة السماء والأرض ... { وإذ قال ربّك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة } البقرة ... فأصيب الملائكة بالدهشة والغيرة في نفس الوقت { قالوا أتجعل فيها من يُفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك } البقرة ... الدهشة { من يُفسد فيها } وهنا استدلال على أن قبل خلق أدم كان هناك خلقا لا نعرف عنهم شيئا مطلقا ... { ويسفك الدماء } هنا استدلال على أنهم كانوا قوما فاسدين وأفسدوا في الأرض واستباحوا القتل وسفك الدماء أضف إلى ذلك أيضا أن الملائكة تعلم الماضي ولا تعلم المستقبل ولا الغيب ... أما الغيرة { ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك } وأرى أنها غيرة محمودة تود الملائكة أن لا أحد يحب الله ويعشقه ويسبح بحمده وبملكوته سواهم ... وصاغ ربنا قراره وحديثه سبحانه للملائكة بأكثر من جملة مختلفة لا نعلم ولن نعلم سبب ذلك ... { وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون } الحجر ... { إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين } ص ... ثم بعد أن صدر قرار خلق أدم من رب العالمين وأبلغه لملائكته عليهم السلام وكان أبونا أدم لم يخلق بعد فصدر الأمر الثاني من رب العالمين جل جلاله { فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين } الحجر ... أي إذا خلقته وانتهيت منه وقدمته لكم فعليكم أن تخضعوا له سجودا وليس ركوعا سجودا حصرا في علامة على تعظيم خلق الله أولا ثم تشريفا وترحيبا بالخلق الجديد الذي سيشاهدونه لأول مرة منذ خلق ملائكة السماء والأرض جميعهم ودون أي استثناء ... ثم بعد أن تم خلق أبونا أدم أظهره وقدمه رب العالمين للملائكة في حدث استثنائي عظيم فسجد كل الملائكة عليهم السلام كلهم دون أي استثناء ... وعندما نقول جميعهم يعني أن حتى "جبريل - ميكائيل - إسرافيل - ملك الموت - مالك حارس جهنم" وعدد بمئات المليات من الملائكة عليهم الصلاة والسلام سجدوا تكريما لخلق أدم بأمر الله سبحانه وتعالى ... { فسجد الملائكة كلهــــم أجمعــــــون } ص ؟
عجائب خَلــــقُ الإنســـان
يروي لنا الخالق سبحانه وتعالى طريقة خلق الإنسان في سرد علمي من قبل أن يكتشف الإنسان بعض أسراره بقوله في سورة المؤمنين { ولقد خلقنا الإنسان من سُلالة من طين ثم جعلناه نُطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مُضغة فخلقنا المضغة عِظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تُبعثون } ... { فلينظر الإنسان مم خُلق خُلِق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب } الطارق ... { هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون } غافر ... { يا أيها الناس إن كنتم في ريبِ من البعثِ فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم } الحج ... وماذا سنتحدث عن عجائب جسم الإنسان ومعجزات ما خلق رب العالمين من خلق الإنسان في سلسلة علمية لو فتحنا بابها فلن ننتهي منها ولن ينتهي منه حتى الأطباء والإستشاريين الضالعين في تخصصهم ... لكني أختصره بالتالي عل وعسى يصل خيالي إليكم فلو أردت أن تستبدل أعضاء جسم الإنسان الرئيسية بالأجهزة والمكائن الطبية فإن العالم على أقل تقدير سيحتاج إلى 3 مليار مستشفى عملاق يضم أكثر من 88 مليــــار جهاز طبي فقط لتغطي بعض وظائف الجسم الرئيسية مثل "القلب والمخ والكبد والرئة والكلى والجهاز البولي والتناسلي والعصبي والهضمي والمناعي والغدد" ... وهذه الأجهزة الطبية ستحتاج لضعف الطاقة الكهربائية التي تستخدمها كــــل البشرية بـ 1.000 ضعف ... وابحثوا عن معنى وتعريف "الساعة البيولوجية" لتكتشفوا عظمة ودقة ودهشة ما خلقه ربكم سبحانه في أجسادنا فردا فردا لا فرق فيها بين غني وفقير ولا حاكم ومحكوم ... ناهيكم عن عجائب اللسان في التذوق لمئات أنواع الطعام والشراب وعجائب النطق بمساعدة الأسنان ... وعجائب الأنف الذي يستشعر أكثر من 50 رائحة ... وعجائب النظر وألوانها واللمس وعجائب الوان البشر بتدرج بشرتهم كما ذكر سبحانه في سورة الروم { ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين } أي معجزة ... وعجائب أشكال الإنسان وجمال المرأة الذي لا يعرف التوقف وليس له نهاية مليارات ذهبت من البشر ومليارات تعيش اليوم ومليارات قادمة كل وله حصته من الحسن والجمال بمعجزة سماوية تقف أمامها عاجزا عن عظمة إدراكها وبديع من خلقهم سبحانه وتعالى ... هذا كله فقط فيما يخص الإنسان ولم نذهب إلى عظيم وبديع ما خلق ربنا سبحانه من الحيوانات والطيور والأسماء وما خلق وما أبدع من ألوان ومناظر وجبال وأودية وسهول وغابات لا حصر لها فسبحان الله الذي خلق فأبدع فأذهل العيون بجمال خلقه فتبارك الله أحسن الخالقين ... { بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون } البقرة ؟
بعدما سبق أبحرت بكم في خلق الإنسان وعجائب خلقه وأن أصل الإنسان لا شيء وأوجدنا ربنا جل جلاله من العدم ... { هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا } الإنسان ... { وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا } مريم ... { يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك } الإنفطار ... كل هذه العظمة من خلق الإنسان ومعجزات ضرباََ من الخيال أن يصنعها الإنسان بكل علمه فكيف كان الإنسان في الفعل والقول في سيرته منذ آلاف السنين ...فماذا قال هذا المخلوق العظيم لمن خلقه وكيف تعامل الإنسان مع من خلقه سبحانه وكيف تعامل حتى مع بني جلدته من نفس الجنس البشري ... هذا ما سوف أكمله معكم في الأجزاء القادمة بمشيئة الله ؟
دمتم بود ...