2018-02-18

كيف سنتحدث لرب العالمين يوم القيامة ؟


من الوهلة الأولى لمجرد خيال مشهد يوم القيامة لا شك أنه خيال سيأخذنا لتصور وخيال ليوم عظيم ... والعقل البشري لا يعلم بتفاصيل ولا حتى بأدق تفاصيل هذا اليوم العظيم لكني سأسرد لكم خيالي الذي أخذت أشهرا في تصور هذا اليوم ... تصور ليس بالساحات ولا الجدران ولا من معي ولا من سيكون بجانبي لأنه أمر مجهول بالمطلق ويستحيل حتى تصوره ... لكن عقلي وتفكيري وتحليلي تركز على لقاء رب العالمين جل علاه سبحانه فقط كيف سيكون ؟ وهل سيكون هناك حوار أم لا ؟ وما نوع هذا الحوار أو الجدال أو النقاش ؟ كلها معطيات بنيت على أدلة هي من أخذت خيالي لأبعد مما كنت أظن وأعتقد لتكون النتيجة صاعقة في نهاية الموضوع ؟
 
رب العالمين والملائكة
إن الثابت من النصوص القرآنية تؤكد أن ربنا رب العالمين سبحانه رب الرحمة بالمجمل سبحانه يناقش ويأخذ ويعطي بالحديث وليس كطغاة الأرض سبحان ربي الذي ليس كمثله شيء ... وهذه القناعة استخلصتها من الآيات القرآنية في مواضع عدة أن رب العالمين هين ولين مع عباده الصالحون وخلقه المفضلون ... فأول حوار فيه الأخذ والعطاء بالحديث هو حديث بصيغة النقاش هو نقاش رب العالمين مع ملائكته بسؤال وجواب { وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة } البقرة ... فيأتي رد الملائكة على خالقهم وربهم ورب كل شيء { قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء } البقرة ... وهنا الآية لها دلالة أن الملائكة يعلمون أن قد حدث أمرا سابقا في حياة سابقة لخلق ( مـــا ) قبل خلق أبونا آدم لم يذكرهم الرحمن في قصص القرآن وأنهم كانوا أمة فاسدة سفكوا الدماء بعد ظلم جد عظيم ولأن الملائكة لا تعلم الغيب فهذا يعني أن سؤالهم لربهم كان بناء على علم ويقين لحادث سابق ... ثم يقول ملائكة الرحمن { ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك } هنا يجب أن نتوقف فماذا يقصدون بهذه الآية وهذه الفقرة تحديدا هل من شدة حبهم لرب العالمين حدثت الغيرة على أنفسهم بالأفضلية بمكانتهم عند رب العالمين أم هناك توجس من الملائكة من خلق جديد يخلقه رب العالمين فيكون الخلق الجديد كالخلق القديم "المجهول" عصاة فاسدين كالخلق القديم الذي لا نعرفهم يتحدون خالقهم ولا يؤمن به إلا القليلون ؟... ثم يرد عليهم رب العالمين ولم يتجاهلهم سبحانه { قال إني أعلم ما لا تعلمون } وهنا انتهى حوار الملائكة مع ربهم ولا نعرف هل قيل أكثر من ذلك وهل زادت الآراء في هذا الحوار المتبادل أم عند ذلك وانتهى أم رب العالمين أعطانا "مختصر" النقاش والحوار ؟ ... فتكون المحصلة الأولى أن رب العالمين يتحدث ويأخذ ويعطي مع ملائكته الذين لا يعصون الله ما أمرهم على الإطلاق ؟
 
رب العالمين وإبليس
الحوار الثاني والذي هو أعنف من حوار ونقاش رب العالمين مع ملائكته ... هو حوار والنقاش العاصف بين رب العالمين وبين إبليس اللعين والذي يجسده خيالي بمشهد مهيب مزلزل للوجدان وتقشعر منه الأبدان عندما يقص علينا ربنا فيقول { إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين } سورة ص ... هناك وجب علينا أن نتوقف ونحلل فالتوصيف يتحدث عن أن كان هناك مشهدا مهيبا وحشدا عظيما وكأنه حفل استقبال وتشريف بصناعة وخلق جديد سيظهر لأول مرة ويشهد عليه الحضور يقينـــــا ... فكم كان عدد الملائكة في هذا المشهد الذي يجعل الدم يتوقف في عروق الجسد من هيبته وروعته وعظمته ؟ وما هي أسماء قيادات الملائكة الحاضرين وهل جميعهم كانوا حاضرين حسب علمنا ومعرفتنا بهم سادتنا جبريل وميكائيل وإسرافيل ومالك ومن أيضا ممن لا نعلمهم ؟ ... ثم تأتي الصاعقة أن يحدث نقاش علني بين إبليس وبين خالقه سبحانه ويصل إلى الحدة ثم إلى التحدي العلني المباشر أمام كل الحشد العظيم فتخيلوا تصوروا رب العالمين يسأل وهو العالم جل علاه تخيل رب العالمين يسأل إبليس !!! ... { قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين } ... يرد إبليس ويجيب بتحدي المغرور أمام كل الحضور من ملائكة الرحمن { قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين } { قال أأسجد لمن خلقت طينا } ... هذه حادثة تمرد علنية واضحة لا تقبل الشك تستوجب العقاب الفوري والحسم الكلي حتى لا يتمرد ولا يتجرأ غيره بحسب اعتقادنا وفهمنا نحن أهل الأرض ... ثم يرد رب العالمين عليه بأمر وقرار قاطع لا رجعة فيه { قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين } ... ثم إبليس الخبيث يطلب من الله طلبا فيقول { قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون } أي أخرني وأجلني وأنسئ في أجلي ولا تمتني حتى يبعثون ... أي طلب إبليس تأجيل العقاب إلى يوم نهاية البشرية وهنا يجب أن نتوقف ونسأل : كيف علم إبليس أن أبونا آدم سيكون له ذرية ؟ وكيف علم أن لهم نهاية ويوم بعث وقيامة ؟ فهل أثناء خلق رب العالمين لآدم كان هناك شرح أساسي عن هذا الخلق في ذاك المشهد المهيب الذي تحدثت عنه وعليه أخذ إبليس العلم من رب العالمين بشكل عام وليس تفصيلا ؟ ... ثم يعطيه رب العالمين الأمان فيقول لإبليس { قال إنك من المنظرين }  ثم تأتي الصدمة بأن بعد العصيان والتحدي يأتي قرار الطرد ثم يطور إبليس اللعين النقاش ويحوله إلى التحدي العلني المباشر لخالقه وأمام ملائكة الرحمن فيقول { قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين } أي فبما أوقعت في قلبي من الغي والعناد والاستكبار كما زاد إبليس بتحديه فقال { قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا } أي لأقودهم إلى ما أشاء ... ثم يرد رب العالمين على هذا المخلوق المتمرد فيقول سبحانه { قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا } وهنا تخيلـــــوا رب العالمين يتحدى إبليس فيقول سبحانه { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين وإن جهنم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم } ... هنا العلم والخبر الجديد أن بعد تحدي إبليس لرب العالمين وبعد قرار الطرد وبعد التحدي أخبره الله سبحانه إبليس اللعين بنار جهنم وتوصيفها مما يأخذنا التحليل أن إبليس في نفس اللحظة صدم وتفاجأ بأنه لا يعلم عن جهنم شيئا ولم يرها ولم يسمع عنها شيئا من قبل ؟

 رب العالمين والإنسان
هنا لب الموضوع فبعدما استعرضت لكم ما حدث فعليا بصحيح النصوص القرآنية وباجتهاد التفكير والتحليل تتضح الصورة جليا أن رب العالمين له رحمة لا يوجد خلق على الإطلاق يستطيع أن يستوعبها ... لكن يجب أن يعلم الجميع أن البشرية يوم القيامة ينقسمون إلى نصفين أو جزئين بحسب اعتقادي 
الفئة الأولى : هم البشر المغضوب عليهم وهؤلاء لا يقفون بين يدي الله ولا يكلمهم ولا يرونه ولا يسمعهم فمن قبورهم إلى الحشر إلى جهنم مباشرة لا حساب ولا حتى نظرة رحمة والثابت بالقرآن الكريم من هؤلاء هم : أبو لهب وفرعون ... ونضيف عليهم بتوقع التحليل والتصور ستالين وموسيليني وهتلر وكل طغاة الأرض من ملوكها وجبابرتها ممن قتل الآلاف والملايين راحوا ضحية بسببهم ... كما أن هناك أدلة على ذلك من النص القرآني كقوله سبحانه { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } المطففين و { يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا } الإسراء ... لماذا ؟ لأنهم { إنهم كانوا لا يرجون حسابا وكذبوا بآياتنا كذابا وكل شيء أحصيناه كتابا فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا } .
الفئة الثانية : هم من يقفون ويشاهدون بأم أعينهم الحساب ويسألون ويحاسبون ومصيرهم بيد الله وحده إما للجنة خالدين فيها أو سيقوا إلى النار وهم أذلاء ... ومن هذه الفئة يخرج أحقر عباد الله وأسوأهم قولا وعملا بوقاحة المشهد فتخيل وهم بين يدي الله يكذبون كتاب أعمالهم في الدنيا وأفعالهم ويقولون قبل حتى رؤيتهم ودخولهم جهنم "وعزتك وجلالك ما فعلنا هذا ولا فعلنا ذاك" وكما يروي لنا رب العالمين عن هؤلاء يوم يقولون { والله يا ربنا ما كنا مشركين } الأنعام ... وهنا يأتي العدل والحق سبحانه فيفعل العجب فيهم في مشهد نقله لنا ربنا سبحانه { وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا ؟ قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون } فصلت .

إذن بعدما سبق وبأدلة النصوص القرآنية يتضح جليا أن رب العالمين جل علاه قابل للنقاش والحوار ويسأل بصيغة "السؤال بعلم الجواب" ... وتجاوب أنت وأنتي وتطلب حقك ممن ظلمك ويأتي بالظالم ويتم القصاص بعملية حسابية بين الحسنات والسيئات { والله سريع الحساب } البقرة ... وهذا يعترف وهذه تنكر وهذا يقسم وهذه تعترف في محكمة أعدل العادلين سبحانه ... وبالتالي ما سبق يعتبر من أرفع مقام ودرجات وعظمة رحمة رب العالمين أن يعطي عبيده من المؤمنين حصريا حق الدفاع عن أنفسهم والإقرار بالذنب وطلب أمنية ما يريدون والتوسل والتضرع والتذلل لرحمته جل من لا شأن لنا له سواه ... يوم ترون الرؤوس قد تساوت لا سلطان ولا حاكم ولا طاغية ولا أي شيء مما صنع الإنسان من هيبة زائفة ورعب زائل فتجد رأس الفقير بالغني ورأس الرعية بالحاكم ورأس الجلاد بالمظلوم ... إنه يوم الحقوق يا هذا يوم لن تجد أحدا قط من يقف معك فتأتي بأعمالك فردا وحيدا لا مال ولا سلطة ونفوذ ولا ولدا معك ... فاحذروا يوما قبور الأرض كلها لا تستطيع أن تستر خزيكم ... وليبشر نعم وليبشر المؤمنون برحمة أرحم الراحمين وكرمه وسخائه وعطائه إنه يوم العطاء ويوم الفصل ويوم الخلود الأبدي ... عند رب نزل من عرشه تواضعا منه سبحانه وتكريما لعباده الصالحون يسمع ويرى وتفتح الكتب وتنشر السجلات ويرى كل عبد ما صنع في حياته تفصيلا وتتحدث مع ربك وتناقشه وتحاوره ولن تذهب إلى النار إلا وأنت مقر معترف بذنبك ولن تذهب الجنة إلا برحمته جزاء بما صنعت مسبقا في دنياك ؟
 
اللهم ارزقنا حبك
اللهم ارحمنا برحمتك
اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا
اللهم لا تخزنا يوم العرض العظيم
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا
اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا 
اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا
اللهم يا ربنا { أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين } الأعراف





دمتم بود ...