2018-02-07

خطورة الهلع المالي الجماعي ؟

الهلع المالي الإجتماعي هو غياب أو اختفاء الأمان المالي الشخصي للفرد والذي بالتالي يسبب ذعر على ما تملكه من أموال أو مدخرات نقدية أو بضائع أو أسهم عينية أو عقارات واستثمارات بأي شكل وصورة كانت ... وهذا الهلع المالي الإجتماعي يأتي للأسباب
1- تعرض الدولة إلى غزو عسكري .
2- دخول الدولة في حرب عسكرية مع دولة أخرى .
3- إنهيار اقتصادي أدى إلى إنهيار العملة المحلية .
4- وقوع انقلاب سياسي له نظرة عدم استقرار مستقبلية .
5- إنهيار الأسواق العالمية أدت إلى حرق جزء كبير من أصول الدولة الخارجية واستثماراتها .

وأسباب أخرى ليست مجالا لذكرها لأهمية التركيز على لب وهدف الموضوع ... وبالتالي اليوم الكل في الدول المستقرة والغنية مثل الكويت وماليزيا وسنغافورة والصين وكوريا الجنوبية والإمارات وقطر وغيرهم الكثيرين لا يوجد قلق مالي ... لأن الأوضاع بشكل عام مستقرة والأمان الإقتصادي متوفر والتصنيفات العالمية لهذه الدول إيجابية لا تقل عن "AA" أو "AA+" بنظرة مستقبلية مستقرة ؟
 
في يوم ما أخذت أسأل نفسي سؤال : في مصر كان هناك أثرياء وفاحشين الثراء وكان هناك أيضا أشهر الممثلين والمطربين وضربهم الثراء ثم عادوا فقراء ... جميعهم كانت لديهم مئات الآلاف والملايين والعقارات والإستثمارات هنا وهناك وكان لديهم القصور والخدم والحشم وكل ما يخطر في بالكم عن كل ما يرتبط في مظاهر الثراء , كيف كل هذا اختفى وكيف الغني تحول إلى عادي وكيف العادي أصبح فقيرا وكيف تبخرت كل مئات وآلاف الملايين التي في البنوك للدولة والأفراد وكيف انهارت أسعار العمارات الفاخرة وفي أهم المدن والمواقع الإستراتيجية ؟؟؟ ... كلها أسئلة تستحق البحث والتفكير والتحليل لأنه يمكن ما حدث في مصر في انقلاب 1952م وسقوط ملكية مصر وأيضا سقوط الملكية في العراق سنة 1958م ... ومصر والعراق كانوا العامود الفقري "الإقتصادي" لدول الخليج ما قبل هذا التاريخ من ناحية الخبرات والتنمية والنهضة والكثير من الأمور ... لتتضح الصورة فيما بعد في "عقلي" بضرب مثل مبسط لأي دولة غنية وهي أنك تملك مثلا 50 مليون دولار وتملك 10 عقارات قيمة العقار الواحد مليون دولار ... ينهار الدولار فتسقط قيمة الـ 50 مليون دولار وتصبح قيمتها في الخارج وعالميا لا تتجاوز 10 ملايين دولار فعلية حقيقية ... والـ 10 عقارات التي قيمتها 10 ملايين دولار تنهار قيمتها السوقية لا تتجاوز مليونين دولار ... هذا بالإضافة تلقائيا ستنهار أسعار المنازل والشقق إلى أقل من النصف ... وبالتالي الإنهيار الإقتصادي بسبب إنهيار العملة وأصول الدولة يضرب الجميع في صميمهم وينسف من ثلث إلى ثلثين مدخراتهم ... ولذلك تجد اليوم الكثير من التجار والأثرياء يوزعون ثرواتهم بين أكثر من 3 عملات وينوعون مصادر دخلهم واستثماراتهم حتى إن حدثت خسارة يصاب فرع واحد بالضعف أو الشلل حتى ولا تصاب كل المدخرات بهذه الصاعقة ؟
الهلع المالي هو المشكلة الحقيقية
الهلع المالي الإجتماعي أنا وغيري في أول شهر من الغزو العراقي الغاشم شاهدناه بربكة وحيرة واندفاع مجنون كل يريد أمواله من البنوك ... الكل يريد أن يسحب أمواله في وضع ظهر فجأة وفي صدمة فاجأت الجميع دون أي استثناء والكل أصبح بحاجة إلى أمواله ولو كانت 50 دينار فلا أحد يعرف ماذا سيحدث غدا ... وعلى ما أتذكر بعد شهر أني ذهبت إلى مركز سلطان الكائن في شارع سالم المبارك في منطقة السالمية ورأيت هذا المركز الذي كان ينفجر من البضائع إذ بكل أرففه وأنواعها خالية بنسبة 95% لا شيء يستحق الذكر موجود عليها أي أن حتى المخازن خليت من البضائع ... هذا هو الهلع المالي الذي يجعل الناس تنفجر بالخروج فجأة في وقت وزمان واحد لهدف واحد فقط وهو تأمين الإحتياجات "الإستهلاكية" بأقصى درجة ممكنة وبفرط الأموال دون النظر إلى الأسعار وجودتها ... لذلك الهلع المالي الإجتماعي يرتبط مباشرة بهلع السلع الإستهلاكية للمجتمع وهنا تكمن لعبة أو استغلال أو فن التجار وتجارتهم ... فمنهم من يستغل الأزمة وهناك بالفعل وتاريخيا ومنذ آلاف السنين تجار الأزمات لا تعرفهم ولا تراهم إلا وقت الأزمات ووقت الحروب لأن أرباحهم وقتها لن تكون كالمعتاد 10% و 20% و 30% كلا وأبدا بل ستقفز ابتداء من 100% إلى حتى 1.000% ... لأن الرقابة تكون منعدمة والحساب مفقود بنسبة 100% ومزاج الشراء لا وجود له فيتحول المجتمع بأكمله من ثقافة الشراء "المعتدلة" إلى ثقافة شراء "المضطر" ... فعلى سبيل المثال كيس الخبز بـ 50 فلس لكن وقت الأزمة يصل إلى 200 فلس ويصل حتى إلى دينار فيعود الناس إلى الفطرة فيوفرون أموالهم ويشترون أكياس الطحين ويخبزون في منازلهم ؟
 
صناعة التاجر الوطني
في كل دولة وكل مجتمع هناك رؤية حكومية ساقطة جدا وهي عدم وجود الرؤية أصلا وهنا أنا أشير وأقصد أن على الحكومات أن تبني وتصنع "التاجر الوطني" ... نعم التاجر الوطني وهي أنك تصنع مجموعة أفراد الحكومة من تصنعهم والحكومة من تكبرهم باتفاق على أنهم استثمار بعيد المدى تجدهم الحكومة ويجدهم الشعب في حال الطوارئ وأي انتكاسة اقتصادية أو استهلاكية ... بهؤلاء أنت تصنع وتخلق توازن بين كبار التجار وبين هؤلاء ولا أعني أن كل التجار الكبار ليسوا وطنيين كلا وأبدا لكن عمر الغني ما حس بالفقير لا أحد يضحك علينا ولا أحد يستطيع تغيير ثقافة مجتمعية ممتدة منذ أكثر من 100 سنة ... وبالتالي يجب على الحكومة أن تبدأ بصناعة التاجر الوطني أو تجار الأزمات لكن بشكل إيجابي وليس سلبي ... وهؤلاء يجب أن تكون لديهم اتصالات ومخازن في داخل وخارج الكويت لأي سبب كان في أي حالة طوارئ في أي حرب قادمة ... لأن ظهور الهلع الإجتماعي سيسبب فوضى وربكة اجتماعية شديدة الخطورة إن حدثت ولا أتمنى ذلك لأي أحد ... لكن لا عيب على الإطلاق أن تنظر أبعد مما تنظر إليه وتفكر بطريقة استثنائية ولا يجب أن تفترض أن كل الناس على قدر واحد من الإدراك والثقافة والوعي وهنا تكمن المشكلة في التنوع الإجتماعي وتضارباته الفكرية والبيئية ؟

يجب أن تنظروا أبعد مما تنظرون إليه





دمتم بود ...



وسعوا صدوركم