2018-05-01

لمــــــــــــــــاذا ؟


لو تخيل أحد منكم منظر يوم القيامة وشكل الحساب وأظن أن الكثيرين من يسبح خيالهم في ذلك وهو بالمناسبة حق لهم وليس عيبا ولا محرما ... لكن أينما فكرت وأينما حللت وفي أي اتجاه ستذهب به في خيالك لن تجد إلا سؤال واحد : لمــــــــاذا ؟ ... نعم إنه السؤال الأول والأهم والمطلق الذي سيبنى عليه حساب رب العالمين من الأول إلى الآخر ... وطالما وجد صيغة السؤال "لماذا" فهذا يعني أن هناك قانون أو عرف أو نظام مسبق العلم والتطبيق تم خرقه لأنه لا يوجد سؤال دون علم مسبق أو قواعد عامة منظمة لكل من يخرج عليها فإنه يثير علامات الإستفهام والتعجب وهنا يتم سؤاله عن سبب التجاوز والخرق ... وفي نظام رب العالمين شديد الدقة هو النظام الثابت والقانون القديم تم تفعيله عبر أنبيائه ورسله وكتبه وشرائعه السماوية التي جاءت ونزلت على عباده حتى لا يكون لأحد حجة على الله سبحانه ... ومع فرق التشبيه بالتأكيد كالقواعد البشرية مثل : لماذا تزوجتها ؟ لماذا طلقتها ؟ لماذا تجاوزت الإشارة الحمراء ؟ لماذا أردت أن تنتحر ؟ لماذا أزعجت الجيران ؟ ... وخذ وقس على ذلك من السؤال الرئيسي الذي جاء بفعل مسبق وخرق للقواعد أو للنظام العام ... وبالتالي العلم المسبق هي قدرة رب العالمين هو سبحانه فقط المطلع على ما تخفيه الأنفس وما لا تبصره العيون وأما لإنسان فإنه يحتاج إلى العلم بعد الفعل وليس قبله أي لا أحد يعلم لماذا أو الأسباب التي تتولد في العقول والصدور إلا بعد إحداث الفعل وعليه يبدأ السؤال والتفسير والتحليل ومن ثم الحكم ؟  
 
أما في صيغة أو إدراك رب العالمين الذي ليس كمثله شيء في السموات والأرض فإن العقل البشري "عقلي" يتخيل ويصنع مشهد التصور على السؤال الرئيسي الذي سيسأل عنه الإنسان يوم القيامة مثل : لماذا لم تؤمن ؟ لماذا لم تصلي ؟ لماذا لم تصوم ؟ لماذا لم تحج إلى بيتي ؟ لماذا كذبت ؟ لماذا افتريت ؟ لماذا سرقت ؟ لماذا ظلمت ؟ لماذا قتلت ؟ لماذا عصيت ؟ لماذا استكبرت ؟ لماذا نكرت وجحدت ؟ لماذا تجبرت ؟ لماذا اشتريت ذمم هذا وذاك ؟ لماذا نصحت نصيحة سوء ؟ لماذا فرّقت بين الأخ وأخيه ؟ لماذا عملت على تفريق الزوج وزوجته ؟ لماذا ظلمت شعبك والعباد ؟ لماذا سرقت أموالهم ؟ لماذا ملأت سجونك من عبادي الأبرياء ؟ لماذا أكلت مال اليتيم ؟ لماذا ضربت هذا وعذبت ذاك ؟ لماذا أخذت مال فلان وفلانة بالحيلة ؟ لماذا ذهبت إلى السحرة والدجالين ؟ لماذا صنعت سحرا لهذا وهذه ؟ لماذا سخرت مالك لمضرة هذا وهذه ؟ ... لماذا ولماذا ثم لماذا ولماذا هي من تفتح أبواب الحساب لكل عبد خاضع للحساب وليس الكل ... لأن هناك بشرا يوم القيامة من قبورهم إلى الجنة مباشرة لا حساب ولا حتى سابقة عذاب وهناك بشرا من قبورهم إلى جهنم يساقون إليها مهانين أذلاء تسوقهم ملائكة جهنم بالسلاسل والسحب والجر ... لماذا هو السؤال الذي لو أردت أن أحلله لن أنتهي منه بأجزاء من الموضوع ؟

فعلا لماذا كل هذه الأحقاد والأطماع والنهاية موت وعفن وجيفة يأكلها الدود !!! بمعنى لا أحد مخلدا في الأرض حتى تستحق هذه الحياة كل هذا التعب والإرهاق في الجسم والعقل والروح والقلب ... فلو كان الإنسان خالدا مخلدا في هذه الدنيا لاستحقت الدنيا أن نتقاتل من أجلها ونصنع ما تشيب له الولدان لأن هذه الحياة لا تنتهي والإنسان باق لا يموت ولذلك الأمر يستحق فعلا كل شيء ... لكن لست مخلدا ولست ضامنا حتى ساعتك القادمة وليس يومك القادم فلمــــــاذا كل هذا الإرهاق على مال أو منصب أو سياسة وشعب وأرض وحرب وقتال وعداء وضغينة ومكائد إلا أن يكون الإنسان كائن غبي ؟ ... نعم غبي بل وغبي بامتياز أتصنع عملا وإنجازا لن تستمتع به سوى بضعة سنين لو كنت مسؤلا وبضعة سنين لو كان لك ثم تتركه خلفك ولا تأخذ منه شيئا !!! ... فانظر لقرآنك واقرأ قصص رب العالمين التي يعظك فيها وينبهك ويحذرك من حياتك ومن دنياك واقرأ كتب التاريخ عن أفراد وأمما كيف كانوا وإلى أين انتهوا فهل الأمر يستحق ؟... ولقد سطرت في مدونتي المتواضعة هذه المئات من المواضيع التي لو حللتها لاكتشفت أن المــــــال يقف دائما خلف السبب الرئيسي في كل مصائب الإنسان والأرض ... وكأن هناك أمما سبقتكم أخذت معها في قبورها مالها ومنازلها وأعز ما تملك إن الأمر لا يستحق على الإطلاق أن يحدث كل هذا ... ولمـــــــاذا حدث ويحدث وسيحدث كل ما نحن فيه لا شيء وليس لشيء سوى أن الإنسان صدق نفسه أنه كائن عظيم وفي الحقيقة أنه لا يساوي النملة التي تجوب الأرض منذ عشرات آلاف السنين ... والأمر ليس استهزاء بل حقيقة لأنه علميا وبالأدلة ثبت أن كوكب الأرض لا يساوي في المجرة الكونية إلا كظفر من الأصبع الأصغر من قدم أرجلكم ... وما خلقنا ربنا وأرسلنا إلى هذه الدنيا إلا لاختبار في ميزان الجنة والنار وهذا قدرنا كبشر ويوم القيامة اسألوا ربكم : لماذا خلقتنا من الأساس ؟... لكن طالما أننا خلقنا ووجدنا فهذا يعني أن دخلنا في الإختبار الإجباري الذي لا مناص منه ولا مفر من مواجهته بخيره وشره ... حللوا لماذا بعمق ستكتشفون عجب العجاب وكم الإنسان ذوو عقل هزيل ومع ذلك أعطانا رب العالمين عظمة رحمته ومغفرته فلا دوام إلا لوجه سبحانه ولا عظمة إلا له سبحانه ولا دائم إلا هو جل جلاله ... وأنت يا ابن آدم فإنك رسالة ربك لك انطلقت وسجلت { يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ويصلى سعيرا } الإنشقاق ... وأهلك في الآية ليس أهل الدنيا بل أهل الجنة وهم خير الأهل لأنهم هم الخالدون وأنتم الفانون ؟
 
من أعظم ما كتب الشاعر محمود محمد مصطفى بيرم ( 1893 – 1961 ) وشهرته بيرم التونسي في أغنية "القلب يعشق كل جميل" لأم كلثوم 
كنت أبتعد عنه وكان يناديني
ويقول مسيرك يوم تخضع لي وتجيني
طاوعني يا عبدي طاوعني أنا وحدي
أنا اللي أعطيتك من غير ما تتكلم
وأنا اللي علمتك من غير ما تتعلم
واللي هديتوا إليك لو تحسبوا بإيديك
تشوف جمايلي عليك
من كل شيء أعظم سلم لنا تسلم





دمتم بود ...



وسعوا صدوركم