الرسام الإسباني سلفادور دالي (
1904- 1989 ) ينتمي إلى المدرسة السريالية أي الأمور التي تفوق الواقع وتتجاوز
الخيال ... رسمه مزيج بين الفوضى والخيال والإبداع والرسالة والمغزى من كل لوحة
رسمها ؟
الفنانين الحقيقيين وبشكل عام إن
كانوا عازفين أو مطربين أو رسامين أو نحاتين أو شعراء أو مؤلفين وصولا إلى العلماء
أنفسهم ... يتميزون ما بين الجنون والإبداع بين الواقع وألا واقع بين الحقيقة
والسراب بين الألم والأمل بين الرؤية الثاقبة وبين استعداده لأسوأ ما يمكن أن يحدث
في هذا العالم ... والمزاجية هي صفتهم التي تجمعهم جميعا ودون أي استثناء منهم
وكذب من يقول أنه بعيدا عن تلك الصفة المزاجية التي يعجز عن فهمها أو معاشراتها
الكثيرين ؟
لهم عالمهم الخاص ويستطيعون وبسهولة
الإستغناء عن عالمهم الواقعي لساعات وربما لأيام وقد تكون لأسابيع ... أي أنهم
يستطيعون أن ينسلخوا من هذه الحياة والدخول في حياتهم الخاصة التي تفوق خيال
الكثيرين بسهولة مطلقة ... بل يصعب على الكثيرين أن يفهموا مزاجية هؤلاء وغالبا ما
يتم وصفهم بأنهم مجانين أو مغرورين أو متكبرين أو سموها ما شئتم ... وهذا راجع
لسبب بسيط وهو أن العامة لم يستطيعوا أن يولجوا إلى عالم هؤلاء الحقيقي ولو
استطاعوا لشاهدوا عجب العجاب من الفن والإبداع والفكر المستنير ؟
هؤلاء طاقات عظيمة مهدورة ومواهب
ربانية فطرية نادرة وعقليات لا يستطيع أحد أن يجاريها وأحاسيس ومشاعر في غاية
الحساسية ... كأنهم يستشعرون الحروف التي تصل إلى مسامعهم ومن ثم يجمعونها ومن ثم
يستوعبونها أي أنهم دقيقون جدا لدرجة مذهلة وإن لم تلحظ ذلك ... فهم حريصون جدا
على مشاعرهم لدرجة الوسواس لأن جرحم نادرا ما يتعافى ويطيب ولا ينسون مطلقا أصحاب
تلك الجروح ... وبالمناسبة فإنهم غالبا ما يكونون أكثر فشلا من بين إخوانهم أو
أكثر سمعة سيئة بين أسرهم ... وهذا راجع لتمردهم على واقعهم وعلى الحياة نفسها
وعدم قبولهم أو رضاهم بما يدور ويحدث حولهم ومعهم ... فأنتجوا ردة أفعال تثير من
حولهم وإن كان والديهم أو إخوانهم ولا ضير في ذلك على الإطلاق ؟
إنهم قوم يتألمون بشكل وبطريقة أيضا
غريبة ومجنونة كأنفسهم فتراهم يعبرون عن آلامهم وأوجاعهم بمواهبهم التي تميزوا بها
حصريا عن باقي البشر ... فتعداد سكان الأرض الآن = أكثر من 7 مليار نسمة ... فكم
من هؤلاء الـ7 مليار هو رسام أو عازف على آلة ما أو مطرب ذو صوت شجي أو شاعر أو
مؤلف أو حتى حافظ للقرآن الكريم ؟ إنهم قلة وفعليا هم نوادر البشر بما يملكونه من
مواهب ومن خيال ومن عقول جبارة ؟
ما أتحدث عنهم هم جميعهم لم تمنحهم
الحياة فرصة القيادة لسبب بسيط وهو أنهم جميعا توجعهم الانتقادات بسبب حساسيتهم
المفرطة كما ذكرتها سابقا ... فيتراجعون إلى الوراء ويدخلون في عالمهم الخاص
ويتقوقعون لأنه الملجأ الوحيد الآمن الذي يشعرون فيه بالطمأنينة والسلام ... ومع
الأسف الشديد كثيرا ما تعرضوا للانتقادات وللمواقف المؤسفة وأحيانا كثيرة إلى
الإستغلال البشع ... فطيبة قلوبهم تفوق طيبة الكثيرين والكثير منهم يسامح بسهولة
لكنه في نفس الوقت ومع مسامحته لا يريد أن يراك مرة أخرى ... ليس لسبب لكن فقط بأن
رؤيتك تذكره بإهانتك له أو بغدرك له أو بأي موقف سلبي قد أحدثته معه ... لكن في
الحقيقة أنه من صميم قلبه قد سامحك لكن وقوفك أمامه مرة أخرى تذكره بما فعلت وقتها
قد تحدث ردة فعل عكسية لا أحد يعرف نتائجها حتى هو نفسه فعليا لا يعرف ؟
إنه عالم ساحر غريب وعجيب ومدهش
بتناقضاته وبأفعاله التي تفوق الخيال على يد نوادر البشر عقلياتهم لا تجاريها
عقليات قط ... من فهمها فقد اختصر هذه الحياة وقد كسب خبرة وحكمة ما تعجز عنها نفسه
لأخر حياته ؟
كثيرا ما تكون هناك كنوز بين أيدينا ولا نعرف قيمتها إلا بعد أن تتسرب من بين أيدينا من شدة إهمالنا بها فيكون الندم بمقدار قيمتهم
دمتم بود ...
وسعوا صدوركم