من الأكاذيب والافتراءات التي سيطرت
على عقولنا وعقول من سبقونا من قبل من شوهوا الإسلام والذي هو من أعرق وأقوى وأروع
الأديان السماوية بلا شك ... فقد صنعوا صورة مقززة بأن الحياة هي صلاة وعبادة ولا
تكذب ولا تسرق ولا تشتم وأن من سبقوكم كانوا أهل علم وصلاح وتقوى بشكل عام ... إلا
أن الحقيقة والواقع قد رأينا الناصحين هم أكثر الناس فجورا في الخصومة ويأكلون مال
اليتيم ويبتدعون البدع في سبيل المال وأكاذيبهم ملأت أرجاء المعمورة ... فضاعت
الأمة وتاهت وتمزقت وتفرقت بسبب حفنة من الدجالين والمرتزقة باسم الدين والدين
منهم براء كبراء الذئب من دم ابن يعقوب ؟
التاريخ الإسلامي مثلما هو مليء
بالخيانات والمؤامرات لكنه أيضا مليء بالإنجازات ... فالتاريخ الإسلامي فاخر وحافل
بالفلاسفة والمثقفين والعلماء والشعراء وأمهر العقول الهندسية ... فكانت العمارة وكانت
آلاف دواوين الشعر وآلاف النظريات وملايين الحكم وعشرات المفسرين للقرآن والأحاديث
والأحلام وأيضا كان هناك أسياد الموسيقى ونظرياتهم وكتب تعليمهم وتلامذتهم ... كل
ما سبق كان يحدث في الدولة الإسلامية وقتها كان هناك خليفة المسلمين وأمير
المؤمنين وليس مثلما هو حاصل في أيامنا هذه ... فخرس وقتها كل كذاب وأفّاق وكل
متحايل وكل تاجر دين لأن يعلم علم اليقين بقوة وبلاغة الكثير من قومه وقوة حجتهم
... بالإضافة إلى الثقافة الواسعة لدى الكثيرين ويمكن أن يسقطوا ألف حجة من حجج
طيور الظلام أمام أمير المؤمنين وخليفة المسلمين ؟
الموسيقى هذه اللغة البشرية التي
خرجت إلى الناس منذ آلاف السنين وما قبل الميلاد لها من الأسرار والعلم ما يعجز
عنه الإنسان ... وبالرغم من تطور الزمان وتوفر التكنولوجيا المرعبة إلا أنه وللأسف
لم يستطع شخص على جمع وحصر التاريخ الموسيقي ... فكل ما هو بين أيدينا هي اجتهادات
ومحاولات بالإضافة إلى ما يتناقلة المتخصصين منذ آلاف السنين ... وقد تستغربون
مثلما استغربت من قبلكم ما دخل أشهر علماء المسلمين ومثقفيهم القدامى جدا
بالموسيقى وكيف ربطت الموسيقى بالرياضيات وبلغة الأرقام ؟
الموسيقى هي علم و فن تركيب الأصوات
بحيث تكون نتيجة هدا التركيب راحة ولذة للأذن والصوت وهو عبارة عن موجة اهتزازية
تعرف بالخصوص بتردداتها ( fréquence )
وبالتالي دراسة الموسيقى هي دراسة رياضية للعلاقات بين هده الترددات التي مصدرها
الآلات الموسيقية بمختلف أنواعها ... إذن إذا وضعنا تعريفا رياضيا للنوتة
الموسيقية فسوف نتمكن من إدماج علم الموسيقى في علم الرياضيات
(modélisation
mathématique de la musique )
بالتالي فكرة دراسة الموسيقى بطريقة
علمية استخدمت مند عهد اليونان بحيث وضع فيثاغورس Pythagore العلاقات الأولى بين طول الخيط الرنان والصوت المنبعث منه فوضع
العلاقات الأولى المتطابق (les rapports consonants ) ومن المفاهيم الرياضية التي لها علاقة بالموسيقى المجموعات (théorie des groupes) والمتتاليات (les suites ) والمعادلات ( les equations ) وغيرها ... إذن وبهده
الطريقة وباستعمال الصيغ الرياضية يمكن أن نحصل على معلومات حول الانتقال من
مجموعات النوتات إلى أخرى .
فيثاغورس فيلسوف ومتدين ورياضي إغريقي
قديم عاش من 560 - 480 قبل الميلاد ... كان له دور هام في تطوير علوم الرياضيات
والفلك والموسيقى ... أنشأ في مدينة كروتون مدرسة لتعليم الدين والفلسفة جذبت
العديد من الطلاب من مختلف الأنحاء ... وتقوم تعاليم فيثاغورس على فكرة أن جميع
العلاقات في الظواهر الطبيعية تقوم على الأرقام فهو يقول : كل الأشياء أرقام ... ونبعت هذه الفكرة من ملاحظاته الدقيقة في الموسيقى ( الصوت ) والرياضيات والفلك (
حركات النجوم ) وقد لاحظ فيثاغورس وتلامذته أن اهتزازات أوتار الآلات الموسيقية
تصدر أنغاما متآلفة عندما تكون نسب أطوال الأوتار أعداد كاملة وغير كسرية ... وأن
هذه الظاهرة واضحة في جميع الآلات الوترية وعرف فيثاغورس كما عرف المصريون قبله ...
أن أي مثلث تكون نسبة أضلاعه 3 : 4 : 5 هو مثلث قائم الزاوية وأن مربع الوتر لهذا
المثلث يساوي مجموع مربع الوترين الآخرين وقد تمكن فيثاغورس من وضع البرهان
الرياضي لهذه الظاهرة وهو ما يعرف بنظرية فيثاغورس بالرغم من أن هذه المسألة كانت
معروفة عند البابليين وأن فيثاغورس نفسه سافر إلى بلاد بابل في شبابه وقد يكون
عرفها هناك ولكن يرجع إلى الفضل في إثباتها ؟
من أشهر أعلام الموسيقى العربية
ومؤسسي النهضة العلمية الموسيقية أبو يوسف بن اسحق الكندي "فيلسوف
العرب" لم يكن الكندي أول من ألَّف في تاريخ الموسيقى العربية ... فقد سبقه
إلى ذلك كثيرون ممن صنفوا في الموسيقى ودوًّنوا أخبارها المختلفة وجاء ذكرهم في
الكتب التاريخية والفهارس العربية القديمة ... كان هذا نتيجة للثروة الثقافية التي
تناهت إلى العرب والمسلمين في العصر الأموي بسبب احتكاكهم بأمم ومدن عريقة في
الحضارة عبر فتوحاتهم وتوسعاتهم مما جعل تيار تلك المدن ينتشر في البلاد العربية
فيشمل مختلف العلوم والفنون ومنها الموسيقى ... ففي أواخر العصر الأموي دخلت
الموسيقى مرحلة جديدة فلم تعد مجرد ظاهرة فنية تستمد عناصرها من الفطرة بل أصبحت
ثقافة مكتسبة أيضا ... ولم يعد الضارب على الآلة الموسيقية أو المغني مجرد اسطوانة
يردد لحنا حفظه بل كان عليه أن يعرف شيئا عن الشعر واللحن وأجناس النغم وإيقاعه
وغير ذلك من الأخبار التي صاحبت اللحن والمناسبة التي غني فيها ... فكانت الضرورة
والحالة هذه تجعل الموسيقي يلجأ إلى تدوين الأغاني وأخبارها ليدرسها بعناية فيظهر
بمظهر المطًّلع العارف فتزداد بهذا منزلته بين الناس ويرتفع شأنه بين أقرانه ... وكان
يونس الكاتب المتوفى حوالي سنة 148 هجرية أول من كتب في الموسيقى إذ وضع كتاب (
الأغاني ) الذي وصفه أبو الفرج الأصفهاني بكونه أول كتاب عربي دوِِّن في الغناء
... ثم جاء بعده الخليل بن أحمد الفراهيدي المتوفى حوالي سنة 175 للهجرة وهو
اللغوي المشهور وواضع علم العروض فألف في الموسيقى ( النغم ) وكتاب ( الإيقاع ) ثم
ظهر بعد هذا كتاب ( المائة الصوت المختارة ) الذي اشترك في جمعها واختيارها ثلاثة
من كبار المغنين وهم : ابن جامع المتوفى حوالي سنة 187 للهجرة ... وإبراهيم
الموصلي المتوفى حوالي 188 للهجرة ... وفليح بن أبي العوراء المتوفى حوالي سنة
188 هجرية وكان هذا الكتاب بناء على أمر من الخليفة أمير المؤمنين هارون الرشيد
سيد الثقافة والتطور والصناعة والفنون في عهده الغني بالإنجازات ... ووضع يحي
المكي المتوفى حوالي عام 205 هجرية كتابا في ( الأغاني ) ويحي هو مغن حجازي قدم
إلى بغداد في أول خلافة المهدي وكان ذا صنعة عجيبة - على حد تعبير الأصفهاني -
وقام ابنه أحمد بتنقيح هذا الكتاب وتوسيعه ... وجاء بعده يحي بن أبي منصور الموصلي المتوفى في أوائل القرن الثالث للهجرة فوضع كتاب ( الأغاني ) وكتاب ( العود
والملاهي ) ثم وضع إبراهيم بن المهدي شقيق هارون الرشيد المتوفى حوالي سنة
224 للهجرة كتاب ( الغناء ) أما اسحق الموصلي الذي يعتبر أشهر فناني العصر
العباسي المتوفى حوالي سنة 235 هجرية فقد صنف في الموسيقى تسعة عشر كتابا ... ووضع
سند بن علي الوراق المتوفى حوالي 235 للهجرة كتاب ( أخبار الأغاني على الحروف
) وكتاب ( مجردات الأغاني ) ؟
هؤلاء هم المؤلفون الذين عاشوا قبل
الكندي ومنهم من عاصره وهذه هي المؤلفات الموسيقية التي ظهرت باللغة العربية قبل
مؤلفاته ... مما يؤسف له إن جميع هذه الكتب قد ضاعت ولا نعلم من أمرها اليوم غير
أسمائها التي نطالعها في الكتب القديمة ... لهذا تعتبر مؤلفات الكندي الموسيقية
أقدم ما انتهى إلينا في هذا الموضوع من كتب وهي الحلقة الأولى التي تبدأ بها سلسلة
التاريخ العلمي والفلسفي للموسيقى عند العرب ؟
إذن الموسيقى تاريخ وعلم ذو أصول
عريقة لا تقل عراقة عن أي فن أو علم وربما علم الموسيقى يكون هو الأقدم ؟
لذلك اليوم مستحيل أن نجد نوته
موسيقية بدون أرقام ويستحيل أن يتم تلحين أي أغنية أو موسيقى بدون أرقام وحسابات
دقيقة للغاية وأيضا يستحيل أن المطربين الحقيقيين يغنون ويطربون دون أن يحسبوا
أعداد وأرقام معينة بينهم وبين أنفسهم ... كمثال طول مدة سحبة الصوت ومتى يدخل في
الأغنية ومتى ينهي المقطع كلها تتم بحسابات وأرقام وليست المسألة تسير بطريقة
عفوية ... وحتى السلم الموسيقي
( دو ري مي فا صول لا سي دو )
يتحرك بأرقام معينة وبحسابات معينة
وما بين هذا وذاك هناك شيء اسمه ( التون ) وهي المسافة التي بين درجة السلم
الموسيقى والدرجة التي تليها ؟
إنه علم غزير يستحيل أن تجد شخص واحد
بليغ وعالم بكل ما فيه من تاريخ وحسابات وثقافات ... لكن الأكيد والواقع أن فن
اليوم أصبح فن مبتذل بسبب وجود عبيد الأموال وأراكوزات الموسيقي الذين ملؤا الساحة
الفنية بفنهم المقزز وجمهورهم الوضيع ؟
الفن هو Microscop لكل صاحب موهبة وإحساس وضمير مخلص حقيقي للفن ويرفض أن يكون عبدا
للدينار ويرفض أن يكون عبدا لغروره وكبريائه الزائف ... فإن توفرت فيه هذه
المواصفات فليتأكد بأنه في يوم ما سيكون ذوو شأن كبير ؟
الفن مدرسة ركلت الفاشلين ومنحت
شهادات التقدير للناجحين
ملاحظة : بعض أجزاء الموضوع منقول
دمتم بود ...
وسعوا صدوركم