انتهت بالأمس انتخابات مجلس الأمة الكويتي وأعلنت النتائج النهائية فجر هذا اليوم ولم أتفاجأ بحجم التغيير وإن كان تغيرا محمودا رائعا ... لكن فاجأني نسبة المشاركة العالية التي وصلت إلى 70% بالرغم من ظروف كورونا وضعف الندوات الإنتخابية ومهزلة شطب مرشحين وعودتهم بقوة الأحكام القضائية بالإضافة إلى الإحباط الشعبي بشكل عام ... كلها عوامل تضعك في صورة المشهد بأن نسبة الإقبال ستكون ضعيفة لكن ما حدث هو العكس فكانت نسبة الإقبال عالية ... والأجمل من كل هذا هي القبائل التي كسرت حاجز الشلل وتجاوزت حالة العجز فأحدثت تغيرات مثيرة للدهشة وتجرأت فعليا على التغيير وهذا ما كنا ننادي به منذ وقت طويل مع استثناء "مجرمي الفرعيات" أو "لصوص الإنتخابات" ... وذهابا إلى قلب الموضوع لا أستطيع أن أسمي هذه الانتخابات إلا أنها "انتخابات الرئاسة" أي خصوم "مرزوق الغانم" والذي سيكون في موقف لا يحسد عليه هذه المرة بالمطلق ... فقد كانت هناك خصومة سياسية بين مرزوق الغانم وبين كل من "محمد المطير - حمدان العازمي - شعيب المويزري - عبدالكريم الكندري - مبارك الحجرف" ... ودون شك كان لهم تأثيرا بالغا في المجلس المنصرم فقد نجحوا بصناعة التأثير السلبي لأداء المجلس من خلال الأداء العام للمجلس وارتفاع عدد الإستجوابات المقدمة وتراجع نسبة إقرار القوانين ... 5 أعضاء سابقين لديهم خصومة سياسية مع رئيس مجلس الأمة "السابق" مرزوق الغانم دخل وزاد عليهم هذه المرة كل من "بدر الداهوم - حسن جوهر - الصيفي مبارك الصيفي - أسامة المناور - حمد المطر - بدر الحميدي - أحمد الشحومي" ... أي كأقل تقدير هناك 12 عضو مجلس أمة لديهم مشكلة أو خصومة سياسية مع "مرزوق الغانم" وهذا العدد كافيا جدا من أن يخبرك بأريحية تامة أن المجلس القادم مجلس تأزيم وصراعات واسعة النطاق بامتياز ؟
انتخابات رئاسة مجلس الأمة
في 20-10-2020 كتبت تغريدة أكدت فيها أن مجرد خوض السيد "مرزوق الغانم" للإنتخابات القادمة 2020 يعني أنه أخذ الضوء الأخضر بمنحه أصوات الحكومة للفوز بكرسي رئاسة مجلس الأمة ... وبالفعل مرزوق خاض الإنتخابات وحقق فيها فوزا متصدرا المركز الأول في دائرته بعدد أصوات 5.179 صوت ... وقد أعلن السيد "بدر الحميدي" اليوم نيته خوض سباق رئاسة مجلس الأمة كما أن هناك مشاورات تجري لدفع السيد "حسن جوهر" لدخول هذا السباق أيضا ... لكن لو توحدت المعارضة ووقفت خلف "بدر الحميدي" تحديدا وليس "حسن جوهر" فبالتأكيد سيصل "بدر الحميدي" لمنصب الرئاسة دون الحاجة لأصوات الحكومة ... لكن من المهم أن نعرف أن كلا من "بدر الحميدي + حسن جوهر" لا يمكون المقومات التي يمتلكها "مرزوق الغانم" من حيث الخبرة ومنطق الحجة والعلاقات الأخطبوطية داخليا وخارجيا ... وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع مرزوق الغانم فالضالعين في عالم السياسة لا يختلفون على أن مرزوق الغانم رجل دولة من الطراز الرفيع بل ولا أبالغ إن قلت أنه قد تجاوز خاله الراحل "جاسم الخرافي" بكثير من حيث قوة العلاقات الإقليمية والدولية ... والنتيجة ستكون إن فاز مرزوق الغانم في سباق رئاسة مجلس الأمة فالمجلس سيتم حله بسبب التأزيم بشكل كبير جدا وإن خسر مرزوق الغانم فإن المجلس في طريقه إلى الحل بنسبة 100% وهذا المجلس لــــن يكمل مدته إلى درجة الإستحالة سواء فاز أو خسر مرزوق الغانم ... والسبب أن الخصومة السياسية مصدرها المراهقة السياسية وليس الوعي والتكتيك السياسي الخبير المطلع على بواطن الأمور ؟
موقف نظام الحكم والحكومة
من الطبيعي جدا أن يكون رئيس مجلس الأمة متناغما مع فكر وسياسة نظام الحكم ليس مرزوق الغانم فحسب بل حتى مع من سبقوه أو من سيأتون من بعده ... فرئيس مجلس الأمة يعتبر "الوسيط النزيه" بين المجلس والحكومة وإذا ما توترت العلاقة بين السلطتين "التشريعية والتنفيذية" فإن الفصل في الأمر يعود إلى سمو أمير البلاد الذي بطبعة الحال يجتمع مع رئيس السلطة التنفيذية ورئيس السلطة التشريعية ليحكم ويفصل في الأمر حسب رؤية سموه وفق المعطيات التي يملكها هو دون سواه ... ولذلك يجب أن يكون رئيس مجلس الأمة ذو ثقل سياسي بحكم منصبه "الرجل الثاني" في الدولة بأن يتوافق ويعي رؤية وسياسة حاكم البلاد ... وبكل أسف أقولها مسبقا فإن "بدر الحميدي و حسن جوهر" لا يملكون أي رؤية سياسية عالية المستوى ولا نظرة سياسية ثاقبة ومحدودي العلاقات داخليا وليس لهم أي ثقل سياسي خارجيا بالمطلق ... ولذلك ومن واقع التحليل والواقع فإن "مرزوق الغانم" فعليا يملك تلك المقومات بشكل عالي المستوى وبأريحية ولو سألت عن الأسباب فهي كثيرة ومتعددة لكني أختصرها بنقطة واحدة وهي : مرزوق الغانم صناعـــــــة سمو الأمير الراحل صباح الأحمد طيب الله ثراه ... ولذلك لا عجب أن يتوافق ويتطابق مع رؤية وفكر أمير البلاد الحالي سمو الشيخ / نواف الأحمد الصباح بارك الله في عمر سموه وسمو ولي عهد الشيخ / مشعل الأحمد الصباح ؟
ما هو موقف وشكل المعارضة ؟
لنتفق على نقطة أساسية يجب على الجميع أن يحترمها ويتقبلها مهما كانت نتائجها وسلبياتها وهي : طالما أن المعارضة تعمل داخــــل مجلس الأمة وليس خارجه إذن هي تلعب في المكان الصحيح ... وطالما هم داخل المجلس فحق لهم أن يمارسوا عضويتهم بما يرونه مناسبا لهم فهم يدركون أكثر من جيد أن التأزيم "المبالغ فيه" يعني حل المجلس ... ونظام الحكم مهتم للغاية بالإستقرار السياسي في البلاد ويراقب الوضع عن كثب ولن يسمح بأي إنزلاق قد يترتب عليه العودة للغوغائية كما حدثت في 2010 - 2012 ... ناهيك بل والأهم من كل ذلك إن لم تتعلم المعارضة وتستخلص الدروس والعبر مما مضى وسبق فهذا يعني أنهم شرذمة غوغائية لم ولن يتعلموا مما حدث في الماضي القريب وليسوا أهل سياسة ... وعليه يجب على المعارضة أن تعيد أولوياتها وتوحد صفوفها لوضع الملفات الوطنية المهمة حسب رؤيتها ولا تخرج الأمور من بين أيديهم فيتفرقوا ثم يتضاربوا ثم تبدأ الغوغائية ثم يجدوا أنفسهم في مواجهة ثانية خاسرة بنسبة مليار% أمام نظام الحكم ... والناس قد ملت الصراخ والتكسب الرخيص والشعب الكويتي يريد إنجازات واقعية على الأرض والمواطن يريد تقدم وتطور وازدهار وأمن وأمان ... الكويتيين يريدون أن تكشفوا الفاسدين والسراق وتوصلونهم إلى القضاء ونريد الأعضاء الذين كانوا يتهمون بعضهم البعض بالفساد والسرقات بأن يتم وضعهم في عهدة القضاء أيا كانت أسماؤهم ... الشعب الكويتي بحاجة إلى قرارات شعبية ودفع الحريات للأمام وعدم سجن المغردين ممن تهمتهم فقط أنهم انتفضوا للدفاع عن وطنهم أمام الأوغاد في الخارج ... طوروا القضاء وعجلوا بحسم القضايا وألغوا القوانين المكبلة للحريات وانظروا إلى الوضع المعيشي للمواطن واحترموا ووقروا كبيركم من المتقاعدين وامنعوا فساد "الراتب الإستثنائي" لأعضاء مجالس الأمة فهذه رشوة سياسية وقحة للغاية جميعكم تعلموا عنها وكلكم متواطؤون فيها ... اعملوا بوطنية وباحترافية سياسية وبأولويات تهم الشعب الكويتي وليس لتكسبكم الرخيص واعلموا أن سمو أمير البلاد لن يسمح بالفوضى ولن يسمح بعدم الاستقرار السياسي وهذا ديدن كل حكام الكويت السابقين فتعلموا من دروس الماضي ولا تكونوا كالأبله والمجنون والسفيه ؟
دمج ولاية العهد مع رئاسة الحكومة
خطوة سياسية غير مقبولة وفيها من الضرر الكثير جدا وقد كانت هذه الخطوة السياسية مباحة يوم كان العالم أعمى ... أما اليوم وفي ظل انفجار المعلومة والتكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي فإن مثل هذه الخطوة تعتبر "انتحــــار سياسي" وضرر بالغ في مسند الإمارة ... وهذا ما نستخلصه من التاريخ السياسي الكويتي "الحديث" عندما كان هناك دمج بين ولاية العهد ورئاسة الحكومة أحدث شرخا كبيرا جدا في العلاقة وترسبات سياسية كبيرة نتج عنها انتقام سياسية بعد تولي مسند الإمارة كما حدث مع أمير الكويت الراحل الشيخ "صباح السالم + جابر الأحمد + سعد العبدالله" ... ولذلك من المهم جدا أن نبعد مقام سمو ولي العهد عن أي تجريح أو مساس حتى إذا ما وصل إلى حكم البلاد يصل وهو نقيا صافيا خاليا من أي رغبة بالإنتقام السياسي ... ناهيك عن تعزيز مبدأ أن "أمير البلاد هو والد الجميع" أي الصدر الذي يتسع للجميع فيكون الصفح اكبر من العقاب ... وقد آن الأوان وإن كان متأخرا بأن يظهر أبناء الأسرة الحاكمة بوجوه جديدة من العقلاء وأهل الفكر والسياسة لتأخذ فرصتها وعدم السماح مطلقا بعودة من احترق سياسيا ... وكل ما هو مطلوب هو تشكيل حكومة قوية بشخوصها نظيفة التاريخ تنفذ ضربات استباقية واسعة النطاق ضد الفاسدين وتغلق الباب أمام أعضاء مجلس الأمة من أي تكسب سياسي رخيص ... ناهيك أنه فعليا قد آن الأوان أن يتم تغيير قيادات حكومية على نطاق واسع فالموظف والقيادي ولاؤه يجب أن يكون للكويت وسمو أميرها وليس للنائب ... ولذلك يجب اختراق العلاقة بين المسؤل والنائب وتفكيك هذا الفساد ومنع النائب من ممارسة "الرشوة الإنتخابية" ويجب أن تتغير قواعد النظام في نزاهة "هيئة مكافحة الفساد" وتمكينها من العمل الميداني ... وبالتالي دخولها في أي وزارة وهيئة لتراقب وتفتش وتوقف وتحاسب وتحيل لمجالس التأديب وصولا إلى الفصل من العمل والإحالة إلى القضاء ... باختصار لا تسمح للمعارضة بأي تكسب سياسي لأنك تملك السلطة التنفيذية ومن يملكها ملك بيديه كل شيء فلا تسمح لأحد أن يهينك أو قيادي فاسد أن يضعك على منصة الإستجواب فضحي بهم قبل أن يضحوا بك ؟
دمتم بود ...
وسعوا صدوركم