يُعرّف أي حزب سياسي بأنه : تنظيم اجتماعي دائم قائم على مبادئ وأهداف بهدف الوصول إلى السلطة ويضم مجموعة بشرية متجانسة في أفكارها ويمارس مختلف النشاطات السياسية وفقا لبرنامج عام لتحقيق أهدافه وتوسيع قاعدته الشعبية على المستويات المحلية والوطنية والدولية ... وهذا تعريف عام وفق العلم السياسي الصرف والذي يؤكد هذا العلم بأن هدف أي حزب هو الوصول إلى سلطة حكم البلاد كحاكم أو سلطة رئاسة الحكومة أي أيضا حكم البلاد ... لكن فكرة الأحزاب في أصلها وفي قلب إدراكها هي عملية سطو فكري لاستغلال ضعاف العقول وفقراء الثقافة على يد المثقفين ومن يملكون طلاقة اللسان وقوة الإقناع ... وكل حزب وكل تجمع هو يستهدف إلى أمرين لا ثالث لهما إما الوصول إلى سلطة الحكم وبالتالي تنفيذ أجنداته التي من بينها تلقائيا إقصاء كل منافسيه بفضل قوة السلطة أو الوصول إلى أكبر قاعدة جماهيرية شعبية تشكل له دعما سياسيا ضاغطا على السلطة ... وفي الحالتين أمن واستقرار البلاد وأمان الاقتصاد هما عاملين رئيسين مهددين دائما في ظل وجود الأحزاب في أي دولة كانت ... وأسبقكم بالسؤال : لماذا الأحزاب في أوروبا وأمريكا ناجحة ولماذا الأحزاب في الدول العربية فاشلة ؟ ... الجواب ببساطة أن في أوروبا وأمريكا دولة مؤسسات وقوانين صارمة مشددة تحمي الفرد من بطش وظلم وجور السلطة أيا كان الحزب الحاكم مما أدى تلقائيا إلى وجود عامل الردع لدى الأحزاب كافة من أي انحراف في الممارسة ... أدى ذلك أيضا إلى القناعة الشعبية والتحول إلى العادة الطويلة إلى أن يثبت الولاء للوطن ثم يأتي الولاء للحزب ومتى ما تضارب الهدفان كانت دولة المؤسسات بالمرصاد لكل منحرف وكل مؤامرة ... أي أن في الغرب الولاء لدولة المؤسسات وللوطن ثم للحزب أما في الدول العربية فالولاء للفرد أولا ثم للحزب ثم للوطن ... وفي الأحزاب الإسلامية يأتي الولاء للفرد "الإمام" لأنه يمثل الدين ثم الولاء للحزب ثم الولاء للوطن أي أن الوطن هو أخر أهداف أي حزب إسلامي ... ولا تصدق هرطقتهم وخزعبلاتهم فإنهم أدمنوا الكذب لدرجة أنهم إن لم يكذبوا على فردا في اليوم كذبوا على أنفسهم أمام المرآة ؟
يحدثنا التاريخ عن الأحزاب ونختار منها الأحزاب في عهد الحكم العثماني الذي استهتر في أخر أيامه كثيرا وبشكل مفرط ... وبدلا من أن يعزز القيم الإسلامية وينتهج الدفع بالتطور الإسلامي خضع بالضعف إلى الماسونية واليهودية ولم يقمعهم ويقضي عليهم كما فعل مع "الأرمن" ... ولم يقطع علاقاته مع أشد أعدائه وكان يعلمهم علم اليقين وهم "اليهود - البريطانيين - الفرنسيين - الروس" ... وتراخى كثيرا أمام حالات الخيانة في قلب العاصمة العثمانية "اسطنبول" من الأتراك ومن داخل القصر ... فإذا بالأحزاب لديهم تفتك بالمجتمع العثماني وتخترقها الماسونية اختراقا وصل إلى قلب الجيش العثماني وتغلغل اليهود إلى كل مراكز القوى في السلطة فكان الإنهيار والسقوط على يد حزب "الإتحاد والترقّي" ... بخطأ سياسي استراتيجي كارثي استخذه السلطان "عبدالحميد الثاني" بعودة البرلمان والديمقراطية الكاذبة فكانت الضربة القاضية التي أدت إلى إصدار قرار من البرلمان بتنحية السلطان عن العرش في 1908... ودلالة على ذلك بأن هناك 4 أشخاص ذهبوا إلى السلطان عبدالحميد الثاني ليسلموه قرار العزل فكانوا "إِيمانويل قراصو : يهوديّ إِسباني - أسعد طوبطاني : وهو ألباني – آرام : وهو أرمني - عارف حكمت : وهو عضو مجلس الأعيان" أين العثمانيين والأتراك من الأمر !!! ... حتى أن المقولة الخالدة للسلطان عبدالحميد الثاني قال أثناء قبوله قرار العزل من السلطة "وماذا يفعل هذا اليهودي بينكم" ... فخرج منفيا مع أسرته وحاشيته وكان عددهم 38 شخص إلى "مدينة سيلانيك - حاليا مدينة يونانية" بعدما تمت مصادرة كل أملاكه وعومل معاملة قاسية ومهينة للغاية ومنعت عنه الصحف وكافة أشكال الزيارات ... وفي عام 1909 انتشرت الماسونية بشكل متوحش في قلب العاصمة العثمانية حتى أصبح وزير الداخلية اليهودي "جاويد بك" ... انظر كل ما سبق حدث الإختراق من خلال الأحزاب السياسية ولا شيء غير الأحزاب قضت على حكم عثماني استمر لأكثر من 500 سنة ؟
أما في الوطن العربي فحدث ولا حرج وأغلق عقلك من هول الكوارث والمجازر والقمع والإستبداد كل ذلك حدث باسم الحرية والأحزاب والديمقراطية ... وما أقرب مثالا إلا لبنان المتعدد الأحزاب فالولاء أولا للحزب ثم للدين أو العقيدة أو الطائفة ثم يأتي أخيرا الولاء للوطن لبنان ... والعراق ومصر والجزائر والمغرب والأردن والسودان وغيرها دولا تمتلك الأحزاب لكن بشكل مسرحي سخيف والكل يعيش تحت قمع وتسلط السلطة فدفعت تلك الدول من تاريخها السياسي ثمنا قاسيا موجعا مؤلما وحتى يومنا هذا ... وفي الكويت الدولة التي لا يوجد فيها أحزاب بشكل رسمي لكن توجد تجمعات سياسية علنية ذات أسماء موحدة لها { كل حزب بما لديهم فرِحون } الروم ... في دولة عربية يوجد فيها أحزاب علنية رسمية أو غير رسمية جميعهم يطربون أسماعك بالوطنية وبأهدافهم السامية ويغردون فوق رأسك كأنهم عصافير الجنة ويتصنعون الأخلاق الرفيعة كأنهم ملائكة الله على الأرض ... لكنهم كلهم ودون أي استثناء كاذبون منافقون مجرمون وإن لم يكن كذلك فهم جاهلون مغفلون ... إن من قرأ التاريخ بأمانة وحلل بأمانة وفهم بإدراك واقعي حقيقي يستحيل أن يخرج إلا بقناعة واحدة وهي : كل دولة عربية تسمح بالأحزاب فهي أعطت الضوء الأخضر للشيطان بأن يتربع في وسط وطنهم وكل فرد آمن بالحزب والأحزاب فهو سلـّـم عقله للغير وباع نفسه ليس بثمن بخس بل بالمجان ... وهذا عقاب أزلي من ربكم لكل من يبتعد عن الله بإصرار وبعناد ومكابرة حق عليه سبحانه بأن يبتليه بنفسه { وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } النحل ... والنتيجة التاريخية لقراءة التاريخ السياسي العربي هي : الديمقراطية لا تصلح للدول العربية بل يجب قمع الأحزاب بسرعة ودون رحمة أو شفقة لكن يجب أن يستمتع الجميع من أبناء الشعب بجزء من الحريات الفكرية والشخصية ... ولا يجب على الحاكم وسلطاته من أن يجزعوا أو ينفِروا من تلك الحريات وطالما لا توجد أحزابا ولا تجمعات فكن على ثقة بأنك بخير لأن كل أبواب الشرور تأتي من تلك التجمعات والأحزاب الشيطانية ... ومن حق الفرد أن يتمتع بحرية الرأي وحرية الفكر والإعتقاد وربما كان هناك رأيا واعتقاد كنت أنت كحاكم كوزير كمسؤل كمواطن غافلا عنه ... وما خلقنا ربنا بعقول متساوية بل مختلفة ولولا هذا الإختلاف لما تطور العلم البشري بكافة أشكاله وأنواعه ولما تطورت السياسة والإقتصاد وتلك سنة الله في خلقه ... الوطن لا يحتاج إلى أحزاب الشياطين والمغفلين بل يحتاج إلى شرفاء ووطنيين ومخلصين ومهما كان الحاكم ظالما أو عادلا فكلاهما ليسوا مخلدين فالكل سوف يموت ... لكن متى ما دخلت الأحزاب في وطنك فابدأ أنت بالإستعداد للرحيل منه فإن لم يقلبوا وطنك فوق رأسك قلبوا رأسك همّاَ وحُزنا وضِيقا من هول ما سوف تقرؤه وتسمعه من أسطوانات بالية صدئة متخلفة ؟
دمتم بود ...