في مواضيع سابقة أشرت إلى أن هناك 3 مناطق قد تكون بداية أو شرارة بدء الحرب العالمية الثالثة وهي "إيران - سوريا - كوريا الشمالية" ... لكن برزت دولة رابعة طرأت مؤخرا كانت ذات تجاذبات سياسية محدودة وهي "تايوان" التي تنازلت عنها الصين لصالح اليابان في 1895 في عهد "إمبراطورية تشينغ" الصينية ... وفي ختام نهاية العالمية الثانية والحرب الصينية اليابانية الثانية في 1945 تم وضع تايوان تحت سيطرة الصين نيابة عن الحلفاء في الحرب العالمية الثانية ... لكن بريطانيا دخلت على هذا الخط واعتبرت أن تايوان مستعمرة بريطانية خاضعة للمملكة البريطانية في 1941 وأنزلت فيها الجيش البريطاني وضخت فيها رجال الأعمال البريطانيين ... وظلت تايوان منذ تلك السنوات وهي معتمدة على نفسها اعتمادا كليا "داخليا" حيث نهضت بنفسها نهضة تستحق بالفعل كل الإحترام من خلال صناعاتها المتعددة والمتطورة في كافة المجالات ... أما "خارجيا" فظلت تايوان تعتمد بشكل رئيسي على بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية فملكت تايوان أحدث الأسلحة العسكرية المتطورة عالميا ... ومع ذلك تظل تايوان مجرد سمكة صغيرة جدا مقابل الحوت الصيني العملاق فنحن هنا نتحدث عن الصين ذات المليار و 400 مليون نسمة وتايوان ذات 24 مليون نسمة ... والجيش الصيني ذو 2.2 مليون جندي فعليا في الخدمة و 617 جندي خارج الخدمة "احتياط" مقارنة مع تايوان ذات الـ 165 ألف جندي فعليا في الخدمة و 300 ألف جندي خارج الخدمة "احتياط" ... أما ميزانية وزارة الدفاع الصينية لعام 2021 فقد بلغت 178 مليار دولار أمريكي في حين بلغت ميزانية وزارة الدفاع التايوانية من نفس العام 13 مليار دولار أمريكي فقط ... أي لا مقارنة عسكرية بينهما على الإطلاق ؟
شرارة الحرب العالمية الثالثة
قبل 5 أو 8 سنوات كأبعد تقدير بدأت الصين تتحدث علنا بوجوب إخضاع تايوان لها وعرضت الصين على تايوان "حكما ذاتيا" أي تمارس تايوان حياتها كما هي بشرط تبعيتها الخارجية إلى الصين ... رفضت تايوان عرض الصين لأنها على قناعة مطلقة بأن الحزب الشيوعي الذي يحكم الصين سيتغلغل في عمق الحياة في تايوان فيحول الديمقراطية والحريات إلى دكتاتورية وقمع واستبداد كما هو الحاصل في الصين ... أدى ذلك إلى مناوشات وتلاسن سياسي بين الصين وتايوان دخل على خط التلاسن كل من "بريطانيا وأمريكا" فرفعت الصين من حدة تصريحاتها مطالبة تايوان بالتخلص من الإستعمار البريطاني والإمبرالية الأمريكية "حسب وصفها" ... فتصاعدت حدة التوترات بين الصين من جهة وبين "تايوان - أمريكا - بريطانيا" من جهة أخرى مؤخرا وتحديدا في 2020 - 2021 فأعلنت الصين تجنيس أكثر من 3 ملايين مواطن تايواني ثم رفعت العدد إلى 5 ملايين ... حتى يكون لبريطانيا الحجة والسند القانوني بل والذريعة للتدخل العسكري في تايوان في حال قررت الصين التدخل عسكريا لضن تايوان لها ... ومن هنا تشكلت الشرارة للحرب الكبرى التي تلقائيا يجب أن نفهم ونحلل لنضع كافة التصورات أمامنا جليا لأنها ستمتد إلينا بشكل أو بأخر ... فإذا بدأ الغزو الصيني لتايوان فهذا يعني تلقائيا أنها بالفعل بدأت الحرب العالمية الثالثة لأن الصين أصلا لا تحتاج إلى حلفاء بحكم حجمها وصوتها الاقتصادية الجبارة وثقل جيشها المرعب بالضخامة ... لكنها ومع ذلك أقرب حلفاء إليها جغرافيا واقتصاديا وسياسيا وعسكريا هم "كوريا الشمالية وروسيا" ... وتايوان لديها كل من "بريطانيا - أمريكا - فرنسا - كوريا الجنوبية - اليابان" كلها دولا ستدخل خلال ساعات في الحرب دون أدنى تفكير ولا تراجع بالمطلق ... لأن أصلا "دول شرق أسيا" تعاني من اضطرابات سياسية وعسكرية بين "اليابان وكوريا الشمالية - كويا الشمالية وكوريا الجنوبية - الصين واليابان" ... وبالتالي ستدب الفوضى في حرب طاحنة لا رحمة فيها لأنها ذات ترسبات شعبية وسياسية تاريخية ... ناهيك أن الأرض في صالح "الصين وكوريا الشمالية وروسيا وكوريا الجنوبية واليابان وتايوان" لكنها ليست في صالح "أمريكا - بريطانيا - فرنسا" وأي قوات تستجيب لنداءاتهم من الإتحاد الأوروبي ... وبالتأكيد تصنيف هذه الحرب ستكون ذات تصنيف "حرب عالمية" لأنها تحدث بين دول متعددة ومناطق واسعة متعددة ودول كثيرة ذات سيادة ... فهل تفعلها الصين وتضم تايوان لها أم كعادتها ستكمل في مشوار التمدد العالمي الهادئ والهيمنة الاقتصادية أم تفتعل أمريكا حرب تايوان حتى تكون ذريعة لضربة نووية أمريكية إلى الصين ثم ترد الصين وروسيا بضربات نووية لمواقع أمريكا في داخلها وفي الشرق الأوسط ؟
الحرب العالمية وانعكاساتها على الشرق الأوسط
في حال ادلاع الحرب في بحر الصين أو في دول شرق أسيا تلقائيا ستقفز أسعار النفط العالمية لتتجاوز ما بين 150 و 200 دولار للبرميل الواحد ... وبالتأكيد مثل هذه الأسعار تعني أن الكويت ستجني ضعف مبيعاتها وضعف ميزانيتها والإمارات 3 أضعاف والسعودية 5 أضعاف وهذا حدث اقتصادي استثنائي لم يحدث في كل تاريخ المنطقة ... لكن لا نطلق لأنفسنا الأمنيات فمصل هذه الحرب ستصل إلينا بشكل أو بأخر فالحرب العالمية في بحر الصين وجزء واسع من دول شرق أسيا سيضعف أمريكا في منطقة الشرق الأوسط بشكل دراماتيكي خرافي والضعف الأمريكي يعني ضعف إسرائيلي صهيوني مرعب ... وهنا تكمن الفرصة فهل تتمدد إيران وتغزو البحرين أم تلتف على السعودية وتتجه إلى مكة والمدينة أم تكتسح المليشيات العراقية المواقع الأمريكية في العراق أم تهدد الكويت أم تتحالف ميليشيات سوريا والعراق ولبنان ويبدؤا الحرب على الكيان الصهيوني ... أم سيقف الجميع متفرجا على الإنفلات والضعف الأمريكي والبريطاني في منطقتنا مستفيدين من تبعات الحرب العالمية في شرق أسيا ليعوضوا خسائر ميزانياتهم ويجنوا مئات المليارات من جديد ... كلها احتمالات قائمة لا يمكنك استبعاد أيا منها وسط منافسين بين بعضهم البعض في هيمنة أمريكية روسية في منطقتنا وهيمنة إيرانية وتركية واسعة النطاق ... مع إغراءات بضعف الكيان الصهيوني للإنقضاض عليه في وضع تلقائيا ستصبح أوروبا بلا ظهر وبلا حماية من الخطر الروسي عليها ... نعم هي نفس الفوضى التي حدثت في الحرب العالمية الأولى والثانية فلقد كانت فوضى سياسية لا مثيل لها على الإطلاق تحالفات في تحالفات وفشل بعد فشل وهزائم وانتصارات ومعارك وضحايا بعشرات الملايين ... وبالتالي يجب الفهم أن تايوان يمكن أن تكون هي شرارة الحرب العالمية الثالثة ستمتد من "الصين وتايوان" إلى "أمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا وكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية واليابان" ثم ستمتد إلى الشرق الأوسط إلى "إيران وتركيا وإسرائيل والعراق وسوريا" وصولا إلى "مصر وليبيا والمغرب" وعلى الجهة الشمالية "أوروبا وروسيا" ... ولذلك علينا أن ندرك ونفرّق بين ظروف الماضي أبان الحرب العالمية الثانية يوم كان الوطن العربي 50% منه قابع تحت الاحتلال "السوفييتي والبريطاني والفرنسي والإيطالي والأمريكي" واليوم دول ولاءات ومعسكرات ... وبالتالي الظروف مختلفة والأساليب مختلفة وأيضا الخيانات ستختلف بحكم أن وطننا العربي مليئ بالخيانات ولديه رغبات متوحشة بالإنتقام ؟
كل ما سبق يضعنا أمام قاعدة وقناعة وحقيقة واحدة وهي أن الدول العظمى المرعبة وهي "روسيا - أمريكا - الصين" يدركون 100% أن الحرب تعني حرب عالمية ثالثة ... حرب ستمتد إلى عمق كل بلد فيهم وستصل تبعاتها إلى مناطق نفوذهم العالمية سوء في أوروبا أو في الشرق الأوسط ... والدول الثلاثة العظمى على يقين مطلق بأن من يبدأ الحرب لا يعلم متى ستنتهي وكيف ستنتهي والقناعة الراسخة لدى الجميع أنهم يدركون تماما بأن تكلفة الحرب العالمية الثالثة ستكون باهظة الثمن ... لدرجة أن لا أحد بالمطلق سيستطيع تحمل تكاليفها ولا حتى لو اجتمع العالم بأسره لتحمل تكاليفها فإن الاقتصاد العالمي سيظل يدفع تكاليفها لمدة تتراوح ما بين 10 إلى 20 سنة حتى يستعيد الاقتصاد العالمي عافيته ... ناهيك عن تكلفة تعويضات الحرب التي ستصل إلى آلاف المليارات وفوق هذا لا أحد بالمطلق يستطيع ضمان مناطق نفوذه من جديد لأن في الحروب تتغير مناطق النفوذ ... ومناطق النفوذ يعني هيمنة عسكرية والتحكم في القرار السياسي والإستيلاء على جزء من الثروة الإقتصادية لأي منطقة نفوذ ... لكن في نهاية الأمر الدول العظمى "اقتصاديا" تريد الحرب وأكثر من يريدها هي الولايات المتحدة الأمريكية لأن هيمنتها العالمية قد ضعفت بنسبة 70% بعد تمدد الهيمنة الصينية اقتصاديا وروسيا عسكريا ... والخطأ التي ارتكبته أمريكا مع كوريا الشمالية في 1945 هو نفس الخطأ الذي ترتكبه أمريكا مع إيران فأصبح أمامها اليوم قوتين مرعبتين تهددان السمعة الأمريكية بل ويستطيعان أن يضربانها بمقتل ويلحقان بها خسائر فادحة مع عدم وجود أي ضمان بتحقيق نصرا أمريكيا ... فهل الجزيرة التايوانية الصغيرة يمكن أن تكون بالفعل هي شرارة الحرب العالمية الثالثة أم الكيان الصهيوني سيكون هو الشرارة أم إيران ستكون هي الشرارة ؟ ... كلها أسئلة لا أحد يعرفها تحديدا لكن الحشود الأمريكية في "بحر الصين الجنوبي" قبل 10 أيام ناهيك عن استنفار من الدرجة الأولى في الأسطول السابع الأمريكي في اليابان والمكون من 60 ألف جندي واستنفار أكثر من 45 قاعدة عسكرية في "تايوان واليابان وكوريا الجنوبية" ... كلها دلالات على أن هناك أمرا ما يجري ويحضر له وربما تكون معلومات سياسية من قرب إعلان الصين ضم تايوان لها ... وسواء حدث ما أتوقعه وما أحلله أو لم يحدث يتضح لنا أن هناك مناطق مهمة لانطلاق شرارة الحرب العالمية الثالثة وهي "الكيان الصهيوني - كوريا الشمالية - إيران" أما سوريا فلم تعد نقطة انطلاق حرب عالمية لانتفاء الأسباب الظرفية آنذاك ... وربما يتمحور كل ما سبق من أجل إعادة تشكيل خريطة وواقع منطقة الشرق الأوسط من جديد كما هو مخطط له منذ سنوات "تفتِيت المُفتت" في لعبة سقوط أنظمة حكم وصعود أنظمة حكم جديدة ... نسأل الله السلامة لنا كأفراد وشعوب وأن يحفظ أوطاننا من كل شر وأن يرينا سبحانه عجائب قدرته بالظالمين وبالصهاينة والمتصهينين ؟
دمتم بود ...
وسعوا صدوركم