في مدونتي هذه سلطت الأضواء كثيرا على طغيان وفساد الحكام عبر التاريخ ومن خلال واقعنا وزماننا ... ودون أدنى شك أن الحكام يتحملون النسبة الأعلى كأسباب بجهل وسطحية الشعوب والحال المتردي الذي وصلت إليه الأمة والحقيقة هي أن جميع الحكام العرب فشلوا بصناعة شعوب متحضرة والجميع فشل بتغيير الثقافة المجتمعية والجميع فشل بالإصلاح ... لكن في موضوعي هذا يجب أن نسلط الأضواء على الوجه الأخر من الحقيقة ألا وهي الشعوب نفسها بفكرها بأيديولوجيتها بمعتقداتها بغوغائيتها المعهودة ... إن الشعوب بطبيعتها وأصل خلقها وفطرتها تعيش في اختلاف دائم منذ آلاف السنين وقد دلتنا الكتب السماوية والكتب التاريخية عن مدى تمرد الشعوب تمردا وصل إلى أن تعاند نفسها وتشعل النار بثيابها من شدة جهلها وليس أقرب من جهلها وعنادها ومكابرتها مع الأنبياء والمرسلين ... وإن كان علم النفس وقوانين الفلسفة دائما تركز على الحكام وأنظمة الحكم إلا أن الشعوب لم تأخذ حقها من التحليل في تناقضاتها التي لا يمكن تفسيرها إلا كونها الطبيعة البشرية تتحدث عن أنانيتها وتقديم المصلحة الشخصية على المصلحة العامة ومصلحة المجموعة على مصلحة الأمة ... وتلك الأنانية دائما ما كانت تختبئ خلف القبيلة أو العُصبَة أو المجموعة وليس خلف الشعب بأسره ... ناهيك أن سيكولوجية الشعوب قديما لم تكن تعرف الوحدة فيما بينها إلا من خلال المجموعات والقبائل والأعراق ... إلا أن خرج بعض الطغاة وقاموا بمجازر بشرية عظيمة فأخضعوا المجموعات نزولا صاغرين لحكمهم فتحولت المجموعات إلى شعب متعدد التوجهات والأعراق ؟
يخبرنا التاريخ الإسلامي أن الأمة العربية "حصريا" هي أمة جدال وكثيرة الثرثرة بدليل خروج فرق إسلامية كثيرة حاربت الإسلام والإسلام حاربها ... فرق كانت ترى أنها فقط هي فقط على الحق وأن باقي الأمة هي على ضلال أمثل : الباطنية - الحشاشين - الجهمية - المعتزلة - الصوفية - الأشاعرة - النصيرية - الإسماعيلية - القدرية وغيرها الكثير ... لكن من الغريب حقا أن لا أحد من علماء علم الإجتماع ولا من الباحثين ولا من مؤرخين التاريخ الإسلامي تطرق إلى أسباب تلك الفرقة وقد صالوا وجالوا كثيرا بكُتبهم وأبحاثهم ومقالاتهم وجميعهم تناسوا حقيقة ثابتة وهي الأخــــلاق ... وقد دَلّنا وقَصّ علينا ربنا جل جلاله في كتابه الكريم وفي آيات كثيرة جدا ليثبت لنا أن أمة الإسلام لا تملك الأخلاق الكافية ... وهناك فرق كبير وشاسع جدا ما بين العادات والتقاليد وبين الأخلاق فالأخلاق تلزم الفرد والعادات والتقاليد تلزم الجماعات ... لدرجة أن هناك آيات قرآنية نزلت من سابع سماء لتعلم المسلمين الأخلاق والذوق في الحديث في المعاملات في الأصول وسوف أضع لكم بعض من الأيات الكريمة التي نزلت لتعلم المسلمين شيئا من حسن الخلق ... { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق } الأحزاب ... { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض } الحجرات ... { واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير } لقمان ... { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم } الحجرات ... { ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم } محمد ... { إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون } المنافقون ... { إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا } النساء ... { ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون } التوبة ؟
كلها أيات "ظرفية" أي نزلت مسببة لأسباب لتكشف حقيقة أن العرب في ذاك الزمان كانت تنقصهم حسن الخلق ... وهذا لا يعني أن العرب كافة في زمانهم ذاك أنهم جميعا لا يملكون أخلاقا لكن هناك فئة منهم من العرب والكثير من الأعراب وآيات الأعراب كثيرة في القول فيهم كما ورد في كتاب ربكم الكريم ... ولذلك الطبيعة العربية "الجافة" هي من أورثت في كثير منهم "سوء الخلق - الطمع - الغدر - الضعف" ... وتلك من أسباب الصراع على السلطة والحكم وعشق السيادة في حكم المجموعات كما كانت جاهلية العرب في جنونها من صراعات مجنونة وحروب دامية حرقت أجيالا مثل حرب "بني وائل - البسوس" وحرب "الأوس والخزرج" وحرب "المناذرة الغساسنة" وحرب "داحس والغبراء" والكثير الكثير ... وبعد الإسلام لا حاجة لفتح كوارث ومجازر العرب والفتن ونقص الأخلاق فعمر قتل وعثمان قتل وعلي قتل وحكم الأمويين دام ما بين استقرار وقتل وانقلاب ثم حكم العباسيين الذي بدأ بمجازر ودام حكمهم ما بين انقلاب وقتل وخلع واستقرار وصولا إلى الحكم العثماني الذي أخضع أمة العرب وساقها لحكمهم بالحديد والنار ... تلك هي طبيعة أمة العرب قدما كانت الشعوب لا تحكم إلا بالشدة والقهر والإذلال لأن طبيعتها لا تخضع إلا لحكم العصـــا ولا تستقيم إلا بالشدة والحزم ... ومتى ما لاَنَ لهم الحاكم أو تماشى مع رغباتهم وقتها يستضعفه شعبه ويتطاول عليه الأوغاد فينالون من هيبة الحاكم ورمزيته ؟
أما في زماننا هذا وأمام أعينكم جميعا فهناك أدلة تؤكد صحة ما نقول وعلى سبيل المثال الواقعي انظر للمهجرين السوريين في الخارج ماذا فعلوا في ألمانيا ولبنان وتركيا لقد نقلوا فسادهم من أوطانهم إلى أوطان الأخرين بل وأنشؤوا لهم مافيا حقيقية في ألمانيا ... وفي مصر عندما حكم الرئيس المصري الراحل "محمد مرسي" كيف استضعفوه غالبية المصريين وكيف مزقوه تمزيقا في إعلامهم وكان مثار السخرية والإستهزاء ولما حكم الرئيس "عبدالفتاح السيسي" خرس الجميع إعلام وشعب الكل خضع لحكم القوة والقهر والإذلال ... وعودوا للأرشيف المرئي المتوفر عل اليوتيوب كيف تحول الشعب المصري من شعب كان يصفق للرئيس المصري الراحل "حسني مبارك" ويهتف بحياته ويدعوا له بطول البقاء إلى شعب يمزقه في الإعلام والصحافة وكيف أقرب المقربين منه خرج ليفضح أسراره الخاصة وأسرار عائلته ويأكل من لحمه وهو كان وقتها حي يرزق قبل أن يموت ... وفي العراق عندما كان يحكمهم طاغيتهم "صدام حسين" كان الجميع بلا كرامة بلا حرية ولا يحق لك حتى أن تفكر وابن أبيه من يجرؤ على انتقاد الحاكم ولما سقط النظام المجرم عادت جاهلية العراق ودبت الفوضى والخراب والفساد والسرقات وحتى الولاء قد تم بيعه في سوق النخاسة ... وفي ليبيا أرادوا أن يتخلصوا من مجرم وطاغية فإذا الشعب يتضح أنه هو من كان المجرم والطاغية فقَـتّـلوا بعضهم بعضا وسرقوا بعضهم بعضا وتآمروا على وطنهم وأرضهم وسلموها لكل شياطين الأرض ... والتفتوا إلى لبنان البلد الصغير الجميل كيف شعبه ممزق وكلُ يتخندق خلف حزبه ومذهبه وطائفته وتلك أرضية خصبة لا مثيل لها للفساد والسرقات ... وانظر للثورات العربية إنهم يريدون ثورة وإسقاط نظام حكم دون أن يعرفوا من هو البديل !! وما هي ضمانات الإستقرار !! وكم ستكون حجم التضحيات البشرية !! وحجم الضرر على الإقتصاد وأرزاق وممتلكات الناس !! فمرحبا بالثورات ومرحبا بالفوضى !!!
يا سادة يا كرام نحن أمة لا تزال الجاهلية فينا نحن أمة لا مثيل لها بالأكاذيب وفي التمثيل لا أحد يقارعنا نبكي من فساد الحكام ونحن فاسدين ونبكي من جور ظلمهم ونحن ظالمين ... نصفق للحاكم على أنه هو الوطن مع أن الوطن أكبر وأبقى من الحاكم ولذلك الشعوب هي من صنعت الطغاة ... وضع نفسك أنت شخصيا مكان أي حاكم عربي يفتح التلفاز يرى تمجيد الشعب يفتح الراديو يسمع تعظيم الشعب يذهب إلى مكان يجد تصفيقا لا يرى ولا يسمع إلا "حقك - حاضر - نعم - لبيك - تمام" والويل لمن يعارضه فأنت خائن عميل تريد تدمير الوطن وهدم المجتمع ملايين من الجهلة والمنافقين ... إنهم يمجدون الحاكم أكثر من رسولهم ويقدسونه أكثر من ربهم !!! ... فبربكم فهل بعد ذلك تسألون كيف يخرج من بينكم المجانين والطواغيت !!! ... الشعوب هي السبب لأنها ورثت جهلها من جيل إلى جيل عبر آلاف السنين وليس من 10 أو 50 أو حتى 100 سنة ... وتروى قصة واقعية لأول رئيس في تاريخ "البوسنة والهرسك" الراحل "علي عزت بيغوفيتش" المتوفي في سنة 2003 : وصل ذات مرة إلى صلاة الجمعة متأخرا وكان قد اعتاد الصلاة في الصفوف الأمامية ففتح له الناس الطريق إلى أن وصل إلى الصف الأول فاستدار للمصلين وبغضبٍ قال لهم مقولته الشهيرة "هكذا تصنعون طواغيتكم" انتهت القصة ... ومن عجائب الشعوب العربية التي كانت ولا تزال وسوف تبقى جاهلة أن العربي ولد في أسرة دكتاتورية وفي بيئة طغاة ولما كبر أطلق لعقله وصوته العنان ليصرخ ليس على أسرته ولا بيئته بل ذهب مباشرة إلى الحاكم والحكومة والدولة ليطالب بالحرية والكرامة !!! ... وهو في حقيقة الأمر لم يتذوق طعمها ولم يعرف قيمتها ولا يعرف شكلها أصلا ولم ينجح قيد أنملة بإصلاح دكتاتورية أسرته ولا بطغيان بيئته بل هو نفسه صنع أسرة جديدة له تتطابق مع نفس الأسرة التي خرج منها ليعيش الجميع في مصنع العِلب ملايين العِلب بنفس المقاس ونفس الحجم ونفس الإستخدام ... وسبحان الصابر علينا جميعا ورحم الله من أدرك نفسه وفهم الواقع وعرف حقيقة الناس والمجتمعات ؟
دمتم بود ...
وسعوا صدوركم