أنا من دعاة "عدم التعميم" لأن التعميم جهالة بطبيعة الحالة لأنه أصلا لا يوجد شعب بأكمله وغد وإلا ولأصبحت حالة استثنائية في كل التاريخ البشري ... لكن لينتبه الجميع أن ما أتحدث عنه هي قناعة شخصية من ضمن قناعات الكثيرين المختلفة والمتضاربة... ومن يظن أن القناعات لا تتغير فهو مخطئ تماما فعلى سبيل المثال في السياسة لا يوجد فيها قناعات ثابتة لأنها لعبة ظروف ومصالح دائمة التغيير لكن يوجد فيها أسياسيات العمل التي تبدأ منها وتعود إليها من جديد ... أما البشرية بشكل عام فقد تحدثت في مواضيع عدة عن تلك القناعات وحتى عن العادات والتقاليد ... وأعيد وأكرر أن البشرية كلها دون أي استثناء بما فيهم نحن طبعا فإن كل 100 عام تتغير العادات والتقاليد أي "السلوك البشري" ونمط التفكير مع تغيير واسع النطاق للقناعات والقيم ... ولن أذهب بكم للوراء كثيرا بل فكر وحلل في الكويت مثلا وفي عام 1970 هل الكويت شكلا وفكرا وعادات وتعدادا وتطورا مثل الكويت في 2023 ؟ بالتأكيد كلا ... إذا ماذا لو عدت إلى 100 سنة و 200 سنة فكيف ستكون الصورة وأترك لخيالكم العنان لتصور الفرق المهول ؟
في تقديرات تعداد السكان البشري بالأرقام المسجلة وفق الباحثين والمتخصصين في هذا المجال ... فإن الطبيعي أنك كلما عدت للوراء كلما قل تعداد البشرية في كل الأرض وكلما ذهبت في أيامنا هذه أو تقديرا للسنوات القادمة فإن الأعداد ترتفع وتزداد ... ومن طبيعة لغة البشر قديما أي من قبل 70 و 100 سنة وما قبل ذلك بمئات وآلاف السنين كان الناس بطبيعة الحال يتاجرون ويرحلون وينتقلون ... لكن كانت هناك صيغة سؤال واحد استمر لآلاف السنين بين البشر وهو "كيف هم من قوم" ؟ ... أي عندما تأتي من بلاد الفرس والغرب ومن أي مكان يسألك قومك في بلادك "كيف هم من قوم - صف لنا هؤلاء القوم" ؟ أي سؤال بصيغة الجمع ... وكانت الإجابات حسبما وردت في سيرة التاريخ "قوم أجلاف - قوم خبثاء - أمة لصوص - مدينة ودودة - أمة الكرم والخير" وهكذا وكان التعميم من طبيعة البشر منذ آلاف السنين أكرر التعميم ... حتى أن هناك الكثير من الناس عندما كانوا يسافرون كانوا لا يذكرون حقيقة أرضهم ومدينتهم لسوء سمعتها فينسبون أنفسهم لمدينة بالقرب منها لكنها كانت تملك سمعة حسنة حتى يستطيعوا العيش أو التجارة مع الأمة الجديدة ... إذن التعميم كانت لغة البشر منذ آلاف السنين وكانت تلك قناعاتهم وفق مبادئهم ... ومن المهم أن تعرفوا أن قيمنا الحالية "الإنسانية - حقوق الإنسان - حقوق الطفل - حقوق المرأة" إلخ لم يكن لها وجودا بالمطلق في كل التاريخ البشري وحتى بعد نزول الشرائع السماوية السامية فإنها وقفت عاجزة أمام تغيير "السلوك البشري" بشكل عام ... وسأرمي لكم مثالا سهل للغاية : أنت أو أنتي تم غزو بلادكم ورأيتم بلادكم تم احتلالها وارتكاب جرائم وفظائع إنسانية متوحشة وأعطيتك أنت أو أنتي كل منكم مفتاح "صاروخ نووي" ... فهل ستأخذ وقتا في التفكير لاستخدامه والتفكير بالأطفال والنساء والشيوخ والعجائز في دولة العدو ؟ ... بنسبة 99.9% لن تفكروا بل ستطلقون الصواريخ النووية فورا وتبيدون تلك البشرية أي أنك ذهبت للتعميم وليس للتخصيص لأن التخصيص منعدم لدرجة الإستحالة ... وبالتالي كل ما سبق يثبت أن القيم والمبادئ والعادات والتقاليد متغيرة وليست ثابتة وأن التعميم كانت من طبيعة الناس والأقوام والأمم وتلك هي طبيعة وسيكولوجية البشرية ؟
والأن سنأتي للأدلة التي تثبت بالدليل القاطع أن التعميم هي نهج البشرية منذ آلاف السنين وبالتأكيد لن أبدأ بالتاريخ المستدل عليه من التاريخ البشري بل من ربنا جل جلاله وعظيم سلطانه أولا ... فربنا سبحانه أهلك أمما وأقواما بسبب كفرهم وشركهم ونكرانهم وجحودهم نصرة لأنبيائه ومرسليه عليهم السلام ... مثل قوم "نوح وعاد وثمود وقوم صالح وقوم فرعون وقوم مدين "الأيكة" وقوم لوط" وأقوام لا نعلمها أهلكها الله سبحانه ... وتلك قاعدة الخالق والمخلوق والصانع والمصنوع أي لا يملك المخلوق شيئا من أمره وظن جهلا وحماقة بأنه شيئا عظيما وهنا تتجلى حالة ووضعية "المسيّر والمخيّر" ... أما المصنوع فهو أداة بيد الصانع لا يملك من أمره شيئا أي "مسيّر" بالمطلق { إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } المائدة ... فلماذا ربنا عمّم العذاب واستثنى التخصيص في الهلاك ؟ الحقيقة لا أحد يعلمها بالمطلق هل من تلك الأقوام من نجى منهم ببضعة أفراد حتى يكونوا رسلا شاهدين على الهلاك فيخبروا الأقوام الأخرين ... لا نعلم يقينا لكن رسالة التعميم وصلتنا وهذا المهم ... وعندما نلتفت شمالا لسيرة التاريخ فإن هناك أمما وشعوبا لا تزال باقية حتى يومنا هذا عندما تقرأ سيرتها التاريخية الحقيقية وليس ما تعرضه مسلسلاتهم الكاذبة ... فإنهم قوم سوء وشر وغوغاء الفوضى والكذب والنفاق وتاريخ السواد والغش والسرقة والقتل والإجرام في التاريخ القديم والحديث مثل "العراق - سوريا - تركيا - إيران - أمريكا - بريطانيا - فرنسا - ألمانيا - الصين - اليابان - روسيا - إيطاليا - منغوليا" والكثير ... وتوجد حاليا شعوبا يسبّون ويشتمون الله في كل يوم والعياذ منهم أو من غالبيتهم وهم شعوب "فلسطين - لبنان - الأردن - المغرب - سوريا - العراق - تونس" بالإضافة إلى العلمانيين والليبراليين والملحدين ... ثم تذهب وترصد التعداد البشري الذي لا يؤمن بوجود الله سبحانه وتعالى بالمطلق وهم من فئة "الملحدين - الوثنيين - ألا دينيين - المثليين - المشركين" وهنا تقديرا أضع رقم لا يزيد عن 2 مليار نسمة أو 3 مليار نسمة في أفضل الأحوال حاليا من أصل أكثر من 8 مليار نسمة التعداد الرسمي لسكان الأرض ... وهنا "نظريا" يجب أن ينطبق مبدأ التعميم وليس التخصيص لأن الغالبية أو السواد الأعظم من البشرية مغيب ظالم لنفسه وبالمطلق ... بمعنى إن هلكت بريطانيا أو أمريكا يجب أن لا تنظر إلى من فيها من مسلمين بل تنظر للصورة الأكبر والشكل الأعم ... وانظر للأثار والرسومات الأثرية الكم المهول التي تتحدث عن جرائم ومعارك وحروب وقسوة ووحشية القتل والتعذيب لتدرك حقيقة الأمور ؟
السلوك البشري متغير وقيمه ومبادئه متغيرة وطالما التغيير واقع لا محالة فمن البديهي أن كل ما تعتقده أنت اليوم لن يعتقده الجميع بعد 100 سنة ... وإن كان القتل بين الناس اليوم هو من أعظم المشاهد التي يتأثر ويتفاعل معها أي مجتمع في العالم وينكرها ويغضب من أجلها الجميع ... فإن تلك المشاهد بالمناسبة لم تكن أمرا صادما في الماضي لأنها أصلا من طبيعة المجتمعات العربية والغربية والأسيوية ... والتاريخ العراقي الحديث والعثماني القديم يكاد يتفجر من ملايين القصص الحقيقية التي قتل فيها الكثير في الأسواق والحانات وبيوت الدعارة وقصور الحكم والمجالس العامة والخاصة ... أضف فوق ذلك المجازر التي ارتكبت في شوارع وأزقة الإمبراطورية الصينية والفارسية والرومانية واليونانية والفراعنة والأشوريين والبابليين ... وتاريخ طويل جدا جدا من عمليات القتل دون سابق إنذار أو موعد فكانت هذه ثقافة البشرية بصناعة عامل الردع بين الرعية ... فهل بعدما سبق يمكن أن يخالجك الشك بأن التعميم هي لغة البشر قديما والتخصيص لغة البشر حديثا ؟ ... مع عدم إغفال "ازدواجية المعايير" الحاصلة في زماننا أي توصيف القيم والمبادئ حسب الظرف والحالة ولا تنطبق على الجميع ... وكمثال حالة ألا مبالاة التي انتهجها المجتمع الدولي في المجازر التي وقعت في سوريا على يد طاغية العصر "جحش سوريا" وانتفاضة المجتمع الدولي نصرة لأوكرانيا والتي حتى هذه اللحظة لم تدخل في حرب حقيقية ... هذه هي طبيعة البشر منذ آلاف السنين ازدواجية معايير وتوظيف وإخضاع الدين والعقائد خدمة للظروف والأزمات والتعميم هنا والتخصيص هناك ... لتتجلى الحقيقة التي لم ولن يستوعبها الجميع وهي : أن العدالة بين البشر نسبية أما العدالة عند الله سبحانه وتعالى فهي مطلقة ... والنسبية تمارس بين البشر في الدنيا والمطلقة تطبق حرفيا في الأخرة ؟
دمتم بود ...
وسعوا صدوركم