لو أجرت مسحا وبحثا شاملا على كامل حدود المملكة العربية السعودية مع الدول المحيطة بها فلن تجد أكثر من الكويت ضحية وخسارة تاريخية ... عبر حدود الكويت البرية والبحرية مع الجارة السعودية وهذا ملف لا أود الخوض فيه رغم ما نملكه من معلومات وحقائق تشيب لها الولدان ... لكن وحيث أن موضوعنا أزمة "حقل الدرة" فسيكون موضوعنا حول وفي هذا الملف الذي ربما وأظن أن الحكومة لا تدرك أبعاده اعتقادا بأنها تقف على أرضية صلبة والحقيقة عكس ذلك بكثير جدا ؟... وفي التصعيد الأخير الحاصل في ملف "حقل الدرة" وهو حقل غاز طبيعي واقع وداخل ضمن الحدود البحرية الكويتية كاملا ... وعندما أقول كاملا فأنا أعني تحديدا موقع الغاز وليست مواقع النفط التي تتداخل في نفس المنطقة ... ولا نعرف كشعب كويتي كيف تم الإتفاق بين "الكويت والسعودية" على هذا الملف الفني لكن من المؤكد أن هناك قرار سياسي عقد بين قيادات الدولتين ... ما هي أبعاد هذا الاتفاق السياسي وكيف كانت الأسباب والمعطيات ولا نعرف وهل هناك بنود سرية أو لا توجد أيضا لا نعرف ... لكن وبما لدينا ما نملك من صورة وإحداثيات وتصريحات وبعد كافي للمشكلة فسيكون حديثي وفق ما أعرف ونعرف وليس وفق ما هو خافي ... ولذلك من المهم أن يكون حديثي صريحا وواضحا لأن المجاملة والمكابرة والنفاق في هذا الملف تحديدا ستكون الكويت هي وحدها وحصريا الخاسرة ونحن من سندفع الثمن لا إيران ولا السعودية سيتضررون ... ولا تعنيني السعودية ولا إيران في هذا الأمر ولا حتى 1% لأن إيران والسعودية لديهم آلاف الكتّاب الذي يدافعون أوطانهم ومن وجهات نظرهم ... ولا أرى في الكويت إلا التخاذل والخوف من الحديث وكأن الأمر لا يعنينا !!! ... بل يعنينا ولنا الحق الكامل والمطلق بمعرفة كافة التفاصيل أيا كانت وحتى السرية منها ... فأدركوا خطرا مفتعلا وهناك من ورطنا وورط الكويت فيه وافهم أن الإبتسامات والغداء والعشاء السياسي لا يعني أن تأمن هذا أو ذاك لأنك تتعامل سياسة وليست علاقات اجتماعية صرفة ؟
"حقل الدرة" هو حقل غاز كويتي بنسبة 100% لا لإيران ولا للسعودية لهم أي حق فيه ... لكن وحيث أن الكويت وقعت عقودا حكومية رسمية مع السعودية في مسألة المشاركة وعملية تنظيم المسائل الفنية فهنا الكويت بإرادتها قد تخلت عن حقها أو جزء من حقها بشكل قانوني ورسمي لا يخالجه الشك بالمطلق بأن أصبحت السعودية شريكا رئيسيا في المنطقة المتنازع عليها مع إيران وباعتراف مسؤلي وزارة النفط والخارجية الكويتية ... أما إيران فهي لا تملك أبدا أي حق في "حقل الدرة" ولذلك للبعد الجغرافي المائي بين الكويت وإيران ووفق القواعد السياسية المنظمة لمفهوم وسيادة "الجرف القاري" ... وفق أحداث دولية رسمية أقرت دوليا مثل : إعلان الرئيس الأمريكي "هارى ترومان" في 1945 - البيرو في 1947 - تشيلي في 1949 - الدومنيكان في 1949 - جامايكا في 1982 ... وصولا إلى خلافات "الجرف القاري البحري" بين : تركيا واليونان - الإمارات وإيران - الكويت والعراق - تونس وليبيا - مالطا وليبيا - الصين والفلبين - وغيرها الكثير ... كلها تدور خلافاتها حول اتفاقية جنيف لسنة 1958م والمواد 76 - 77 من اتفاقية عام 1982 الخاص بقانون البحار المتعلق بالنظام القانوني للجرف القاري البحري والتي حدّدت حقوق الدولة الساحلية على الجرف البحري ... إذن الحقوق معروفة لكن هناك من افتعل ويفتعل المشاكل لأسباب سياسية بحته بدليل هناك طرفا من أصحاب الصراع يرفض اللجوء إلى التحكيم الدولي في صراع الحدود البرية والبحرية والجوية ... وإيران في هذا الموضوع قد افتعلت أزمة ليقنيها الكامل بضعف الكويت السياسي والعسكري ... والوضع وباللهجة الكويتي لتقريب الصورة : مثل اللي يايك من الأحمدي لي بيتكم في الفيحا ويقولك ليش صافط سيارتك جدام شارعي !!! ... أي بعد المسافة البحرية بين الكويت وإيران كافية بالمطلق بأن تخسر طهران أي لجوء قضائي في أيا من المحاكم الدولية ... لكنها تلعب سياسة والتجارب الإيرانية مع دول الخليج أثبتت أن إيران أقوى من الجميع فقد هزمت الإمارات في ملف الجزر واستسلمت السعودية لإيران بضمانة الصين واليوم الكويت ليس من مصلحتها نهائيا بأن تفتح أي صراع مع إيران ؟
الكويت لديها ما يجمعها مع إيران أكثر مما يجمعها مع السعودية ... والسبب بعيدا عن العواطف السخيفة أن الكويت يجب أن تتوازن في علاقاتها مع "إيران والعراق" وليس السعودية فحسب ... هذا هو قدرك أن تتعامل مع 3 دول كبيرة وأتت لك الأيام بالحقائق بأن السعودية لا تستطيع لا اليوم ولا غدا مواجهة "العراق وإيران" فلا تكون الكويت ضحية لرؤية خاطئة وقرار وتوجه سياسية أيضا خاطئ ... والأهم من ذلك أن الكويت من مصلحتها العليا أن تقيم سلام دائم مع إيران بل وحتى لو اضطرت أن تشتري هذا السلام من طهران ... لأنك يا قارئي الكريم لديك "ميناء مبارك" والذي سيتم افتتاحه في مطلع السنة القادمة 2024 والذي كلف الكويت 6.5 مليار دولار ... والقريب جدا جدا من إيران "عسكريا" وأيضا الميليشيات العراقية قريبة جدا جدا من الميناء أي أنك تغامر كليا بمشروع تنموي بالغ الأهمية ... ناهيك أن مشروع تطوير الجزر الكويتية سيكون في مهب الريح تماما لأنك من المستحيل أن تضع حجر الأساس لتطوير الجزر ولديك مشاكل مع إيران أو العراق ... ناهيك عن أن إيران تملك بكل أريحية أن تسبب لك إرهاقا وإزعاجا على حدودك البرية والبحرية مع العراق وتخترق حدودك البحرية بعمليات تشتيت وإزعاج وافتعال أزمات لا تعرف لها حدا ولا نهاية ... وأسهلها أن يفتعل العراق مع الكويت أزمة الحدود البحرية والجرف القاري وتحديدا في "خور جزيرة وربة" الكويتية أو بما يعرف سياسيا "أزمة الخط المائي 162" ... ليس هذا فحسب بل يمكن أن يصل تأثير إيران إليك في مجلس الأمة لدواعي وأسباب عديدة ليست مجالا لذكرها تفصيليا حاليا ... ولاحظ أن كل هذا قد يحدث وأنت الخاسر والمتضرر حصريا ولم تتأثر السعودية في كل ما سبق لأنه شأنا داخليا كويتيا أو صراعا إقليميا لن تجد من يقف معك فيها لا عسكريا ولا سياسيا إلا من خلال كوميديا الشجب والتنديد دول الخليج ... الأمر الذي يجبرك بأن تعيد تقييم علاقة الكويت مع مثلث الكبار "السعودية وإيران والعراق" ... والكويت ليست منذ اليوم بل منذ تحريرها في 1991 تعيش في أخطاء سياسية استراتيجية بالغة التأثير على الكويت وسياستها الدولية والإقليمية ... وشئت أم أبيت كما أن السعودية جارة وشقيقة فأيضا العراق وإيران جيران وأشقاء ومصلحة الكويت العليا أهم بكثير جدا من أن تضعف تجاه أي دولة بل هو الخطر بعينه بأن تخضع للسعودية أو لإيران أو للعراق ... أي يجب أن تكون ندا وخصما سياسيا تكسب هنا وتخسر هناك تشارك هنا وتتفرد هناك وفق أقصى درجات تحقيق المكاسب والمصالح الإستراتيجية الكويتية حصريا ودون النظر لترهات العاطفة الإجتماعية ودون أن تقع تحت تأثير الشارع الكويتي أو عاطفته والذي يمكن أن يتم تحريكه أو افتعاله لأسباب لا حصر لها ؟
أول سؤال سياسي بديهي : هل السعودية يمكن أن تنزع فتيل أي أزمة بين "الكويت وإيران" وتتخلى عن حصتها في "حقل الدرة" حفاظا على مصلحة الكويت ؟ ... الإجابة : كلا ... والسبب أنها دولة تحكمها مصالحها الإستراتيجية وأمنها القومي دون النظر للكويت ولا أي دولة أخرى وهذا حقها 100% لا يمكنك أن حتى تنتقدها لأنها تلعب سياسة ... والسؤال السياسي الأخر : هل السعودية لو نشأ صراع أو صِدام ما بين "الكويت وإيران" ستقف معك ؟ الإجابة : سياسيا أي تصريحات نعم لكن فعليا وتحديدا عسكريا كلا وأبدا لأن السعودية أضعف من أن تواجه إيران وما الحوثيين ببعيدين عنكم كمثال ومقارنات كثيرة ليست موضوعنا لسردها ... وحتى أمريكا لن تقف معك لأنها لن تخوض أي حرب أمام إيران بالمطلق ونهائيا وأبدا لأنها تتجهز لحرب كبرى ضد "الصين وأمريكا" ... لكننا نحن في الكويت فقط وحصريا من سندفع الثمن سياسيا واقتصاديا وحتى عسكريا ... وتعلموا من قطر كيف صنعت شراكة استراتيجية مع إيران في حقل الغاز "حقل غاز الشمال أو حقل فارس الجنوبي" في 1989 ثم تطورت في 2006 حتى أصبحت اليوم إيران من أهم حلفاء قطر "سياسيا واقتصاديا وعسكريا" ... لأنك ربما لا تعلم أن ليس من مصلحة إيران ولا من مصلحة السعودية أن تمتلك الكويت منفردة "حقل الدرة" لأنها ستقفز بعائداتها أكثر فأكثر وهذه العائدات يمكن أن تؤثر اقتصاديا في مؤشرات الصناديق السيادية والشركات العالمية وصولا إلى تأثير المجتمع الكويتي الذي يمكن أن يثير مجتمعات إقليمية أخرى ... لأنك وإن كنت لا تعلم أنت تؤثر وتتأثر ولست بمعزل عما يحدث حولك من طفرة اقتصادية أو عجز اقتصادي نهضة أو شلل وكمثال أقساط وقروض الشعب الكويتي وانظر خلال أسبوعين كيف ستثور شعوب إقليمية بشكل تلقائي مثلما ثار الشعب الإيراني في مسألة الحجاب في أواخر 2022 عندما شاهد الشعب الإيراني انفتاح السعودية الإجتماعي ثار مطالبا بمثل تلك الحريات الإجتماعية ... ويجب أن تعلم يقينا لو كان "حقل الدرة" كويتيا بنسبة 100% لأصبحت الكويت أغنى دولة في العالم وأكثرها ثراء اقتصادي ... وهنا نتسائل من مِن مصلحته بأن لا تكون أنت أغنى منه وأكثر قوة اقتصادية منه ؟!!؟
الحلول مع إيران كثيرة ومع العراق استراتيجية ومع السعودية أيضا استراتيجية لكن بقاء الكويت أو زوالها لا يقف ولن يقف على أحد من تلك الدول ... وأنا هنا أقترح على الكويت بالتالي
1- تغيير السياسة الخارجية وإعادة تقييم العلاقات كاملة مع "السعودية والعراق وإيران" بشكل يحقق مصالح الكويت العليا حصريا دون النظر لأي بعد اجتماعي أو اقتصادي بالمطلق .
2- عقد صفقة سياسية رفيعة بين "الكويت والسعودية" بأن تترك السعودية "حقل الدرة" كاملا للكويت وإن رفضت المملكة فتستمر الشراكة في مشروع الحقل كما هو متفق عليه ... ومن ثم تتم عقد صفقة سياسية بين "الكويت وإيران" بأن تترك "حقل الدرة" مقابل عقود بناء وشراكة استراتيجية لشركات "إيرانية - صينية" متسارعة في "مدينة الحرير" واستثمارات إيرانية في مشروع "تطوير الجزر الكويتية" + ضخ استثمارات كويتية في شركات ومصانع ذات جدوى في طهران .
3- صناعة تحالفات جديدة مع القواعد السياسية العراقية بما يخدم كلا الطرفين ويحافظ على ديمومة استقرار حدود البلدين بتعزيز وضخ استثمارات كويتية في العراق .
4- تعزيز الشراكة بين "الكويت والصين - الكويت وروسيا" وفتح مجال أكبر للشركات الأمريكية العملاقة بمنحها المزيد من عقود "الطائرات - الطرق - الأمن السيبراني - الإستثمارات الخارجية"
5- البدء بتحول الكويت على الإعتماد الخارجي تدريجيا والتخلص من تأثير "التبعية السعودية" وصولا الخروج من "منظمة أوبك" وتحرير النفط الكويتي من المؤامرات السياسية للمنظمة .
6- تقدم الكويت بطلب الإنضمام الرسمي لـ "مجموعة بريكس" وتعزيز الشراكة الإستراتيجية خصوصا مع "الصين والبرازيل" .
7- تفعيل كامل ونشط للمنطقة التجارية الحرة بين "الكويت والسعودية - الكويت والعراق" .
كان ما سبق هي الخطوط العريضة لإيجاد مخارج سياسية لإعادة تأسيس رؤية سياسة كويتية صرفة تحقق مصالح الأمن القومي الكويتي أولا وقبل كل شيء دون النظر بالمطلق لرضى هذا أو زعل ذاك ... والسعودية يوم انقلبت على أمريكا لم تأخذ رأيك وقطر لما تفردت بسياستها الخارجية لم تأخذ رأيك والإمارات عندما قلبت وتحولت معادلاتها السياسية الخارجية أيضا لم تأخذ رأيك لأنها دول ذات سيادة تراعي مصالحها وفق ما تراه هي دون رأيك أنت ولا مزاجك أو زعلت أو رضاك أنت ... وأنت في الكويت يجب أن تتملك تلك السيادة وتلعب وتتحرك فتصنع تحالفات جديدة وفق رؤية وأهداف جديدة ... واعلم يقينا ومسبقا أنك ما لم تكن داهية سياسة وتملك فريق عمل سياسي ودبلوماسي ماهر فإنك لن تحقق أيا من أهدافك بل ربما ستلحق كوارث سياسية ستكون نتائجها وخيمة علينا في الكويت حتى كمواطنين ... واعلموا يقينا بحجم أسلحة الكويت الحقيقية وقدراتها الخُرافية التي تمكنها بكل أريحية أن تصنع تحالفات وتوازنات سياسية كبيرة وتقفز قفزات مهولة ... فلا تكن جبانا فالجبنان لا يصنع لك وطن ولا كرامة ولا يحقق لك أي نتائج لا حاليا ولا تحلم حتى في المستقبل وسيبتلعك من حولك وهذه لطالما كانت غاياتهم منذ أكثر من 80 سنة وحتى اليوم وحتى الغد ... ليس مطلوب منك سوى أن تثق بنفسك وتثق بقدراتك وكن داهية سياسة وسترى نتائج ربما ستصدمك حتى أنت ؟
دمتم بود ...
وسعوا صدروكم