2017-09-02

يا ما في الحبس مظاليم ؟

المجتمع العربي "حصريا" ينظر للسجين نظرة استحقار أو اشمئزاز دون أن يعرف حقيقة الأمر ولا يعرف تفاصيل قضية الإنسان ... هكذا يحكم وهو أعمى لأن المجتمع بطبيعته هو عبدا خاضعا للعادات والتقاليد التي غسلت رأسه ... وإذا بالصدفة التقى شخص مع شخص آخر ليسأل عن أحواله فيعلم الطرف الآخر أن من يقابله للتو أو كان في السجن فالجملة الشهيرة : الحمدلله على السلامة ... لكنه في داخله يصاب بالتوجس والخيفة لكنه يظهر الوجه الباسم كمن ينثر السكر على قبر ميت ... وربما يكون هذا اللقاء الأخير بينهما بلا أي خطيئة وبلا أي تجاوز فقط لأنه عرف أنه كان سجينا ؟

لا شك ولا لبس على الإطلاق أن هناك من سجنوا ظلما وزورا وبهتانا ... ضابط لفق قضية مخدرات ونيابة لديها المخدرات والقاضي أمامه أوراق فضاع مستقبل المظلوم وهذه كثيرا جدا ما حدثت مثل تلك القضايا في كل مكان ... مثل من يجرونه بتهمة الإرهاب فيدمرون حياته ويقلبونها رأسا على عقب وفي النهاية القضاء يمنحه صك البرائة فيعود ليجمع شتات نفسه بعدما دمرت سمعته كليا ... ورجل ضاقت عليه الدنيا بما رحبت فالتف حول عنقه قيد الديون فوجده نفسه في السجون بسبب أن أصل الدين على سبيل المثال 5.000 فبسبب الربا أصبح 10.000 آلاف ... وإمرأة وثقت بزوجها ومنحته توكيلا فوجدت نفسها بعد 3 سنوات مديونة بأكثر من 100 ألف دينار وهي لا حول لها ولا قوة ... كثيرة هي قصص المساجين تعرف أولها ولن تعرف آخرها ولا استثناء بالأسماء ... بمعنى تجد من أسماء الفقراء إلى أسماء الأثرياء وصولا إلى أبناء الأسر الحاكمة ... والتهديد بمقولة : "أوديك" ورا الشمس أي أرميك خلف الشمس ولا تظهر أبدا تعني السجــــــن ؟
العلم والواقع والأدلة تثبت بأدلة دامغة لا تقبل الشك ولا اللبس أن كل وهنا أنا أجمع وأشمل بهذه النقطة كل من خرج من السجن لن ينسى هذه التجربة إلى أن يموت ... أي من سابع المستحيلات أن ينسى تجربة السجن بل ويتذكرها بكل تفاصيلها المؤلمة وتنشط ذكريات السجن حين يشاهد أي فلم أجنبي أو عربي فيه سجن أو يحتوي على مشاهد سجن ... والسجن هي أقرب نقطة إلى الموت لذلك تجد الإنسان بفطرته العاشقة للحياة تجده يقاوم داخل السجن بكل وسيلة متاحة له وبكل طريقة ممكنة ... فإما أن يكون في السجن متمردا أو أن يكون خاضعا حتى يستطيع أن "يتعايش" مع واقعه الجديد ... إنها صدمة أبدية في حياة السجين لا دواء ولا علاج ينفع معها أبدا بل ما يحدث بعد خروج السجين من سجنه هو أيضا يقوم بمرحلة "التعايش" مع واقعه القديم ليعود له من جديد ويؤقلم نفسه من جديد ... فمن حرا إلى سجينا إلى حرا هي مراحل قاسية لدرجة مبكية ولن تجد من يشعر بهذا التغير والتحول مهما كان محبا أو قريبا للسجين ... وتاريخيا لا أحد أكرر لا أحد يعلم أبدا من هو مخترع فكرة السجن في التاريخ البشري ولا أحد يعلم من هو أول سجين في التاريخ ولا سبب سجنه ... ولا أحد يبحث لأنه بحث إلى المجهول ولن تجد سوى المجهول وسيدنا يوسف عليه السلام لم يكن هو أول سجين على الإطلاق ؟

نحن في الدول الخليجية والعربية نمتلك أسوأ سمعة سجون في العالم ولا أحد يريد أن يطور لأن العقلية الأمنية في علم السجون هي عقلية متخلفة ... عقلية تعشق الاضطهاد وتلذذ بممارسة سطوة السلطة وتتفنن بأنواع الصلاحيات وهنا واقع قيادات السجون في كل الدول العربية ... نعم هؤلاء يجب أن يتم إخضاعهم لمصحات الطب النفسي لفحص مدى حسن إدراكهم العقلي وملائمته مع واقع معمله وهل أثر على شخصيتهم خارج عملهم ؟ ... لأن العقلية الأمنية تقول : إن وفرت الخدمات للسجين وطورت السجون فأين العقاب ؟ بل أنت ستشجع الآلاف على ارتكاب الجرائم حتى يستفيدوا من مزايا التطور والإنفتاح ( إن ) فعلنا ... لكن هذه العقلية لا يعلم أو ربما يتجاهل أنني لو وضعت هذا القيادي في الإقامة الجبرية في منزله هو وبين أولاده وزوجته هو ومنعت خروجه من منزله أي سجن منزلي بالقوة الجبرية لأكلته الأمراض من القهر والحسرة والشعور بالمهانة والذل حتى وهو في منزله  ... فما بالك بالسجن الحقيقي الذي يمارس الذل والإهانة واللإضطهاد وطعام لا يناسب حتى الكلاب أجلكم الله وعلاج مجرمين وأطباء سفاحين لا يملكون من رحمة الطب للإنسان ولا 1% بل يجب أن يتم فصل هؤلاء المجرمين وسحب رخصة مزاولة أرحم مهنة عرفتها البشرية ... وحتى لو كان سارقا وقاتلا ومزورا ومحتالا وأيا كان فإنهم في النهاية بشرا لهم حقوق تساويك أنت وغيرك ... فهل تستحقرهم وتعاقبهم في طعامهم وعلاجهم وتعليمهم أي تحرمهم من حقوقهم الإنسانية التي يحتاجها كل فرد على وجه الأرض ؟

لا تحكموا على أشخاص لا تعرفون حقيقة قضاياهم ولا ظروفها ولا تعرفونهم شخصيا ولم ترونهم وليس كل شيء يصدر من القضاء يعني أنه حقيقة دامغة ولا أمرا مقدسا ... ولا يوجد على وجه الأرض قضـــــاء عــــدلا بنسبة 100% لأنهم مهما وأيا كانوا هم في النهاية بشرا يصيبون ويخطؤون فإن كان الأنبياء والرسل يخطؤون فهل القضاة لا يخطؤون ؟ ... فتجربة السجن لم يخرج منها إنسان إلا وهو محطم مثل تجربة الغزو منذ 27 سنة وإلى اليوم "الصامدون" عانوا ولا يزالون يعانون من ألم نفسي مرير الكثير استحقر تلك المشاعر ... فلا تستهينوا بمشاعر الآخرين ولا تحكموا دون بينة ودون علم ولا تصدقوا كل ما ينشر في الصحف وعلى الإنترنت فربما كان حقيقة وربما كان إثما وظلما عظيما ... وأكثر مكان على وجه الأرض تخرج منه دعوات المظلومين هي السجون فاتقوا دعوة المظلوم فإنها مقضيه ومحسومة عند ملك الملوك وجبار الجبابرة ... ويا راعي السلطان والنفوذ عش ما شئت وافعل ما شئت فإنك ستقف عاريا حافيا خاضعا ذليلا مهينا وسيقتص منك كل من ظلمتهم فابحث عن غرورك وسلطانك وقتها هل سينقذونك من هذا الموقف المهين والحساب العظيم ؟

أكبر نعمة وأكثر لعنة في هذه الحياة هو الإنســـــان    


دمتم بود ...


وسعوا صدوركم