في زمن الملكية المصرية التي تنحدر
أصولها إلى السلطانية العثمانية التي حكمت أمة العرب والمسلمين لأكثر من 700 عام
تقريبا ... كانت لهم طقوس مقدسة يستحيل أن يخرجوا عنها مثل أن نسائهم كانوا
محتشمات ولا يسمح لهم على الإطلاق بأن يعبروا عن الفرح أو الحزن أمام العامة بشكل
يشيء للأسرة الحاكمة آنذاك ... وبالرغم من أنها مشاعر فطرية بشرية إلا أن طقوس
ومكانة العائلة الحاكمة كانت أكبر من تلك المشاعر ... فكانوا الأمراء يقيمون
الحفلات ذات البذخ الذي يوقف شعر الأبدان ... وكيف لا وهم أصحاب الثراء الفاحش
بنظرة الملكية والسلطنة الحاكمة التي كانت تقوم على مبدأ الأسياد والعبيد ؟
في تلك الحفلات كانوا يسطرون الموائد
التي حتى لا تخطر على بال شعوبهم الفقيرة الكادحة فمثلا كإمبراطور شاه إيران محمد
رضا بهلوي كان يقيم موائد الطعام التي كانت تصعق زائريه ومدعويه من شدة الإفراط
بحجم الطعام من كل صنف ونوع وشكل فيها كل أنواع اللحوم والأسماك وحتى الطاووس لم
يستثنى منها ... وكانوا يأتون بأشهر وأفضل مطربين دولهم وبأفضل موسيقييهم يعزفون
ويغنون أحب ما تسمع أذانهم ... وقتها كان الجمهور في صمت مطبق يستمتع ويتلذذ بأدب
جم ولا يسمع في قاعة العزف إلا صوت المطرب وأنغام الفرقة الموسيقية ؟
في تلك الفترة وتحديدا ما بين عام
1940 إلى عام 1965 خرجت السيدة الراحلة أم كلثوم كوكب الشرق التي اكتسحت كل
منافسيها في حفلاتها الخاصة في قصور الأمراء والسلاطين والعامة التي كانت تغنى
للعامة على خشبة المسرح ... الجمهور وقتها كانت متطبع ومتشبع بالأدب فكان مستمعا
أكثر من ممتاز ومتذوقا باحتراف هذا من الناحية الداخلية الوجدانية ... أما من
الناحية الخارجية فكان الجمهور يحرص حرص شديد منعا لأي انتقاد ومنعا للعيب آنذاك
فكانوا في الحفلات العامة يحرصون حرصا شديدا على أن يلبسوا أفضل ما عندهم ... مع
الإشارة إلى أن الناس وقتها وتحديدا الفقراء كان الفقير لديه بدلة رسمية واحدة قد
تستمر معه إلى الممات ولا يلبسها إلا للمناسبات المهمة جدا فقط لا غير ... فكانوا
يلبسون أفضل ما عندهم ليس لمقابلة ضيف وليس لحفل استقبل شخصية مهمة بل كانت لحفلة
فنائية موسيقية تقدمها أم كلثوم ؟
جمهور حفلات تلك الفترة يعتبر من
أعظم الجماهير وأكثرها ثقافة واطلاع وعشقا للقرائة ... بالرغم من عدم وجود ما
نتمتع فيه اليوم من وسائل متقدمة وترفيه ووصول أسهل من السهل للمعلومة مهما كانت ؟
جمهور اليوم مع الأسف الشديد والمحزن
أن غالبيته وصل إلى الإسفاف والرعونة بعدما تم الإيقاع به في فخ الضياع ... فأصبح
يستمتع بأتفه التوافه ويصنع من التوافه أمورا عظيمة وفي حقيقتها هي لا عظيمة ولا هي جميلة ... فأي أغنية مكونه من المثلث المتساوي وهي الكلمة واللحن والصوت وأي خلل أو ضعف في
هذا المثلث تكون الأغنية فاشلة وهابطة وساقطة تماما ... واغتصاب الناس بالإستمرار وفرض هذا
الفشل أنتج في نهاية الأمر جمهور فاشل جاهل خفيف الوزن مهما كان عدده أو حجمه
ويمكن بسهوله بأن تحركه بكثرة وقوة الإيقاعات لأن هدفه هو هز الأجساد ... بنما في
السابق كان الهدف هو هز القلوب والعقول لا الأجساد فكان جمهور ثقيل صعب أن تهينه
وإلا أهانك ؟
هل اليوم هناك فن من الأساس ؟
نعم يوجد فن وفن راقي وكبير ... لكن
أصحابه يعيشون في الخفاء وجلساتهم قليلة في الشهر مره أو مرتين ... لكنها تكون
جلسات تساوي بطربها ومزاجيتها مهرجان كامل بجمهوره الخفيف ... وأصحاب تلك الجلسات يملكون ثقافات عالية ومعلومات غزيرة في الفنون وتاريخه وتاريخ أهله ... ولا أبالغ
إن قلت بأن معلوماتهم وصراحتهم تفوق أشهر الفنانين أنفسهم ؟
من يصنع من التوافه عظمة فهو التفاهة
نفسها وهنيئا لكم جهلكم وهنيئا لنا الطرب الأديب
شتان ما بين الأديب والوضيع
دمتم بود ...
وسعوا صدوركم