إنها أعنف حقبة في التاريخ الإسلامي على الإطلاق بالرغم من حجم
الغزوات الإسلامية التي أدت إلى إخضاع دولا وكيانات إلى الإسلام لكنه عهد مليء
بالتناقضات والكره والفجور بالخصومة وسفك الدماء وظلم الأبرياء ونهب وسرقة الأموال
... كل ما فيه يرميك إلى أسئلة محيرة : ألم يتعلموا من رسولهم ؟ ألم يأخذوا شيئا
من خلقه وأدبه ورسالته ؟ ألم يكونوا بجانبه وبقربه أكلوا وشربوا وجلسوا معه ؟ ... فقد
نشأ أول خلاف بين المسلمين بسبب من يخلف الرسول عليه الصلاة والسلام في خلافة الأمة
الإسلامية وكأن الخلافة الإسلامية هي وكالة لهذا أو ذاك !!!... وتناسوا أن الخلافة
هي مسؤلية وهم وكرب عظيم وحساب دقيق جدا عند رب العالمين يوم القيامة فانفجرت
جاهلية العرب في وجوه الجميع آنذاك وكل ظن أنه سيد على الجميع حتى أن البعض راح
يقارع الناس بنسبه العريق وأحقيته بالملك والخلافة ... وبناء على هذه الفوضى التي
حدثت "وأظن" أن كيد الفرس والروم قد أتى فعلهم بامتياز فارتدت بعض العرب
عن الإسلام بموت رسولنا وقالوا "طالما محمد مات فدينه قد مات أيضا" ...
فانتفض سيدنا أبو بكر الصديق ليعيد العرب إلى رشدهم وقامت أول حرب بعد وفاة الرسول
مباشرة وهي حروب الردة سنة 11 - 12هـ = 632 و633م وعاد
العرب إلى دينهم ... ثم حكم سيدنا عمر ابن الخطاب بعد أبو بكر الصديق مباشرة
فتكالبت مؤامرات الفرس الذين كانوا في قمة غضبهم من سقوط العراق من أيديهم سنة 11
هجرية وضمها للفتح الإسلامي ثم غزو الشام وضمها للفتح الإسلامي سنة 19 هجرية ثم
غزو بلاد فارس وإخضاعها للفتح الإسلامي في 21 هجرية ... فأرسلوا الملعون أبو لؤلؤة
المجوسي الذي صنع خنجرا ذوو رأسين حادين "نصلين" وطعن عمر ابن الخطاب في
كتفه وخاصرته قبل أن يكبر إماما في صلاة الفجر وطعن أكثر من 10 رجال أرادوا
الإمساك به ثم طعن نفسه وانتحر المجوسي ... مات عمر ابن الخطاب من عملية الإغتيال
واستشهد ... ثم حكم عثمان ابن عفان ومن هنا دخل العرب والمسلمين في أكبر فتنة
عرفها التاريخ العربي والإسلامي على الإطلاق ؟
عثمان ابن عفان كان أمويا والفتن في عهده والخلافات
بسبب أمور المال وطريقة الإدارة وتنصيب من لا يستحق على من يستحق وفق رأي من كانوا
آنذاك ... ومنعا لتطويل والتفصيل فقد حوصر منزل عثمان وقتل وقطع رأسه وسرق ماله
وحرق منزل وأبرز من قام بهذا الفعل الخسيس هم الخوارج : الغافقي بن حرب المصري وقد
كان من الذين قدموا مصر وقام بقتل الخليفة وكذلك كنانة بن بشر التجيبي وروي أنه هو
الذي قتل عثمان رضي الله عنه كذلك عرف منهم سودان بن حمران وعبد الله بن بديل بن ورقاء
الخزاعي والأشتر النخعي في يوم الجمعة 18 من ذي الحجة سنة 35 هـ ... وفي
اليوم التالي مباشرة لمقتله وخوفا من أن تفرط الخلافة الإسلامية بويع علي بن أبي طالب للخلافة بالمدينة المنورة فبايعه أغلب من كان في
المدينة من الصحابة والتابعين وانتقل على ابن أبي طالب من المدينة المنورة إلى كوفة
العراق ونقل عاصمة الخلافة إلى هناك ... واشتدت الفتن وثارت العرب بين رأيين فريق
يريد القصاص الفوري من قتلة عثمان ويضم هذا الفريق كل من : السيدة عائشة وطلحة بن عبيد
الله والزبير بن العوام ... والفريق الأخر
يريد الصبر حتى تهدأ الأمور في المدينة المنورة ويستكين أهل الشام للبيعة وكان هذا
رأي علي ابن أبي طالب لأن قتلة عثمان لهم قوة وأعوان في الشام ... وعلى إثر ذلك
رفض معاوية ابن أبي سفيان الذي كان في الشام أن يبايع علي ابن أبي طالب على
الخلافة بل وارتفعت الفتن على ذلك وقتل علي ابن أبي طالب على يد إثنين من الخوارج في 16 رمضان سنة 40 هـ الموافق 29 يناير 661 م وهو يصلي بالمحراب في
مسجد في كوفة العراق ؟
وبعد مقتل علي ابن أبي طالب انفجرت الحروب بين المسلمين وسالت الدماء
وزهقت الأرواح وكل ما حدث لا شأن له بشريعة ودين الله ولا برسوله ورسالته بل كانت
فتن في فتن نابعة من الطمع والصراع على الخلافة تعلوها جاهلية العرب وطبيعة العزة
بالإثم والأخذ بالثأر ... فوقعت معركة "الجمل" التي كان طرفيها سيدنا
علي ابن أبي طالب والسيدة عائشة ... ووقعت معركة "صفين" وكان طرفيها علي
ابن أبي طالب ومعاوية ابن أبي سفيان ... ووقعت معركة "النهروان" بين علي
ابن أبي طالب وبين عبدالله بن وهب الراسبي من الخوارج ... ثم معركة كربلاء وتسمى
أيضا معركة "الطف" التي وقعت بين الحسين ابن علي ابن أبي طالب وبين
معاوية ابن أبي سفيان التي قتل فيها العديد من آل البيت عليهم السلام ... ثم معركة
"الحرة" في المدينة المنورة بين معاوية ابن أبي سفيان وبين الأمويين
وبين أهل المدينة ... ثم معركة "حصار مكة" بين الأمويين وبين عبدالله
ابن الزبير وضربت الكعبة بالمنجنيق على يد "الحصين بن نمير" في عهد
عبدالملك ابن مروان ثم ضربت الكعبة مرة ثانية بالمنجنيق على يد "الحجاج ابن
يوسف الثقفي" في عهد عبدالله ابن مروان فقتل عبدالله ابن الزبير وقطع رأسه
وأرسل إلى الشام وصلب جسده على الكعبة لأسابيع حتى تشفعت له أمه ذات النطاقين
أسماء بنت أبي بكر لدى الحجاج الثقفي ... ثم انقلاب العباسيين على الأمويين والذي
يوصف بأنه أعنف إنقلاب دموي حدث في التاريخ الإسلامي قتل فيه كل من هو أموي وملأت
الشوارع بدماء كل من كان مخلصا وفيا للأمويين ... وكل ما حدث أيضا لا دخل له
بالإسلام والشريعة وبرسالة محمد عليه الصلاة والسلام بل كانت مجازر ذات نزعة قبلية
جاهلية صرفة وانتقام عنيف للغاية ... ومن فتن ودماء الخلافة الإسلامية إلى
الإنقلاب العباسي الدموي وعهدهم القاسي إلى الإنقلاب العثماني الدخيل على العرب
فمورست أقصى درجات التعذيب والإهانة والعبودية لمن يجرؤ على الخروج عليهم حتى سقط
وانهار حكم العثمانيين على يد بريطانيا بمساعدة المتمردين من العرب في 1922م بشكل
نهائي وقاطع ... مع ملاحظة أن منذ العهد الأموي والعباسي والعثماني لم تتوقف يوما
قط تجارة العبيد والجواري والسبايا بل كانت حالة تفاخر اجتماعية فيما بينهم من
يملك الأكثر والأجمل يكون هو ذوو الحظوة والمقام الرفيع ... وتلك التجارة أوقفها
البريطانيين لتغيير نهج الطابع الإسلامي الذي كان منذ جاهليته وحتى في زمن الخلفاء
الراشدين والدولة الأموية والعباسية والعثمانية كانت هذه التجارة رائجة وشرعية
100% ... ولما حكم البريطانيين وأنا أسميها الخلافة البريطانية للأمة الإسلامية
والتي تعمدت تعطيل الكثير من وجه وشكل العالم الإسلامي فكرا ونهجا وشكلا فمزقت حتى
أوطانهم إربا إربا ... فخرج بعدها من يطلق عليهم بمشايخ الدين وحرموا ما كان حلالا
منذ أكثر من 1.300 سنة وكأن الأمة الإسلامية كانت على حرام وهم من جلبوا وصنعوا
الحلال وفق الخلافة البريطانية ؟
إن التاريخ القديم يخبرنا أن حكم الظلم والإستبادا يستحيل أن يستمر
وأنه مهما طالت سنوات فرح الطغاة فإن مصيرهم مؤكد إلى الزوال وأن لعنة الإنتقام إن
لم يذقها الحاكم سيتذوقها أبنائه ... والنقطة الأخرى أن كل من سقط حكمهم زالت عنهم
كل الأموال التي سرقوها ونهبوها من رعيتهم وأوطانهم ... والكثير الكثير منهم ماتوا
وهم فقراء من بعد جاه وسلطان وأن نسبة 1% فقط منهم من يعرف أين دفن ومكان قبره
تخيلوا فقط 1% ... فلا كل أفراد أسر الأمويين والعباسيين والعثمانيين تجد لهم قبور
بكامل أعدادهم أبدا وتلك حكمة لا يعلمها إلا رب العالمين ورسالة منه لمن لا يتعظ ؟
يتبع الجزء الرابع والأخير : تاريخ العرب في العصر الحديث
دمتم بود ...
وسعوا صدوركم