الأوطان منذ آلاف السنين تعتمد بشكل أساسي على سمعتها الخارجية ... وتتنوع السمعة ما بين دولة وحشية ودولة اقتصادية ودولة لصوص ودولة فساد ودولة عادلة وبكل تأكيد سمعة الدولة مرتبطة تماما مع سمعة شعبها ... والسمعة مهمة للغاية بسبب تطور علم الاقتصاد مع توالي القرون وتحديثه المهني والعلمي والواقعي فيه ... فأصبحت العديد من دول العالم ينتبهون لتلك المسألة بدقة وبعناية شديدة لأنهم أدركوا أن حسن السمعة السياسية تعني حسن السمعة الإقتصادية وحسن السمعة الاقتصادية تعني مزيد من المستثمرين ومزيد من ضخ الأموال في البلاد ومزيد من السياح أي مزيد من تنشيط الأسواق وتعزيز موارد الدولة ... وجذب المستثمرين وصناعة الإغراءات لهم تعني مزيد من مشاريع التنمية والإقتصادية التي تلقائيا تجذب السياح لتسويق بلادك لدى العالم بأسره ... ولذلك تجد الدول والحكومات تتقاتل من أجل الفوز في المناسبات العالمية لما لها من مردود سياسي واقتصادي واجتماعي وسياحي المهمة منها عالميا مثل "معرض إكسبو" والذي بدأ في 1928 وتصفيات "كأس العالم" والتي بدأت في سنة 1930 ... وهذه المناسبات يتم الإنفاق عليها بالمليارات لما لها من جدوى ومنفعة اقتصادية ذات انعكاس سياسي واجتماعي إيجابي بكل تأكيد ... ثم الوجه الأخر وهو وجه السياحة التي تتنوع ما بين السياحة النظيفة أي الخالية من الخمور والمراقص والبارات والدعارة وصولا للسياحة المفتوحة التي يوجد فيها كل شيء ... وما بين السياحة النظيفة والمفتوحة تتجلى سمعة الشعوب لتحتل الرقم 1 في الرصد والتحليل والتقييم ... بمعنى شعب ودود شعب مضياف شعب خدوم وكريم والعكس شعب لصوص فاسد وجرائم خطف وقتل وشعب لا يحترم السياح ويستغلهم بوقاحة مفرطة ... كل ما سبق من تلك المعطيات ترسم وتصنع لك سمعتك الخارجية "سياسيا واقتصاديا واجتماعيا" ؟
إن الإضرار بسمعة البلاد الخارجية أصبحت اليوم تعادل "أعمال الحرب - أعمال الإرهاب" لما لها من أضرار بالغة على الدولة ... لأن ضررها يضرب ويصيب الدولة بشعبها دون استثناء ولأن أي باحث أي سائح أي مستثمر لا تعنيه مشاكلكم الداخلية فكل الدول لديها مشاكل مختلفة ومتنوعة ... لكنه يبحث عن مدى نسبة الأمان في وطنك ومستوى الترحيب لديك ومدى كفائتك وأمانتك بالتعامل مع سياحك ومدى جدوى ومستوى الأمن لديك ومدى عدالة تطبيق القانون على أرضك ... وقد يقول قائلا تلك المعايير لا وجود لها على أرض الواقع أصلا ولا حتى بنسبة 50% ... وهذا القول غير صحيح بل هناك دول اذهب إليها وأنت مطمئن بفضل ارتقاء شعبها وقوة الأمن وعدالة القانون واحترام الخصوصيات مثل "كوريا الجنوبية - سويسرا - اليابان - كندا - استراليا - نيوزيلندا - تايلاند - سنغافورة - ماليزيا - أمريكا" ... وتلك الدول هي الأعلى عددا في نسبة السياح وفق أخر إحصائيات السياحة العالمية لعام 2022 ... بعكس دول الشرق الأوسط ودول أفريقيا وتركيا والبلقان وغيرها والتي تعتبر "دول أمنية قمعية - قضاء غير نزيه" وشعوب غير ودودة والشكاوي عليها أكبر من أن تحصى وحكوماتها كذبها أكثر من صدقها ... وليس أقرب من مثال إلا جريمة اغتيال الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" والتي حتى اليوم العالم يرفض نسيانها وكلفت الحكومة السعودية إنفاق المليارات من أجل تحسين صورتها بعد تلك الجريمة ... وتركيا التي تم التسويق لها عبر الكثير من "اليوتيوبر" فشل تسويقهم اليوم بسبب المواقف العنصرية للكثير من الأتراك الأشهر بعنصريتهم وخشونة تعاملهم ومدى النصب الإحتيال واستغلال السياح ... وليس أقرب مثال لما نتحدث عنه مثل مصر التي تمتلك كل مقومات صناعة السياحة المحترفة لكنها لا تزال فاشلة متواضعة في سياحتها لكن إعلامهم يكذب كعادته وحكوماتهم تظلل كالعادة ... تلك المعطيات تكونها عناصر مجتمعة لا يمكن فصل واحدة عن الأخرى فالسياسة مرتبطة بالإقتصاد والإقتصاد مرتبط بالمجتمع والمجتمع مرتبط بالحريات والأمن والقضاء ... أمن فاسد يعني قضاء فاسد وقضاء فاسد يعني حكومة فاسدة والحكومة الفاسدة يعني الشعب برمته فاسد ... حتى وإن كان من بينهم شرفاء نظفاء اليد والنفس وكرماء لكن هكذا هو التقييم العام الذي ألفته الأمم والشعوب منذ آلاف السنين ؟
غير ما سبق أيضا ما يدمر سمعة الدول هي معارضتها في الخارج التي تبث الصور والتسجيلات وتقدم البرامج والمحتوى عبر منصات مواقع التواصل الإجتماعية حتى ولو كانت أكاذيب وتدليس وتظليل للرأي العام ... وأيضا السياح ووكالات السياحة الدولية لا يعنيها التقصي خلف تلك المنشورات والفيديوهات صحتها من عدمها ... مع ملاحظة أن الدول الكبيرة مساحة وتعدادا الفيديوهات الصغيرة لا تؤثر بها لكن تؤثر في الدول السياحية الصغيرة والمنشورات المسيئة الكثيرة تؤثر بالتأكيد في الدول الكبيرة ... وهذا قد أضر فعلا بسمعة دول لكن حكومات تلك الدول من الطبيعي أن لا تعترف بأن معارضتها قد تسببت بأضرار بالغة لسمعتها الخارجية ... وهنا يجب أن تعذر بشكل تلقائي المستثمر والسائح لأنهم غير معنيين بتحليل أوضاعك ولا معنيين بمشاكلك السياسية والإجتماعية ... أنا مستثمر ورأس المال جبان بطبيعة الحال وأول ما ينظر إليه أي مستثمر هو استقرار الدولة ثم قوانين الإستثمار ثم مستوى وقوة وعدالة القضاء ثم جودة ومهنية الأجهزة الأمنية ودرجة ومستوى الحريات على أرضك بمختلف أشكالها بدأ من حرية الحديث والإنتقاد وصولا للخصوصيات ... والسائح أيضا لا تعنيه أنت ولا دولتك ولا حاكمك ولا مجتمعك بل يعنيه هل أنت دولة أمنة تتوفر فيها مقومات السياحة والتنقل الحر والأمان واحترام شعبك للسائح ... كل تلك المعطيات فشلت فيها كل الدول العربية وسبب هذا الفشل القبضة الأمنية المتوحشة والقضاء الذي يتنوع ما بين الفاسد والمعتدل ... ولذلك حكومات الدول العربية والخليجية فشلت بصناعة السياحة لكن "شيفونية العروبة" طاغية كعادتها تُجمّل القبيح وتصرف النظر عن أي سلبيات وترفض أية مقارنات دولية ... ولذلك لا عجب أن تنتشر الهجرات البشرية في كل أصقاع الأرض وترفض الهجرة إلى قلب الدول العربية حصريا ... ولا عجب عندما نرى أرقام السياحة تتجاوز 40 مليون و 60 مليون سنويا في الدول السياحية سالفة الذكر ... ولا عجب أن تقرأ وتعلم أن بفضل السياحة حققت أمريكا أرباحا تجاوزت 260 مليار دولار في عام 2022 وتخطط لرفع عدد السياح من 67 مليون إلى 90 مليون سنويا ... ولا يزال العربي الأحمق يعتقد أن السائح الأجنبي يريد الجنس في وطنك فقط وحصريا وكأن بلاده لا يوجد فيها مثل هذا الأمور وبشكل جنوني احترافي حتى أن الجنس في أوطانهم أكثر من قول "السلام عليكم" بين العرب كافة ... ولأن سمعة الدولة الخارجية غير مهمة في وجدان الحكومات فلا تسأل عن أسباب فشل حكوماتك الفاضح بالحرص الشديد على سمعتها الخارجية التي تتنوع ما بين حكومة أمنية وحكومة قمعية وحكومة لا تبالي مطلقا بسمعتها الخارجية وتستمر كوميديا التطور الأعمى بعمى البصائر والعقول والقلوب ... يا سادة نحن أمة تكذب بضمير وحكومات تظلل بصدق وكل الشعوب العربية هي شعوب عنصرية شيفونية مستبدة لا بل نحن أسياد العنصرية والتاريخ شاهد ... لكننا نلبس أقنعة التحضر والتمدن وقبول الأخر وتلك صفات المنافقين في الدرك الأسفل من النار "إلا من رحم ربي منهم" ؟
دمتم بود ...
وسعوا صدوركم