إن عمر البشرية وتاريخ الإنسان منذ خليقته كانت وتمت على مراحل بمعنى
لم يكن أبونا آدم عليه السلام طباخا ماهرا ولا أمنا حواء خبيرة مطبخ ولا أبنائهم
هابيل خبازا ولا قابيل صيادا ... لأنهم كانوا أول الخلق البشري على وجه الأرض هبطا
على أرض الهند ورواية الإمام الطبري حين قال عن ابن عباس
رضي الله عنه أنه قال : أهبط آدم بالهند فجاء في طلبها حتى اجتمعا فازدلفت إليه زوجته
فلذلك سمّيت المزدلفة وتعارفا بعرفات فلذلك سمّيت عرفات وتعارفا بجمع فلذلك سمّيت جمعا
... وهذه تعتبر رواية لم يثبت منها أي شيء بدليل مادي قاطع حاسم لكني جلبت تلك
الرواية من باب العلم بالشيء ... لكن الأكيد أن أوائل البشرية أو البدائية لم تعرف
طهو الطعام بالنار ولم تعرف النكهات والأذواق ولا الخبز والمشروبات وذاك عصر
يسمى الهمجية ؟
ومن الهمجية والبدائية التي استمرت آلاف السنين وصل الإنسان إلى معرفة
مجرى الأنهار ومجاريها وعرف الأسماك وفوائد النار وكانت الحجارة هي أدوات الطهي ثم
اخترع أدوات القتل مثل الرماح والأقواس واستفاد من لحاء الأشجار وصنع منها الحبال
والسلال وركب الحيوانات واستخدم الطين لخدمته ... إلى أن اكتشف معدن الحديد قبل
4.000 سنة قبل الميلاد ثم سار الإنسان إلى ما سار عليه ووصل إلى ما وصل إليه من
تطور جاء بالصدفة والفطرة ... وقد عاش الإنسان في متغيرات كثيرة ما خدمته وكثيرة
ما جلبت عليه الهم والغم والقتل وصولا إلى الإبادة الجماعية ... مثل صناعة العبيد
واحتلال الأراضي وصناعة الآلهة والأطماع التوسعية والصراعات الإجتماعية كلها لا
شأن لها بالسياسة على الإطلاق بل كان عالم جاهل يعيش بقصر نظر ؟
رغم كل تلك المتغيرات لكبيرة التي مر بها الإنسان في كل تاريخه إلا أن
هناك أمورا ثابتة الثابت لم تتغير في حياة الإنسان مثل : عشقه للحياة وخوفه من
الموت وحبه للمال وشغفه بالنفوذ والسلطة حتى لو كان على خادما لديه أو زوجته ...
لكن ظل هناك أمرا سائرا لعشرات آلاف السنين وهو أن الإنسان كان يعيش على يومه ...
أي لم يعرف التخزين والتدبير لفترات طويلة كما هو حاصل الآن في أيامنا هذه ...
ومصر اليوم يوجد بها أكثر من 17 مليون نسمة يعيشون على يوميتهم أي إن لم يعمل أحد
أفراد الأسرة فإن في مسائهم لن يجدوا عشائهم ... وفي الكويت أكثر من 90% من الشعب
الكويتي ومقيميه يعيشون على الراتب الشهري فإن لم ينزل في رواتبهم فلن يستطيعوا
تكملة الشهر القادم إلا بالدين والسلف ويستحيل أن يصمدوا 6 أشهر دون رواتب ...
وأقصد بـ "الإستحالة" أي لن تكون حياتهم طبيعية أي لن يستطيعوا أن
يطلبوا غدائهم من أي مطعم ولن يستطيعوا تسديد نفقات اشتراكاتهم من اتصال وإنترنت
وأقساط والتزامات ... وسيكون طعامهم اقتصاديا جدا ... والكارثة أنهم سيصابون
بالضعف والنقص لو لم يجدوا رواتبهم لمدة سنة هذا ناهيك عن أصحاب الأمراض فهؤلاء
وحدهم موضوعهم وأمرهم أكثر ألما وأكثر قسوة من الأصحاء وربما سيفنى الكثير منهم
بسبب نقص أدويتهم ؟
المعنى مما سبق كله أنكم تعيشون في نعم لم تخطر في بال ولا عقل كان
حتى يحلم بـ 10% فقط مما تنعمون به في أيامكم هذه من نعم وتسخير من رب العالمين
... فكانت الناس تعيش على طعامها اليومي وكانت من المستحيل أن تصمد شهرا لشدة
فقرهم وضآلة معيشتهم وضعف قدراتهم ... بل أجدادكم عاشوا وماتوا هكذا فلم المكابرة
أصلا وأنتم لم تعرفوا الحمامات المتطورة إلا قبل 50 أو 60 سنة أقصاها ... ولم
تعرفوا الهواتف "الأرضية" إلا قبل 70 سنة والنقالة قبل 50 سنة ...
والثلاجة قبل 80 سنة على أبعد تقدير في الدول العربية والمكيف قبل 90 سنة تقريبا
... كلها سنوات تعتبر جدا تافهة ولا قيمة لها في تاريخ الأمم التي سبقتنا وعمر
البشرية جمعاء ... فإن كنت تعيش حياتك وتكيفها على راتبك الشهري فاعلم أن هناك وفي
أيامنا هذه من يعيشون على اليوم ... كما أن هناك من يعيشون على لسنة أي هؤلاء
وضعهم المادي أفضل من اليوم والشهر ... فلا أنت أيها الفقير ولا أنت أيها المتكيف
تعيشون على الثراء واتركوا أقنعتكم والمظاهر فإن فقركم وحاجتكم ليس عيبا على
الإطلاق ... وفقركم ليس سبة في جبينكم بل سبقوكم من هم أعلى منكم شرفا ونسبا وعظمة
وهم الأنباء والرسل وأهل بيوتهم جميعا عليهم الصلاة والسلام ... وقبل أن تنظر لما
بيد غيرك انظر لمن هو أقل منك لتعرف فضل نعم ربك عليك نعم لا تعد ولا تحصى ... أم
حسبتم أن الأرزاق كان أموالا وذهبا إنها وربي سفاهة العقول ... بل الأرزاق تكمن في
صور متعددة كالصحة والعافية والعقل الحكيم والنفس الصبورة وتوفر غدائك وطعامك وأمن
بيتك وأهلك وسلامتك من كل شر وضر والزوجة حسنة العقل والحُسن والأبناء والبنات
الصالحين ... ولو أدخلتك على مائدة طعام "بوفيه" يوجد فيه أكثر من 80
صنف وأعطيتك ملعقة واحدة فهل أنت ومعدتك تتحمل 80 ملعقة طعام من 80 صنف ؟ أي أنك تأكل
80 لقمة وملعقة !!! من سابع المستحيلات ... انظر لكف يدك ستعرف حجم معدتك تماما
وانظر لإبهامك ستجده بنفس طول أنفك ... اعقلوا فالحماقة هي الندامة عش وتمتع في
يومك فلا غدا بيدك ولا أنت ضامن نفسك غدا ولا أصلا غدا ملكك ؟
من رزق دواب الأرض وطيور السماء لن يعجزه رزق الإنسان
دمتم بود ...
وسعوا صدوركم