يقول الدكتور "آرثر
جيمس" صاحب كتاب حيوانات ناطقة الصادر عن دار لندن للنشر عام 1963: الحيوانات
أولى من بعض البشر بنعمة الكلام والتفكير ... وبالرغم من بحثي الدقيق عن مدى صحة
هذه المقولة وكاتبها إلا أنني لم أجد لها أي أثر على شبكة "الإنترنت"
لكني وضعتها باستدلال لموافقتي مع تلك المقولة سواء كان قائلها معروفا أو مجهولا ...
وإن كان حرية العقل والإعتقاد امر مسلم به فإن خطوط الحديث العام يجب أن يكون له
حدا وسقفا وليس بالمطلق وحتى المطلق لا يكون إلا في دارك ... بل وحتى وأنت في دارك
إن تجاوزت على جارك جاز له أن يشكوك إلى القانون وبالتالي تفرض الطبيعة وجودا
وتؤكد الظروف موقعها في حياتنا أن الإنسان حريته محدودة وليست مطلقة ... وعملية
الحد أو المحدودية تنظمها القوانين الوضعية التي تختلف من دولة إلى أخرى من الدول
المنغلقة إلى الدول المتفتحة وصولا إلى الدول الإباحية المطلقة ... مع الإنتباه
إلى الفرق بين الأقوال والأفعال بمعنى دولا تسمح لك الزنـــا العلني لكنها في نفس
الوقت لا تسمح لك بالقول أو الفكر الذي قد يؤدي إلى نقض دستورها وقوانينها والعكس
صحيح ؟
أنا ممن
يؤيدون حرية الفكر "شبه المطلق" بمعنى تخرج دعوات شاذة للتطبيع مع
الكيان الصهيوني المحتل وأعارضها بشدة لكن في حقيقة الأمر يبقى الأمر رأيا يحق
لصاحبه أن يعبر عنه وإن خالفني ... تختلف معه صحيح وأختلف معه أيضا لكن يبقى رأيا
والرأي لا يواجه بالقمع إنما يواجه بالرأي الأخر بالفكر بالحجة بالدليل بالتحليل
المستقبلي بالنظرة الثاقبة بعيدة المدى ... وهذه مشكلتنا جميعا ففي أحيانا نكون
عقلانيين كثيرا وفي أحيان أخرى نكون عاطفيين لدرجة المبالغة وهذه الحالة ربما تكون
راجعة لسبب الحالة النفسية أو المزاجية أو بسبب ضغوط الحياة وانعكاسها
"الوقتي" على شخصية ونفسية الإنسان ... ذلك كله لا يلغي العقل على
الإطلاق من أن يحدث لك الفرق بين الخطأ والصواب والحماقة من الحكمة لتضبط هوى
النفس التي قد ترمي بصاحبها إلى تهلكة الجهل ليكون مدعاة لسخرية الأخرين ...
وبالتالي الآراء هي من حقوق الناس لتعبر عن فكرها نفسيتها أوضاعها ولولا اختلاف
الناس ما حدث أي اتفاق على وجه الأرض ولولا التفكير والتحليل ما انتبه مقربين القصور
منذ الأزل إلى ما كانوا يجهلونه أو غاب عنه فكرهم ... والفكر لا يقيد ولا يحدد
مهما سننت من قوانين ومهما وضعت العراقيل ومهما غلظت العقوبات ولا أبعد من ذلك
كمثال إلا "ابن رشد" الذي حاربوا فكره وفلسفته حتى وصلوا به إلى الطعن
في عقيدته ودينه وشرفه وشككوا بإيمانه ... فما كانت نتيجة فرط عداوة خصومه إلا أن
كتبه تم تهريبها إلى الخارج لتصنع فكرا وعقيدة وفلسفة مغايرة تماما أحدثت تغييرا
واسعا في أوروبا وظل العرب على حال عقولهم المتخشبة تشرب الماء فتزداد يابسا
وعنادا غبيا ... ولذك يبقى الفكــــــر الطائر الذي لم يستطع أي صياد من اصطياده منذ قديم الأزل إلى يومنا هذا بسبب فشل فهم هذا الطائر فشل ذريع ؟
لا شك أننا في
2019 نعيش في زمن "الحيوانات الناطقة" وبامتياز بسبب ثورة التكنولوجيا
والتي أحدثت تغييرا "شبه جذري" في حياتنا الخاصة والإجتماعية ... انعكست
على شكل وشخصية الأسرة بتعاملها وتصرفاتها ومستوى تفكيرها سواء في الكويت أو في
الخليج أو في الدول العربية بل في العالم بأسره ... وهذا التغيير أخذ البشرية بشكل
لا إرادي إلى حالة من التعاطي الفكري بشكل لم يتوقعه أحد قط ولم يحسب له حسابا على
الإطلاق فارتبكت الأسرة والحكومات والمجتمعات ارتباكا مزلزلا ... مما دفع الدول
والحكومات لحماية مجتمعاتها من التفكك والإنهيار الفكري والأخلاقي بسن قوانين تنظم
عالم الإنترنت منها كان تنظيما منطقيا وطبيعيا ومنها من كان تنظيما مبالغا فيه
بفرط العقوبات ... لتثبت الدول والحكومات أن كل منها تعبر عن خصوصية مجتمعها وفكر
وتوجه ومعتقد الدولة والحكومة ... ولذلك تراجعت نسب الحريات في العالم بأسره وليس
في الدول العربية فحسب مما يثبت بالدليل القاطع أن عالم الإنترنت أطلق العنان لكل
فكر وشخصية دون أي استثناء وبلا أي خطوط حمراء ... وهذا ما لا تريده البشرية كافة
وإلا ضربت الفوضى كل القوانين المنظمة لحياتنا بسبب حرية الرأي والإعتقاد التي بلا
أي سقف أو حد وتلك مفسدة عظيمة بالغة الضرر ... ولذلك حرية الفكر يجب أن تكون
مسؤلة ولها حدود وليست بالمطلق وهنا الخطأ الذي يقع فيه العرب ودائما يقعون فيه
وأبدا يسبب لهم المشكلة تلو الأخرى ... وهي مشكلة عدم تقبل الرأي الأخر أو فهمه
بشكل خطأ أو الدخول بالنوايا أو التشكيك بتوجه صاحب الرأي فقط لإرضاء فكر السلطة
"المتخلف بطبيعته الأزلية" ... فالحكومة تريد شعب على طراز ثوب واحد
وهذا الجنون بعينه والأمن يريد الشعب بعقل وتوجه واحد وهذا الجهل بذاته والمجتمع
يريد أن يفرض رأيه على من يبحث عن التغيير أو التطور فيعيش الجميع في ظل صراع الأكثرية
التي تضطهد الأقلية ... ولذلك فإن الأكثرية لا تعني دائما أنهم على حق وصواب ولا
يعني أن مصير الإنسان تحدده الأكثرية وتنزع حق الأقلية بحقها بالتفكير أو طريقة
العيش ... لكن أصل الخلاف يجب أن يفهم أو يحلل هل الإختلاف يستهدف الشخص صاحب
الرأي وحده أم هناك مخطط يستهدف المجتمع ؟ ... فإن كان الأمر يعني الشخص ويستهدف
حياته وفكره للسعي لطريقة عيش مستقله فهذا حقه المطلق أما إن كان هناك مخطط لتغيير المجتمع أو تفكيكه أو ضربه
فالأمر انتقل من الفكر إلى الإستهداف المعادي الذي يستوجب مواجهته ... وهذا ما
يحدث تماما في دولنا العربية التي تائهة ولا تعرف إن كان ما يحدث هو نتاج حرية فرد
وفكر شخص أو مخطط خارجي عبر عملاء محليين يستهدف الدولة والمجتمع ؟ ... ولذلك
الفوضى هو حالنا لا فهمنا الحقيقة ولا فهمنا مقصد الرأي ولا منحنا حرية الفكر
والإعتقاد مجالا حتى للفهم لأن الرأي أنواع وأشكال ودرجات "سياسي - اجتماعي -
ديني - عقائدي - جنسي - علمي - فني" ... فلو اختلفت مع الفنان غضب منك
والسياسي انتقم منك والديني كفرك والعقائدي شكك بتربيتك والعلمي شكك بعقلك فلا
سلمت من هذا ولا ذاك فقط لأن كل منهم يظن أن أحد حراس الدولة والمجتمع ... فمرحبا
بكم في مجتمعات الحيوانــــات الناطقـــــة التي يمشي أهلها ورأس كل منهم ظن أن
الله لم يخلق على الأرض سواه !!!
دمتم بود ...
وسعوا صدوركم