لو سالت أي شخص هذا السؤال : هل جربت الموت ؟
سيجيبك : بالتأكيد كلا وكيف أجربه وأنا لازلت أقف أماك !!! ... السؤال مجنون
والإجابة منطقية وأيضا لو سالت نفس الشخص الذي أجابك بالنفي : حسنا فهل تعرف أحدا
ما قد جرب الموت ؟ ... هنا سيلج في نفس الشخص شيئا ما من التوجس نحوك وعن مدى وعيك
وإدراكك لمثل هذه النوعية من الأسئلة لأن اليقين لا مكان له في موضع السؤال ...
إذن اليقين المتمثل بالحقيقة التي عايشناها واعتدنا عليها أن لا أحد جرّب الموت
على الإطلاق أي مات فترة من الوقت موتا حقيقيا كاملا وليس مجرد غياب عن الوعي ثم
عاد من جديد ... باستثناء حالات مرضية ثبت طبيا أنها "موت سريري" ثم
عادوا وقصوا ما رؤوه وسط صمت علمي كامل أمام هذه الحالات الإستثنائية التي تحدث
لواحد من بين كل مليار نسمة ... والسؤال هو : إذن لماذا الناس تخاف الموت وصولا
إلى الرعب من مجرد حتى ذكر لفظ "الموت" وهم لم يشاهدوه ولم يلمسوه ولم
يشعروا به على الإطلاق ؟ ... هل بسبب حبهم للحياة ؟ ربما ... هل بسبب أنهم لا
يريدون أن يفقدوا أهلهم وأحبائهم وأصدقائهم ؟ ربما ... هل بسبب خوفهم على ما جمعوه
من أموال وثراء "البعض" ؟ ربما ... هل بسبب الخوف من الموت إما بمرض أو
بحادث أو طبيعي ؟ ربما ... إذن أسباب الخوف هي أسباب منطقية حقيقية بنيت على واقع
ويقين والخوف من المجهول لشيء يقينا هم مدركون أنه قادم لهم ... لكن القادم هنا هو
المجهول ليس بالأمر نفسه أي الموت بل بالحدث أي نوع وطريقة الموت التي لا أحد على
الإطلاق يعرف يقينا كيف سيموت لأن الأمر هنا مجهول تماما مع عدم استبعاد
"الإستشعـــار" بقرب الأجل كالمريض وككبير السن ذوو الشيخوخة وأيضا دون
معرفة التوقيت تحديدا ... بالإضافة إلى أن لا أحد على الإطلاق يعرف شعور الموت أي
هل هو مؤلم أم غير مؤلم وما مدى ألمه ؟
إن المدركات الحسية لدى الإنسان وهي "السمع والنظر والشم واللمس والتذوق" أضيف لها مؤخرا "الحاسة
السادسة" أي استشعار الحدث قبل وقوعه وهي خاصية مركزيتها العقل ... كلها
مؤشرات "sensor"
توفر أدرع حماية لصناعة الإدراك ثم اليقين فمثلا لو اشتم الإنسان رائحة زكية اقترب
منها ولو اشتم رائحة كريهة ابتعد عنها مع تبيان نوع وأصل الرائحة ومصدرها ...
والطعام إن تذوق شيئا جديدا بموافقة العين طبعا تحدث الرغبة من عدمها بتجربة
المذاق أو رفضه ... وحاسة السمع قد تسمع مؤذن يصدح بالأذان بصوت مستفز مقزز فتتمنى
أن لا يكون المؤذن موجودا مرة أخرى بعكس المؤذن ذوو الصوت الجميل تلقائيا الأذان
يتسلل إلى داخل قلبك دون إذن منك وهكذا تعمل الحواس منفردة أو مجتمعة تعمل لأمر
واحد وهو اليقين ... كل ما سبق ينطبق على العلاقات الإجتماعية صداقة عمل زواج
علاقات جميعها تحركها حواسنا بطريقة لا إرادية دون أن نشعر بها ونظن أننا نحن
المسيطرين عليها لكن في حقيقة الأمر هذه الحالة تحكمنا بها يكمن بشيء بسيط ونظن
أننا المسيطرين ... لأن القلب في أحيان كثيرة جدا هو من يتدخل فيتكون صراع
"العين والعقل والقلب والسمع والشم واللمس" فالعلاقة بين الزوجين تتفاعل
معها كل تلك الحواس والخواص لتنتج أكبر قدر ممكن من العشرة وليست المعاشرة ... وفي
أحيان كثيرة تتحمل ضغوط شديدة كالحمل الزائد على المولد الكهربائي حتى تعطي أقصى
ما عندها من طاقة وجهد لإرضاء أو لإسعاد الطرف الأخر ... وفي مثال أخر لو كنت موظف
عملك مرتبط مباشرة مع المراجعين فإنك وددت أن هذا المراجع جلس لديك وقت أكبر
والمراجع الأخر تفعل ما هو غير قانوني حتى لا يجلس امامك أو تنقل معاملته لزميل
أخر ... وهذه العملية مرتبطة بالعقل بمدى وعيه ومستوى ثقافته أولا وثانيا مرتبطة
بالقلب الذي يحدث فيه انشراح أو انقباض من بعض الوجوه ... كل ما سبق في الفقرتين
يثبت حقيقة لا تقبل الشك أن الإنسان تعود على اليقين وتعايش معه بكل حواسه
ومدركاته لكنه يخاف من المجهول بكل أشكاله ... فلو تقدم رجلا للزواج من إحدى
البنات لفارقها النوم من شدة التفكير والخوف من المستقبل ويدور في فلك عقلها
"من هذا وكيف هو وماذا عن شخصيته ثقافته أخلاقه أطباعه" إلخ ... ولذلك
الناس منذ القدم من ماضي الأمم اعتمدت على صناعة بشير المستقبل الذي يؤمنهم من كل
خطر بصناعة إله أو آلهة يعبدونها ويقدسونها كإله الشمس والقمر والرياح والأصنام وغيرها
من خزعبلات الجهل ؟
الطموح يعارض المجهول
الطموح هو المستقبل أي صناعة أهداف مستقبلية
لتحقيق وضع مختلف ومتغير للإنسان وكل إنسان طموح هو لا يعرف متى ينتهي أجله لكن من
حقه أن يصنع مستقبله ... فصناعة المستقبل ببعد النظر بالعمل أو بالدراسات أو
بالأبحاث أو حتى بالمشاريع لا تلغي نظرية أو واقع المجهول لأن العملية تتم وفق
حسابات واقعية ومنطقية قابلة للتحقيق والنجاح بشرط أن تكون متطابقة مع الشخص نفسه
... كمثال يسعى رجل أن يصبح إنسانا ثريا فهذا الأمر ليس مستحيل بل يمكن تحقيقه إن
توافرت عوامل النجاح لذلك ... أو إمرأة وضعت هدفا بأن تصبح مسؤلة رفيعة في دولتها
وهذا الطموح أيضا قابل للتطبيق لأن التنظيم الهيكلي في دولتها يسمح بذلك بالإضافة
إلى سعيها الدؤوب لتحقيق نجاح هدفها ... لكن كل ذلك قد يتحطم فجأة وبلحظة بسبب
موقف قد يكون عاطفي أو سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي له تأثير مباشر على صاحب الهدف
فيحدث المجهول الذي لا يمكن التنبؤ به ... وهذا صلب موضعي معكم اليوم أن الإنسان
قد يضع له الطموح وقد يتكسر ذاك الطموح على صخرة الواقع أو إنسان لديه أهداف يريد
تحقيقها فتباغته حوادث قد تغير شكل حياته وتقلبها رأسا على عقب ... ولذلك من المهم
أن تعرفوا جميعكم أن حياة الإنسان عبارة عن عدة مراحل فلا يظن أحد منكم أن حياته
هو من يسيرها بل رب العالمين هو من يسيرها بطريقة أعترف أني منذ "أكثر من
سنتين" وأنا أحلل طريقة إدارة رب العالمين لحياتنا ولكوكب الأرض ولم أستطع
بعد من فهم عظمة الدقة المتناهية لتلك الإدارة السماوية ... وكم نحن في غرور عظيم
دون أن نشعر به ونظن أننا خارقون العقول ونحن مساكين العقول فسبحان رب العالمين
الصابر الحليم اللطيف الحنان المنان معنا ولنا وأغلبنا في صلفه وحماقته مستكبرون {
واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } الحجر ؟
دمتم بود ...
وسعوا صدوركم