الندم هي حالة صراع تنشأ بانفعالية في صراع بين العقل والقلب بسبب
الإحساس بالذنب على ارتكاب فعل خاطئ ويتراوح الفعل من البسيط إلى العظيم ... وقد
ورد لفظ الندم في القرآن الكريم ما يناهز الـ 7 مرات في قصص التي ساقها ربنا
سبحانه عن أمما سابقة ولا أعظم من المشاهد والسيناريوهات التي سطرها الخالق عز وجل
لحال وأحوال أهل جهنم ... والندم حالة تصيب كل البشر ولا أحد يستثنى منها مما يؤكد
بالدليل الدامغ بأننا طالما أننا بشرا فهذا يعني أننا نخطئ ولا أحدا معصوما من
الخطأ والزلل لا حاكم ولا محكوم لا نبيا ولا رسولا لا عالما ولا جاهلا لا فقيها
ولا حكيما ... لكن الفرق بين مما سبق هو من يتعلم ويتعظ ومن يتقي الله في نفسه ومن
يرفض ويتمادى ويبطش ويطغى كلها مقاييس بشرية صرفة نستدل عليها في أول الخلق البشري
... فأبونا آدم عليه السلام ونحن جميعنا من صلبه ونسله كان رجلا ليس له عزم أي ليس
له قوة على مقاومة المعصية باستدلال قوله سبحانه في سورة طه { ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزمًــــا } ...
وأول ندم في كل التاريخ البشري كان ندم أبونا آدم وأمنا حواء عندما ضربهما شعور
الذنب والإثم بمعصيتهم لأوامر الخالق عز وجل وأكلا من الشجرة والقصة معروفة
ومذكورة في القرآن ... لكن أراد ربنا سبحانه أن يخبرنا بتلك التفاصيل حتى لا أحد
من المسلمين ولا من العالمين أن يعظّم من نفسه ولا يغتر { قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين }
الأعراف ... والله سبحانه قد يغفر للإنسان والناس لكنه لا يغفر للشيطان فالإنسان
قد يعود إلى رشده وصوابه قبل فوات الأوان ويعمل صالحا قبل مماته لكن إبليس أفرط في
حق نفسه وقضي أمره وأغلق باب رحمته وتوبته يوم أن عصى الله سبحانه أمام آدم وعظام
الملائكة ؟
الندم في حياتنا ليس أمرا بديهيا بل وانتبهوا ليس كل إنسان يمتلك نعمة
أو فضيلة الندم في حياته فهناك صنفا من البشر لا يعرفون الندامة وفي كل شر وذنب
ومكيدة يخلقون لأنفسهم الأعذار ... وتلك نفوس عظيمة الخبث تملكها الشيطان فأعمى
بصيرتها وصور لها عظمة لا وجود لها مثل بعض الحكام الطغاة يبطشون ولا يشعرون
يقتلون ولا يبالون يسرقون باستهزاء واستحقار الرعية ... ولو أراد الله بهم خيرا
لمنعهم ولأيقظ ضمائرهم لكنها علامات بأن الله طردهم من رحمته ولعنهم من فوق سبع
سموات فتركهم حتى يقضوا أجلهم ثم إلى قيامتهم يحاسبون وفي جهنم جزاء ما اقترفوه
... إذن الندم أمرا واقعيا حقيقيا مثبت الأدلة لا شك ولا ريب في الأمر وكأنها
غريزة بشرية يختص بها ربنا من يشاء من عباده عل وعسى أن ينجد الإنسان نفسه بنفسه
... ويأخذنا الموضوع للتوسع فنعكس الحدث على الواقع في العمل في المنزل في
العلاقات الزوجية في الصداقات في الحب حتى ... كلها أحداث ووقائع وواقع لا ينطبق
الندم فيها إلا بشرط وجود طرفين أو أكثر ولا يقع بطرف واحد بمعنى زوج طلق زوجته
فيشعر الزوج بالندم على ما فعل أو الزوجة بما أوصلت نفسها إليه ... والمدير عندما
يظلم موظف فيراجع نفسه فيعود لصوابه ويرجع الحق للموظف والشاري والبائع حياتنا
كلها هكذا تسير وفق تذبذب وأمواج بين التسامح وعدمه بين الذنب وعدمه والغالبية في
نظرهم لا يخطؤون ... لكن أصحاب الضمائر وأهل ليقين بالأخرة هم الأكثر محاسبة
لأنفسهم شبه يوميا ولذلك هؤلاء القلة تلقائيا تجدهم هم الأكثر استغفارا وحتى لو
عادوا إلى الذنب والخطأ فتجدهم أيضا يعودون إلى الإستغفار والإحساس بالذنب وإن
تعذبت ضمائرهم أو أصابهم الإرهاق ... ولأن الإنسان ضعيفا أمام المعصية بل لولا
المعصية لما كان من الإستغفار أي فائدة لأن ربنا سبحانه كل إسم له لم ينزله علينا
إلا وله آلية عمل واختصاص وهدف فإن دعوت ربك بالرزق ستقول يا رزاق ... وإن طلبته
بالصبر ستقول يا صبور وإن طلبته بالمغفرة فستستغفر وتقول يا غفار ويا وهاب ويا
حنان ويا منان وهكذا ؟
وفي موضوع قد كتبته ونشرته في مدونتي بعنوان "تخيلوا حياتكم
ستعيشونها مرتين" وبإسقاطه هنا فستعلمون أن من رحمة الله بخلقه منذ أبونا آدم
إلى قيام الساعة أن جعل الموت مرة واحدة ... ولو جعله مرتين أي تموت ثم في ثاني
يوما تعود إلى الحياة لفجرت البشرية بطغيانها وفسادها ولما كان للموت هيبة وعظمة
بل لسخر الناس من الموت سخرية السفهاء والجاهلين ولأنه مرة واحدة لذلك تجد له هيبة
في نفوس البشر ... ولا أحد يهون من الموت إلا الجنود الذين خاضوا حروبا ومعارك
فهؤلاء بالذات لا يهتمون للموت لأنهم شاهدوا المئات والآلاف يسقطون أمامهم فأصبح
الأمر لديهم هينا لينا لا يخافون ولا يرتعبون ... مثل الطبيب الذي يشرح الجثث في
الطب الجنائي فأنا وأنت وأنتي نخاف نرتعب نتوجس من لمس أو العبث بجثة ميت لكن
المختص لا يبالي لأنه عمله وتعود عليه ... نفس الأمر قارنوه بالندم فتنقطع العلاقة
بين طرفين ويشعرون بالندم ثم يقفزون إلى الدخول في علاقات أخرى وكأنهم ما ندموا
قبلا ويكررون نفس أخطائهم لا يتقدمون ولا يتطورون في سلوكياتهم ... إذن الندم خصلة
حسنة وعظيمة وفيها من النجاة وفيها من حسن التدبير بأن يطور الإنسان من نفسه من
سلوكياته من خلقه من حسن تعاملاته وهناك من لا يتعلمون ولا يريدون أن يتعلموا
وهؤلاء هم الأكثر خسارة في دنياهم على الإطلاق ... ومن كان الله معه فلا أحدا على
وجه الأرض يستطيع أن ينال منه لكن الله لا يقف مع المفسدين فأصلح من نفسك يصلح
الله لك شأنك ويكفيك شر وضر عباده حتى تلقى وجهه الكريم فيشملك ويتكرم ويتفضل عليك
برحمته التي لا يوجد عقل بشري يستطيع أن يستوعب عظمتها وجمال روعتها ؟
دمتم بود ...
وسعوا صدوركم