2024-10-26

جفاف العاطفة ما بعد سن الـ 60 ؟

 

في مجتمع العرب المليء بالأمراض الفكرية والثقافية وصولا إلى زماننا هذا والذي أصبح "العالم الإفتراضي - الإنترنت" بديلا أو هروبا من واقع أكثر إيلاما ووجعا ... يصل الرجل إلى سن الـ 50 سنة أو 60 سنة وهو فد اكتفى من خيبات الأمل وطعنات الغدر والخسة والخيانة من أقرب المقربين منه ... وفي الغالب تصل علاقة المتزوجين إلى علاقة الود والصداقة أكثر من كونها علاقة حب وزواج وعشرة ... وبنسبة 99% من كبار السن يعانون بصمت ويتمزقون بصمت ... وهناك مرحلتين من العمر لا يريد الإنسان منهما سوى الحنان وغفران أخطاءه وزلاته الغير مقصودة في فترة ما بعد النمو الأول بعمر ما بعد السنتين وحتى 14 سنة ثم مرحلة ما بعد الـ 50 أو 60 سنة ... ففي الفترة الأولى تعتبر انطلاقا لحياته وفي الفترة الثانية تعتبر تمهيدا لخاتمته ومماته ؟

في مجتمعنا العربي ذوو "العقلية المتخشبة" لدى الغالبية رسموا حدودا للرجل الكبير في السن فهو يجب أن يكون عابدا زاهدا من البيت إلى المسجد ومن المسجد إلى البيت دون تطوير حتى يموت ... يتزوج أخرى وهو في عمر الـ 60 فهذا محرم يسافر لدول شرق أسيوية فهذا انحرف على كبر يصادق فهذا دخل في الحرام الفاحش وغيرها من الأفكار ... لا يجب أن يمارس حياته بحرية مطلقة لأن هناك قوانين بطبيعة الحال وهذا البديهي في أي دولة لكن هناك سيف المجتمع الذي يُنظّر ويصدر أحكامه لمجرد النظر دون معرفة مسبقة مطلقا بواقع الأمر ... على سبيل المثال أحد المختلين عقليا التقط صورة لرجل في تايلاند لرجل يعرفه وهو برفقة بنات ... ولما عاد إلى الكويت أرسل الصورة لأخ الرجل الذي بدوره سأل أخاه عن من هؤلاء البنات ؟ ... رد الرجل على أخيه بأن هذا الأمر لا يعنيه وعليه أن يهتم بشؤونه الخاصة دون تدخلا بشؤون الأخرين ... ثم بعد 6 أشهر عاد الرجل من تايلاند وبعدها بليالي دعى أخاه على العشاء فلبى الدعوة وبعد العشاء أخذا يتجاذبا أطراف الحديث فقال له الأخ الذي كان في تايلاند ... "البنت الأولى كانت سكرتيرة عينتها لترتيب شؤوني ومستلزماتي من سيارة وتنقل وملابسي وغسيلها وطعامي أما الثانية فكانت الممرضة الخاصة بي وأما الثالثة فكانت الطبيبة التي أجريت لي عملية جراحية في كتفي دون أن أخبركم أو أخبر أي أحد وأنا من دعوتها على الخروج تقديرا لخدماتها" ... تلك الحكاية تروي لك ما يمكن أن يكون حقيقيا وما يمكن أن يكون زائفا وفي كل الأحوال الأمر لا يعنيك جملة وتفصيلا ... لكن العقلية العربية عاشت في خزعبلات أن كل شيء يعنيهم حتى أسرار الناس يجب أن يطلعوا عليها ... في مجتمعات يفرون من الثقافة العامة وتنظيف العقول وتحسين الأخلاق إلى متابعة مشاهير مواقع التواصل الإجتماعية للقال والقيل لأنها تتطابق تماما من تربيتهم وسلوكهم المجتمعي المليء بالسلبية ؟

حالة "السرية القاهرة" هي التي يعيش بها كل من بلغ من العمر 50 وما فوق دون استثناء للرجل أو المرأة ثم إذا ما وصلت المرحلة العمرية إلى 60 وأكثر تتأزم الحالة أكثر فأكثر تلك الحالة سببها "جفاف العاطفة" وتتلاشي الرعاية والحنان والإهتمام ... وهنا أنا أسجل واقعا أخر وهو أن المرأة تعتبر أكثر التزاما ورصانة من الرجل "بشكل عام" ليس من ذاتها بالمناسبة بل لأن لديها أبناء وأحفاد ومجتمع فرض عليها هذا الإلتزام الإجباري في منافسة أن تكون هي قبلة الجميع ومركز اهتمام الجميع أي وكأنها حكومة العائلة ... بعكس الرجل الذي وكأن سيارة وانتهى شحنها فيصل لدرجة لا يعنيه هذا ولا تلك ويفضل الخروج الدائم من المنزل أو الجلوس منفردا في المنزل في عالم جديد يصنعه لذاته وهذا على صعيد المتزوجين ... أما المطلقين فحتما الأمر أصعب وأكثر قسوة لأنهم اضطروا على التعايش مع الوحدة التي لها إيجابياتها وأيضا لها سلبياتها ... والقسوة في الوحدة تكمن بصراع الرغبات بتغيير الواقع لكن الظروف المادية لا تساعد على ذلك أو ضعف الشخصية التي دائما ما تكون مثبطة محبطة خوفا من أي حالة تغيير ... ولذلك قسوة المجتمعات العربية هي من أنتجت سلوك بشري شاذ يدعو للموت ولا يدعوا للحياة لأنهم قرروا أن الحياة للشاب حتى سن الخمسين وما بعده عليه أن يكون أفضل من سيدنا عيسى ابن مريم بدرجة الورع والتقوى والإيمان !!! ... جفاف العاطفة والوحدة هما العاملين الرئيسين اللذان من خلالهما قد يرتكب الكبار ممارسات خاطئة أو حمقاء أو يقعوا في أفخاخ المتربصين بهم ؟

للكبار أرواح حقهم أن يعيشوا حياتهم كيفما أرادوا وشاؤوا ومع من يريدون دون تدخلا من أحد ولا تأثير من محيطه والحياة تمنح الجميع حقه بالعيش الكريم والرفاهية المناسبة ولو كان في عمر الـ 80 وأكثر ... والثقافة المجتمعية عند العرب هي ثقافة قاتلة شاذة سيئة لا يوجد لها مثيلا في كل العالم ... ففي العالم لا أحد يتدخل بشؤونك بما فيهم عائلتك والمجتمع لا يعنيه من أنت أصلا ومن معك ولا يعنيه أنت كبير ومن معك كبيرة أو صغيرة ... تماما التناقض في مسألة المكياج فلو أجريت مسحا لمدة 3 أيام لا أكثر ستكتشف بكل أريحية أن ثقافة المكياج في الشرق الأوسط هي الأولى على العالم ودون منافس ... بعكس أمريكا وروسيا وشرق أسيا فإنهم لا يباهون بالمكياج ولا يغالون أولا لأنها مستلزمات تفوق قدراتهم المادية وثانيا لأن مجتمعاتهم لن تدقق بالمكياج بعكس مجتمعاتنا ولو كانت فقيرة فإنها تقاتل من أجل شراء المكياج ... تلك الثقافة العامة هي من جعلت كبار يفرون للعيش في أوروبا وشرق أسيا وأمريكا وأيضا في أمريكا الجنوبية ... توقفوا عن القيل والقال بالناس وأعراضهم وتوقفوا عن التدخل بخصوصيات الناس وأعراضهم وتوقفوا عن إطلاق الأحكام فقد تملككم الجهل لدرجة قد تودي بكم إلى التهلكة في جهنم ... ولا تفكر بالأخرين ولا تشغل نفسك بالأخرين فلا أنت ستحاسب عنهم ولا هم سيحاسبون بدلا منك ... أمة ثرثارة تعشق الثرثرة أكثر من العمل وتكره الثقافة ككرهها للموت فلا أنت تفقه في دينك ولا أنت تفقه في تاريخك ولا أنت تفقه في الثقافة العامة لكنك فقط تفقه بالتدخل في شؤون الأخرين وتصدر الأحكام عليهم وكأنك أحد ملائكة السماء المعصومين من أي خطأ أو إثم أو ذنب ... ولذلك واقع حالكم يقول لكم ولغيركم : أنتم تتعايشون ولا تعيشون ... أي حياتكم كلها اضطرار دون حرية قرار ؟



دمتم بود ...


وسعوا صدوركم