2024-10-03

الإنســــان .. لعنــة الأرض 3

 

بعد قوم أبونا آدم وهلاكهم بـ "طوفان نوح" ثم ولادة حضارة قوم عاد وفنائهم ثم ولادة حضارة قوم ثمود وفنائهم ... ظهرت حضارة بابل في العراق ثم ظهرت حضارة الفراعنة في مصر ... وما بين تلك الحضارتين من المهم أن نعرف كم كان تعداد السكان البشري آنذاك ؟ ... مع شديد الإنتباه أن كل الكرة الأرضية كانت فارغة خالية لا يوجد فيها أي جنس بشري مطلقا ... لأن الجنس البشري بدأ من "أبونا آدم وأمنا حواء" فقط وحصريا ثم سردت لكم بالترتيب ماذا حل بهذا الجنس البشري الأول وأقوامهم ... وإذ وصلنا إلى حضارة بابل والفراعنة فلا نزال محصورين في منطقة واحدة التي تقع ما بين "العراق واليمن ومصر" ولم تتمدد البشرية في تلك الحقبة في أيا من الأراضي البعيدة ... مع الظن والإعتقاد أن واقع التحليل يخبرنا أنه خلال الفترة ما بين العهد "البابلي والفرعوني" حدث ووقع التمدد في منطقة "أفريقيا & شرق وغرب أسيا & أوروبا" ... لأن التاريخ والأثار والحضارات تتحدث عن تواريخ متقاربة بعضها ما بعد بابل وبعضها ما بعد الفراعنة وبعضها ما بين هذا وهذا ولذلك من المهم أن نجلب "التقديرات السكانية التاريخية للجنس البشري" ... فيحدثنا علماء التاريخ وأساتذة علم الإنسان أمثال "جان نويل بيرابين – كولن ماك إيفيدي وريتشارد جونز - أنجوس ماديسون - ويسلي ستيفنسون" وغيرهم الكثيرين واضعين تقديرات سكانية لحقبات من الزمن القديم ما قبل التاريخ ... وتقديرا للأرقام ما بين "حضارة بابل" وما بين "حضارة الفراعنة" أي ما قبل 5.000 - 6.000 سنة قبل الميلاد أي ما بعد "طوفان نوح وقوم عاد وقوم ثمود" فإنه يقدر التعداد البشري بما لا يتجاوز 5 ملايين نسمة ... في بقعة مثلثية تربط كل من "العراق - اليمن - مصر" التي تضم اليوم في 2024 أكثر من 450 مليون نسمة مع وجود مساحة فارغة تشكل 70% من مساحة الأرض ... بمعنى أن السكان اليوم يجتمعون في مساحات صغيرة جدا جدا من وطنهم وعلى سبيل المثال الكويت المساحة المستغلة فيها لا تتجاوز 20% والسعودية 22% ومصر 21% وهكذا ... وهذه المسألة لها أسباب "سياسية اقتصادية" بنسبة 100% وليست مسألة أمنية أو مشكلة بشرية على الإطلاق ... ومن مثلث "العراق - اليمن - مصر" قبل 10 آلاف سنة و 7.000 سنة إلى تمدد خارج نطاق السيطرة في "بلاد الشام واليونان وروما وبريطانيا والأقليات الإسكندنافية والهند وبلاد فارس والحبشة في أفريقيا إلخ" ؟
خرجت تقديرات لسكان "حضارة بابل" والتي تراوحت التقديرات ما بين 10 آلاف نسمة وبعض المصادر ذكرت أنها لا تتجاوز 200 ألف نسمة ... أما "حضارة الفراعنة" فالتقديرات ذكرت أنها لا تتجاوز 100 ألف نسمة ثم بعد 2.000 سنة قفز العدد إلى مليونين نسمة ... ومن هنا نستطيع أن نقول أن البشرية في تلك الحقبة "البابلية الفرعونية" بدأت البشرية بالإنطلاق والتوسع ... طلبا للرزق أو بحثا عن الطعام والأراضي الخصبة أو هربا من ملوك بابل والفراعنة وجبروتهم أو لأي أسباب أخرى ... وبكل تأكيد "بني إسرائيل" سيكونون محطتنا وبالخط العريض قد حدث صراعين أو تمردين ... الأول : ما بين رسول الله موسى وأخيه هارون مع فرعون الذي هو "رمسيس الثاني" وهناك مصادر تقول أن فرعون هو ابن رمسيس الثاني "مرنبتاح" ... والثاني : ما بين موسى وقومه من بني إسرائيل ... ومن المهم أن تعرفوا أن "بني إسرائيل" لم يؤمنوا بالله عن قناعة وإيمان ولم يتبعوا رسول الله موسى وأخيه هارون عن اقتناع وإيمان بل كانت مسألة ظرفية صرفة ... بمعنى لم يجرؤ أحدا قط على الوقوف أمام طغيان فرعون ولم يستطيع أحد أن يواجه القبضة الأمنية لجنود فرعون سوى "موسى وهارون" حصريا ... والدليل من سورة يونس { فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم } ... وبدليل أخر على أن بني إسرائيل لم يؤمنوا عن قناعة فقد أرسل الله سبحانه لهم رسول ثاني لهم من بعد "موسى وهارون" مباشرة في نفس الحقبة الزمنية فكان "عيسى ابن مريم" والسيدة مريم هي أخت "موسى وهارون" ... ومن هنا نستنبط الحقيقة أن موسى قد تعرض لخيبات أمل وإحباطات لا تعد ولا تحصى من قومه من بني إسرائيل ... هم ذات القوم الذين كان فرعون يسوقهم سوق النعاج ويستعبدهم رغما عنهم { وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين } الصف ... وهنا نحن أمام مشهد خامس من تمرد البشرية على الله سبحانه "ذرية أدم الأولى ثم قوم عاد ثم قوم ثمود ثم فرعون ثم بني إسرائيل" ... فالفراعنة لا حاجة لسردهم فتاريخهم معروف ولا أشهر ممن أن جعل الله من جسد فرعون معجزة وأية لكل حاكم ظالم طاغية حتى يتعظ من بعده { فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون } يونس ... حتى أنهم من فرط عصيانهم كانوا ينادون رسول الله موسى بـ "الساحر" { وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون } الزخرف ... أما بني إسرائيل وهم أقدم أمة عبيد عرفها التاريخ البشري على الإطلاق فهؤلاء قوم لا عهد ولا ذمة ولا أمان لهم باستدلال آيات الله فيهم والتي ذكروا فيها بأكثر من 40 مرة ... تجاسروا على الله { وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة } البقرة ... وزوروا التوراة لتنشط مبيعات التوراة بين عوامهم لكن بنسخ كاذبة مزورة { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون } البقرة ... وقال الحاخام "فنحاص بن عازوراء" إن الله فقير ونحن الأغنياء فنزل قوله سبحانه فيه { لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد } آل عمران ... انظر حدث كل هذا وأكثر وبني إسرائيل "اليهود" قد شاهدوا بأم أعينهم والبحر ينشق أمامهم بمشهد عظيم لم ولن يحدث في التاريخ حتى يجدوا منفذا للهروب والنجاة من فرعون وجيشه ورأوا بأم أعينهم كيف هلك جيش فرعون العظيم ومع ذلك تمردوا على الله ؟
أما ما حدث مع رسول الله "عيسى ابن مريم" فهي حالة من حالات التمرد على الخالق سبحانه وتعالى رغم عظمة المعجزة التي لم ولن تحدث في كل التاريخ البشري وحتى قيام الساعة ... فكيف طفلا في المهد ابن بضعة ليالي وأيام يتحدث بصوت واضح وجلي وينطق بفصاحة كبار الحكماء { فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أين ما كنت ‎وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا } مريم ... وقد تضاربت دعوة "عيسى ابن مريم" مع تجار الدين من يهود بني إسرائيل وهذا التصادم أدى إلى مناظرات كثيرة أدت إلى زعزعة الشعب بمجلس اليهود الكبير باعتباره "المحكمة العليا للأمة اليهودية - السنهدريم" في أثناء الإحتلال الروماني لبلاد الشام بشكل عام والقدس بشكل خاص ... بدأ التصادم بين عيسى أولا مع فرقة "الصدوقين" ثم مع فرقة "الفريسيين" وكلاهما فرق دينية متطرفة كل وله اعتقاده بالأخرة ... فوصل التصادم مع الكهنة والوعّاظ حتى وصل الأمر إلى أسماع وعلم الكاهن الأعظم لبني إسرائيل وكان "قابل قيافا" وكان شخصية قوية جدا بين أوساط اليهود وصارما في الديانة اليهودية وهو من حاكم "عيسى ابن مريم" والقائل في مجلس "السنهدريم" : أن يموت رجل واحد عن الشعب خيرا من أن تهلك الأمة كلها ... لكنه لم يكن يملك سلطة القتل فأبلغ الحاكم الروماني في القدس "بيلاطس البنطي -Pontius Pilatus" الذي أمر بقتل "عيسى ابن مريم" ... أما "الحواريون" فهم لم يكونوا سوى بضعة افراد لا يتجاوزون الـ 12 فرد ممكن أمنوا لعيسى ابن مريم وأسلموا لله سبحانه { فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون } آل عمران ... ومن المهم جدا أن يعرف ويدرك الجميع أن قبر "عيسى ابن مريم" وفق العقيدة المسيحية هو الصحيح لكن وفق الباحثين في التاريخ المسيحي وعلم الأثار فالقبر الحالي الواقع في "بيت المقدس" في "فلسطين المحتلة" فهذا خطأ جملة وتفصيلا بل وليس بالمكان الذي لا قتل ولا صلب فيه حسب اعتقادهم ولا يزال هناك تضارب بين 3 مواقع كل فريق يظن ويعتقد أنه مكان قبر المسيح وصلبه ... وكذب من قال أن الديانة المسيحية تفجرت بعد صلب عيسى بـ 10 أو 20 سنة فالحقيقة الثابتة تثبت أن مجرد ذكر إسم "عيسى ابن مريم" أو أقواله أو أي شيء عن سيرته فكانت عقوبة ذلك هي الإعــــدام واستمر هذا الحال لأكثر من 100 أو 140 سنة بسبب قوة ونفوذ وسلطة "السنهدريم - اليهود" ... وبالتالي فرعون وقومه قالوا عن رسول الله "موسى ابن عمران" أنه ساحر واليهود قالوا أيضا عن رسول الله "عيسى ابن مريم" أنه ساحر وأيضا رسول الله "محمد ابن عبدالله" اتّهم بالسحر ... { ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون } البقرة ... أما "السيدة مريم" فقد توفيت بعد حادثة ابنها عيسى بـ 5 سنوات عن عمر يناهز 53 سنة وهي مطمئنة أن من صُلب وقتل ليس ابنها يقيناََ ؟
هل الأمر توقف وبقي على الأنبياء والرسل وكل ما سبق ؟ ... كلا وأبدا بل التمرد والكفر وصل إلى صلب وسلالة الأنبياء والرسل وهذه من المفارقات العجيبة التي نقف أمامها حائرين مندهشين وفق عقليتنا اليوم ... بمعنى أكثر دقة لا يعني أن جدك "إبراهيم الخليل" عليه الصلاة والسلام يعني بالضرورة أن تكون مؤمنا أو حتى مسلما ولا يعني أن تكون امرأة زوجة نبي أو رسول يعني أنها مؤمنة أو مسلمة ... وهذا ما اتضح لنا من خلال القراءات والبحث المستفيض بالكشف عن حقائق صادمة أن هناك من أبناء وبنات وزوجات الأنبياء والرسل من كانوا كافرين جاحدين ناكرين وفاسقين وبالتأكيد ملعونين ولا يعني أن تكون من ذرية أو سلالة آل البيت عليهم السلام يعني أن تكون صالحا أو سويا ... باستدلال { ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثيـــر منهم فاسقـــــون } الحديد ... { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم } التوبة ... { قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين } هود ... { ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهمـــــــا فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين } التحريم ... ناهيكم عن أبن نوح العاصي الذي رفض نصيحة والده بالإضافة إلى مكر وخبث أخوة يوسف عليه السلام كيف صنعوا ودبروا قصة مقتله وهم أبناء "يعقوب ابن إسحاق ابن إبراهيم" عليهم الصلاة والسلام ... وما سبق من استلال يتبعه يقين عن حالنا يوم القيامة التي لن ينظر للإنسان إلا وفق ما عمله في دنياه دون النظر مطلقا من هو أبوك أو أمك أو نسلك وسلالتك في الدنيا ... { لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير } الممتحنة ... { فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون } المؤمنون ... تلك القاعد من التحليل للسلوك البشري لتؤكد أن مسألة الصالح من الطالح ليست مسالة نسبية أو ظرفية حسبما نعتقد جميعنا مكررا بل هي فطرة أي يولد الإنسان طفلا بريئا ثم يتطبع بشيطنة أهله وذويه أو يتأثر بأحد منهم فيتحول البريئ إلى وغد ... الأمر الذي أخبرنا به ربنا سبحانه وتعالى بوقائع وحقائق دامغة لا تقبل الشك عن أحداث تعرض لها خاصة الله في الأرض للخيانة والغدر والكذب ومن الطبيعي أن تغوص في أعماق شخصية هؤلاء الأنبياء والرسل الكرام لتحلل مدى حزنهم وجراح قلوبهم العميقة نتيجة لتلك الخيانات الموجعة القاسية بطبيعة الحال ... وينسحب على ذلك أن ربكم جل علاه لم يتوقف عند هذا الأمر بل قد حذركم أنا ما أصاب الأنبياء والمرسلين قد يصيبكم أنتم دون النظر مطلقا من أنت وأيا تكن وفي أي وقت وأي زمان كنت فيه ... { يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم } التغابن ؟
ومن هنا نأتي على نهاية "التحليل المختصر" للسلوك البشري منذ أبونا آدم إلى الأنبياء والمرسلين في حقبات عديدة استعرضتها معكم ... ثم نأتي على السلوك البشري في حقبة "محمد ابن عبدالله" عليه الصلاة والسلام ... ومتغيرات العالم التي حدثت في زمانه وما بعد زمانه لنحلل سلوك هذا المخلوق الذي لا تعرف ماذا يريد من هذه الدنيا رغم آلاف العبر وآلاف العظة وآلاف الأدلة لكنه يأبى إلا أن يسير في ظلمه وغيه وطغيانه وهوياته باستعباد الأخرين من بني جنسه وخلقه ... هذا ما سوف نكشفه في الجزء القادم بمشيئة الله ؟


دمتم بود ...