ذهبت بالأمس إلى المقبرة لتشييع جثمان الإعلامي الكويتي القدير الراحل / أحمد عبدالعال ... فعادت ذاكرتي مباشرة إلى أيام الغزو العراقي الغاشم ؟
شاءت الأقدار بأن تجمعني مع هذا الرجل العملاق أثناء الغزو العراقي الغاشم على دولة الكويت عشرة ومأكل ومشرب في مكان وبيت واحد ... عرفته بحكم أن ابنته السيدة الفاضلة / لمى أحمد عبدالعال كانت جارتي في منطقة سلوى ؟
حدث الغزو وتطورت الأحداث بشكل دراماتيكي فخرج نظام الحكم من الكويت متجها إلى المملكة العربية السعودية في أول ساعات الغزو العراقي الغاشم ... ثم لحقته الحكومة والتي كانت تمثل الشرعية الكويتية ... وما هي إلا أيام وأسابيع قليلة حتى فـــر نعم فروا أي هربوا يعني بالكويتي ( انحاشوا ) من الكويت أكثر من ثلثي الكويتيين ... وبقي في الكويت الصامدون الذين عاصروا الأزمة وكارثة الغزو من أول يوم إلى أخر يوم ... وبلا شك وبالتأكيد بأن هناك الكثيرون من المقيمين الخونة ... لكن أيضا كان هناك أيضا الأبطال منهم والشرفاء الذين ضحوا بحياتهم من أجل مساعدة الكويتيين الصامدون وقتها ... ولا ينكر هذا الأمر إلا كل جاحد وناكر للمعروف والجميل وعديم الضمير ؟
اشتدت أزمة الغزو العراقي وتتناقل وكالات الأنباء والأخبار عن موعد تحرير الكويت من براثن الغزاة العراقيين ... وكما هو معروف في أيام الغزو أن أي كويتي يعمل عسكري أو في جهة حساسة من سابع المستحيلات أن يقيم في منزله أيا تكن وظيفته أو رتبته أو حجمه في العمل ؟
عرضت علي السيدة الفاضلة لمى ابنة الراحل أحمد عبدالعال بأن أنتقل معها ومع زوجها الفاضل إلى منزل والدها المرحوم أحمد عبدالعال ... وبعد إلحاح وبعد ما فرضته الظروف آنذاك لم أجد بدا من الرضوخ لهذا العرض الكريم ؟
المرحوم أحمد عبدالعال كان يسكن في شقة في الدور الثاني إن لم تخني ذاكرتي مع زوجته الإعلامية الراحلة السيدة / منتهى شكري ... وصاحب المنزل كان من قبيلة العوازم ممن خرجوا من الكويت فترك المنزل بكل ما فيه أمانة لدى الراحل أحمد عبدالعال ؟
جلست في هذا المنزل أكثر من 45 يوم على ما أتذكر ... لا يمكن أن أصف أحداث تلك الأيام ... لكن وجودك مع أحمد عبدالعال في هذا التوقيت لا شك بأنه مكسب مع رجل سرد لي الكثير الكثير من الحقائق والوقائع والأحداث التي كان هو شاهد عليها ... بالإضافة إلى سيرته منذ ولاته إلى يوم سرد حديثنا معا بتفاصيل من سابع المستحيلات أن يعرفها الإعلام أو حتى أن تخرج للصحافة ... رجل يحمل إرثا من الثقافة والعلم ما يجعلك تحترمه رغما عنك ومهما كانت أخلاقك لا تملك إلا أن تقف أمام هذا الرجل باحترام وباقتدار ... رجل يملك مكتبة كتب لن تنتهي من قراءتها إلا بعد 30 عاما على الأقل ... رجل كريم مضياف أصيل فورث أبناؤه الأخلاق العالية الرفيعة والأدب الجم والتواضع الحسن والكرم وحسن الضيافة بجدارة متأصلة من رجل عريق ... رجل أفنى حياته بالعطاء للكويت ورفض أن يخرج بالرغم من النداءات التي وصلت إليه وبالرغم من إمكانية خروجه بسهولة من الكويت إبان الغزو ... لكنه رفض رفضا حاسما قاطعا وكأني أتذكر مقولته عندما قال لي :
الكويت التي أكرمتني وكبرتني لا يمكن أن أخذلها حتى لو كانت حياتي هي الثمن ولو كانوا أبنائي أيضا هم الثمن فإما أن نموت بكرامة هنا وندفن هنا أو نعيش بعز هنا ... أنتمسك بها في عزها ونخذلها في شدتها مستحيل ؟
الكويت التي أكرمتني وكبرتني لا يمكن أن أخذلها حتى لو كانت حياتي هي الثمن ولو كانوا أبنائي أيضا هم الثمن فإما أن نموت بكرامة هنا وندفن هنا أو نعيش بعز هنا ... أنتمسك بها في عزها ونخذلها في شدتها مستحيل ؟
في المنزل الذي كنا نعيش فيه كانت ابنته لمى هي من كانت تدير المنزل إدارة ناجحة ... وكان معنا بعض من أقارب الراحل وهم أفاضل كرام ونعم العشرة عشرتهم هذا بالإضافة طبعا إلى وجود زوجته الراحلة الإعلامية الإذاعية القديرة / منتهى شكري ... ونبيل وهو ابن الراحل كان وقتها في الولايات المتحدة الأمريكية ؟
نعم ذهبت بالأمس لتشييع جثمان الراحل فهزتني ذكريات الغزو بشكل جعلني أتوقف بسيارتي على جانب الطريق لنصف ساعة وأنا صامت وأتذكر أحداث وأحداث !!!
هل يحتاج الفقيد الراحل أحمد عبدالعال إلى سرد سيرته الذاتية ورحلة عطائه ؟
بالتأكيد كلا ... فمجرد ذكر اسمه تلقائيا ستعرف أنك ذكرت اسما مرتبط بالإعلام الكويتي القديم العريق سواء بالإذاعة أو التلفزيون ... يكفي أنه اسما عاصر حقبة حكام الكويت وحكوماتها وإعلامها ابتداء من الشيخ عبدالله السالم وصباح السالم وجابر الأحمد وسعد العبدالله رحمهم الله وصولا إلى حقبة سمو الأمير الحالي صباح الأحمد الصباح – حفظه الله ورعاه ؟
الغزو العراقي الغاشم جعلني أتأكد بنفسي من بعض المقيمين والبدون أن لهم ولاء للكويت يفوق ولاء بعض الكويتيين أنفسهم بشكل يفوق الوصف وهذه حقيقة وأمانة أنقلها وأنا شاهد عليها .
السؤال : هل وجد أحمد عبدالعال التكريم الذي يستحقه ؟
كلا طبعا لم يجد ... ومع الأسف هذا هو حال كل عظماء الكويت قدرهم بأن يتم تجاهلهم من قبل مسئولين ماتت ضمائرهم منذ وقت طويل ومن يموت ضميره ينعدم إحساسه تلقائيا ومن يصل إلى تلك المرحلة بالتأكيد لا يستحق منا أي تقدير وأي احترام ؟
رحمك الله يا بو نبيل وأسأله سبحانه بأن يسكنك فسيح جناته وأن يلهم أهلك وذويك الصبر والسلوان وعظم الله أجركم وأحسن الله عزاكم
دمتم بود ...