2016-10-08

خوازميـــة العقـــل ؟

أول سؤال سألته في نفسي هل الشر في الإنسان طبع أم صفة ؟
صفة أي خلقت ووجدت معه هذه الصفة ... الطبع هي أداة توجد مع الإنسان حسب تربيته وبيئة معيشته وحسب تأثره بمحيطه أو محيط أصدقائه أي أن المسألة إقناع واقتناع ... لذلك عندما تحلل مقتل هابيل لأخيه هابيل ستكتشف أمورا كثيرة فهي أول جريمة قتل عرفها الإنسان منذ الخليقة ... ويقول الحق سبحانه { فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين } أي صورت له نفسه ... هنا يجب أن نتوقف مليا ونحلل كلمة { فطوعت} فكيف بدأ هابيل بالتحليل بعقليته الجاهلة المنعدمة آنذاك ... إذا النفس وجماحها واندفاعها أو التحكم فيها كلها مرتبطة بالعقل ... العقل الذي فكر وحلل ثم اتخذ قرار بالقتل فأقدم على الفعل وبعد أن ينتهي من الفعل يعود الفكر لصوابه لأن أصل المشكلة قد انتهى ... إذن العقل هو الأصل في الإنسان وهو العقل نفسه الذي أوجد الخلاف والنقاش ما قبل إعمار الأرض بين الخالق عز وجل وبين إبليس والإنسان والملائكة ... نعم خلاف وجدال بين الله الذي ليس كمثله شيئا وبين أنواع من خلقه وهو إدراك أو رسالة منه سبحانه لتبيان مدى حلمه ( الحليم ) ومدى صبره ( الصبور ) ومدى رحمته ( الرحيم ) بتفعيل أدوات ومعاني أسمائه الحسنى ... والأمر أكبر من أني أشرحه بتفصيل وتوصيف وأدلة بتحليل يستحق ... نعود لموضوعنا فيكون العقل هو مركز القرار للإنسان في كل وأي شيء في أكله وشربه وملبسه وحاله بخيره وشره ... وصولا إلى غرائزه الفطرية الخوف من الموت والشهوات المتعددة وعشقه للحياة والكثير من الصفات ... إذن الشر طبع وليست صفة ؟

حدد العلماء مهام ووظيفة العقل بالتفكير والإدراك والتحليل والتنبؤ والتخيل والابتكار والتخزين والتذكر والنسيان ... بالإضافة إلى التحليل ومعرفة الفروقات بين السمع والبصر واللمس والتذوق والشم كلها تعطي مؤشرات ما قبل وبعد الحدث ... فمثلا تسمع صوتا بعيدا تقترب فيتأكد يقينك بأنه صوت وتحدد نوعه ومصدره قس على ذلك باقي الحواس ... لكن أيضا هناك عجز عند الإنسان لمؤشرات الواردة إلى المخ بشأن مستوى ضغط الدم ومستوى السكر في الجسم وما إلى ذلك إلى عوامل أكبر من أنه يستكشفها أو يشعر بها قبل وقوعها ... وكمعلومة عامة فمثلا العين لها دقة عدستها 576 ميجا بيكسل والنساء لديهن قدرة تمييز 10 ملايين لون إضافي والعين تستطيع التقاط أكثر من 500 لقطة في الثانية الواحدة ... إذن هناك خلقا عجيبا باهرا هو من صنع الخالق جل علاه من سابع المستحيلات أن يصنع الإنسان خلقا مماثلا ؟

إن الغريب في الأمر بل المستنكر في الأمر هو أنه خلق الإنسان بتفضيل مميز وبتكريم أكثر من رائع من رب العالمين سبحانه ... فالله فضل الإنسان على جميع خلقه بل وفضل الإنسان حتى على الملائكة أنفسهم وعلى إبليس اللعين وعلى الحيوانات وخل ومخلوقات لا نعرف عنها شيئا إلا من خلقها وأوجدها سبحانه ... فيصر بعض البشر على أن يكون غبيا أو جاهلا متعمدا فيمنح أكبر نعمة لديه وأرفع قيمة لغيره فيمشي كدواب الأرض أو كالعبيد المملوكين خلف من سلمه عقله ؟
كانت أمما قبلكم تعيش جهلا وماتت جهلا وأمما صنعت علما وحضارات ثم جائت من بعدها أمما سحقت علمهم ودمروا حضاراتهم ... أمما كان لا يوجد لديها مثل أجهزتكم وتطور عالمكم وما تملكه أياديكم التي بسبب تقرؤون كلماتي هذه ... ولا يوجد لدهم تكنولوجيا تجعلهم في ثواني يرسلون رسالة لأي مكان على وجه الأرض خلال أقل من 5 ثواني ولا اتصال أينما كنت ... أمما كانت تعتمد على السمع لا غير تتلقف الأخبار من القادمين إليها أكانت أخبارا أو شعرا أو علما أو فنا أو بضاعة ... فإن وقع من وقع فيهم بالجهل والسفاهة فلا لوم عليه لأنه من قوم يسمعون ولا يفقهون ... لكنكم أنتم اليوم ما هي حجة جهلكم والكرة الأرضية بأكملها بأياديكم وأجهزتكم ووصلت إلى تحت أقدامكم ؟ لا حجة لكم بل أنتم أكثر أمة في زماننا هذا ستحاسبون يوم القيامة ... فلا عذر لمن لا يعلم ومن لا يقرأ ومن لا يرى ومن لم يسمع ؟ 
الخوارزمي : هو أبو عبد الله محمد بن موسى الخوارزمي من بلاد فارس ولد ما بعد الـ 100 للهجرة ... وهو من أوائل علماء الرياضيات المسلمين حيث ساهمت أعماله بدور كبير في تقدم الرياضيات ... عمل لدى الخليفة العباسي المأمون وعمل في بيت الحكمة في بغداد وكسب ثقة الخليفة وولاه المأمون بيت الحكمة كما عهد إليه برسم خارطة للأرض عمل فيها أكثر من 70 جغرافيا ... وقبل وفاته في 850 م - 232 هـ كان الخوارزمي قد ترك العديد من المؤلفات في علوم الفلك والجغرافيا ومن أهمها كتاب الجبر والمقابلة الذي يعد أهم كتبه وقد ترجم الكتاب إلى اللغة اللاتينية في سنة 1135م وقد دخلت على إثر ذلك كلمات مثل الجبر Algebra والصفر Zero إلى اللغات اللاتينية ... رجل عرف قيمة عقله فأصبح إسما له صدى مخلدا وحتى في لغة البرمجيات وأرقامها المعقدة أطلق على عمليات في غاية الذكاء والدهاء بالعمليات الخوارزمية لشدة تعقيداتها وفنها وكم ذكائها ... فيا ترى متى تعرفون نعمة العقول ؟ 

لذلك وبعدما سبق اعلموا أن ربكم منحكم عقلا لا تساويه كل كنوز الأرض ولا تساويه كل عروش حكام وسلاطين الدنيا من هو ما فيه من مميزات السواد الأعظم لم يكتشفها بعد ... فلم سلمتم عقولكم لغيركم ولم ارتضيتم الضعف والهوان بعدما خدعكم من خدعكم بأكاذيب وخزعبلات جعلت منكم لا تفقهون شيئا وأنتم الأصل أن تفهموا كل شيء لأنه ببساطة هذا هو حقكم ... نعم حقكم بأن تفكروا وتحللوا وتستبينوا وتبحثوا وتقتنعوا ثم تكتشفوا أن قناعاتكم كانت باطلا وتتغير قناعاتكم للأفضل والأحسن ... وليس للأسوأ الذي جعل البعض منكم إمعة لا يفقه ما يقول وعقله هواء فاسد بمعتقدات ملأها العفن أثرت على القلب الذي امتلأ سوادا وكرها وحقدا وكأن بعضكم مخلدون في الأرض وما أنتم كذلك ؟
استفيدوا من نعمة العقل فلم يبقى لكم من الوقت الشيئ الكثير


دمتم بود ...

وسعوا صدوركم