لا داعي لتعريف ولادة وتاريخ تنظيم "حزب الله" لأنها مقدمة متوفرة على مواقع الإنترنت ... لكن ما يهمنا هو كيف سقط هذا التنظيم الأكثر تعقيدا والأكثر تنظيما بين كل التنظيمات المسلحة ... "حزب الله" مارس ألاعيب سياسية وإعلامية اقتبسها من إيران من خلال لعبة التصريحات وبث المقاطع ... هي ذات سياسة إيران التي كانت تهدد علنا دول الخليج والولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني تلك السياسة بكل تأكيد انطلت على الجميع ... والحقيقة التي تكشفت بعد سنوات طويلة من الخداع أن حتى "حزب الله اللبناني" خدعته إيران وغدرت به وتركته يواجه مصيره لوحده ... وأن كل الشعارات التي كان يعيش عليها حزب الله لم تكن سوى فقاعات هواء لا تغني ولا تسمن من جوع ... بدليل أن الحزب اليوم قد انتهى عسكريا وأمنيا لا بل وانتهك حتى شرفه وقيمه ومبادئه جهارا نهارا ... ولا دليل أكثر من شهادة وتصريح الرئيس اللبناني "جوزيف عون" الذي صرح في 18-11-2025 تصريحه التاريخي قائلا "الحزب بشقه العسكري انتهى يأتون إلي وهم يدركون هذا الواقع وهذه النتيجة لكنهم يحرصون على نهاية مشرفة وعلى مخرج لائق وهذا تماما ما نسعى إلى إنجازه" ... حزب الله قتلته نرجسيته التي وصلت لدرجة العمى وضيعه تبعيته العبودية لإيران وكسبدته خسائر كارثية قراراته الخاطئة في سوريا ؟
من الناحية النظرية والمنطقية والسياسية والعسكرية كلها تجمع وتؤكد أن محور إيران في الشرق الأوسط والمكون من "إيران - العراق - سوريا - لبنان - اليمن" يقينا لا يمكن هزيمته لا بل وهذا ضربا من الخيال وفق استراتيجية "توحيد الجبهات" وقياس وحساب مساحة الأرض ... تلك الإستراتيجية شاهدانا عندما بدأت الثورة السورية في 2011 فهب "وكلاء طهران" في "لبنان والعراق واليمن" لنصرة النظام السوري البائد فكانت حربا ضروسا لا بل كانت حربا طائفية بامتياز ... ومن ثم خرجت أصوات طائفية وغير طائفية وحتى من العقلاء في لبنان كانوا يخاطبون حزب الله اللبناني من أبناء وطنهم بأن "لا تتدخلوا في سوريا وهذا شأني سوري ولا تقحموا لبنان في الأمر وانظروا للمستقبل وللأبعاد السياسية التي ستنعكس علينا" ... ومن هنا رصدنا ولادة حالة من النرجسية المفرطة لدى حزب الله وقراره العقائدي والسياسي من خلال خطاباته التي لم يترك أحد إلا وطالته نرجسية الحزب ... ولأن حزب الله تدخل في سوريا بأوامر مباشرة من أسياده في طهران فمن الطبيعي أن تتحول سوريا إلى ساحة حرب عقائدية وطائفية وسياسية ... ومن العجيب في هذه الحرب التي لم يبقى أحد لم تطأ قدمه هناك حتى أن هناك قوات عسكرية من "كوريا الجنوبية والشمالية والصين وأفغانستان وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا" وغيرها خاضوا عمليات عسكرية هناك كقوات حكومية رسمية من جيوشها أو من خلال قوات مرتزقة دخلت في الصراع والحرب من أجل العقيدة أو المال ... في تلك الفوضى العارمة والتي في غالبها تمت بتمويل من "بعض دول الخليج" يقينا حدثت مجازر بشرية وجرائم ضد الإنسانية يندى لدها الجبين لم ترحم لا امرأة ولا طفل ولا شيخا ولا وجود أصلا لكلمة "الإسلام والمسلمين" في هذه الحرب لا من قريب ولا من بعيد ... ليكتشف الجميع أن استراتيجية "توحيد الجبهات" كان القصد منها حرق الأموال العربية وقتل الأنفس المسلمة البشرية وتدمير الأوطان دون أدنى إزعاج لـ "الكيان الصهيوني" الذي كان على حدود الجميع وبالقرب من الجميع ولم يجرؤ ابن أبيه على إزعاجهم بطلقة واحدة ولا يوجد ذوو شرف تجرأ على أسياده في تل أبيب ؟
نرجسية حزب الله الذي قتلته هي التي أعمت بصيرته في ذات الوقت لأن الغرور بطبيعة الحال يعمي البصيرة حتى لو كانت الحقيقة أمام عينيك ... ليبدأ تسلسل الأحداث في أول حدث استثنائي على الإطلاق عندما اندلت معركة "7 أكتوبر" والتي اقتحمت قوات من غزة إلى الأراضي المحتلة وحدث ما حدث ... فكانت إيران تتفرج وحزب الله يتحرك بمناوشات لم تحقق أذى بليغ في الكيان الصهيوني لتخفيف الضغط عن غزة وإيران كعادتها لا تجيد سوى التصريحات والشعارات والمليشيات التابعة لإيران في سوريا وقفت تتفرج والمليشيات العراقية التابعة لطهران وقفت تتفرج وحوثيين اليمن يطلقون التصريحات ... وكانت في أول سنة التي من خلالها أدركت أمريكا والكيان الصهيوني أن استراتيجية "توحيد الجبهات" لم تكن سوى شعار من هرطقات إيران كعادتها ... الأمر الأخر والأهم أن إيران وكل ميليشياتها التابعة لها في كل مكان أدركت يقينا أن "جحش سوريا - بشار" كان يتلاعب بهم ورفض رفضا قاطعا فتح أي جبهة حرب أو مقاومة ضد الكيان الصهيوني ... هذا الرفض الذي يرقى لحالة الخيانة الذي لا يقبل الشك كان يجب أن يواجه بانقلاب سريع وكاسح ليتم استبدال "بشار بأخيه ماهر" حتى لا ينهار محور المقاومة والذي بدأ الجميع أنداك يتحدثون حول حالة من الخذلان السوري لغزة رغم وجود كافة القوات والإستعدادات العسكرية لمثل هذا اليوم ... وهنا أشعل ضوء أخضر ثاني لدى الكيان الصهيوني أن "محور المقاومة" لم يكن سوى من خزعبلات إيران المعتادة التي انطلبت حتى على أتباعها ؟
تلك المعطيات شجعت الكيان الصهيوني على أن يجرب حظه فقامت بقصف السفارة الإيرانية في طهران في 1-4-2024 ثم انتظرت إسرائيل ردة فعل إيران ... ولم يحدث شيئ كالعادة سوى التصريحات والتهديدات رغم أن السيادة الإيرانية قد انتهكت جهارا نهارا والقانون الدولي 100% مع إيران إلا أن طهران ارتعبت من الخوف ... وأطلقت حزب الله ليرد عنها وتصريحات نارية من المليشيات العراقية "الكوميدية" بطيعة الحال ومن "حسن نصرالله" ومن "عبدالملك الحوثي" مجرد هرطقات تهديدات شعارات وخطابات بالساعات !!! ... هنا اشتعل الضوء الأخضر الثالث لدى الكيان الصهيوني أن إيران خائفة وأن التافه "جحش سوريا" قد باعهم ولا يجرؤ أن يفتح جبهة مقاومة ضدهم وأن حزب الله يجب أن يلقن درسا قاسيا وهو الذي كان يتباهى بنرجسية مفرطة بخطة اجتياح منطقة "الجليل الفلسطيني المحتل" طيلة سنوات ... فكانت ضربة البيجر في موجة 17- 18 من شهر 9-2024 أدت إلى مقتل أكثر من 40 قيادي وإصابة أكثر من 3.000 عنصر من حزب الله ... وبدلا من أن يرد حزب الله سريعا وبشكل عاصف وحقيقي خرج أمينه العام "حسن نصرالله" في خطاب كالعادة من الفقاعات والتبريرات وعلامات الهزيمة ترسم وجهه ... هنا أدرك الكيان الصهيوني أن حزب الله كسر ظهره عسكريا ولم يبقى له إلا ضرب أعمدته وأساساته والتي نجحت إسرائيل نجاحا باهرا باختراق حزب الله عن بكرة أبيه ... وفي ظل الفوضى التي يعيش فيها الحزب أنذاك بسبب "ضربة البيجر" أدخلت قواتها من النخبة إلى قلب الضاحية الجنوبية معقل حزب الله ونفذت عملية نوعية استثنائية أدت إلى اغتيال "حسن نصرالله" في 27-9-2024 أي بعد 17 يوم فقط من "ضربة البيجر" وبعدها مباشرة بـ 6 أيام تم اغتيال الأمين العام لحزب الله الجديد "هاشم صفي الدين" وبعدها تستطيع القول أن حزب الله "كسر ظهره" فعليا ... وبعدها مباشرة أي بعد اغتيال "صفي الدين" بـ 20 يوم بدأ الكيان الصهيوني بعملية أطلق عليها "سهام الشمال" وبدأ بقصف جوي مكثف ضد أهداف تابعة لحزب الله واجتاح الجنوب اللبناني بأكثر من 70 ألف جندي ومدمر مئات المخازن والأنفاق التابعة للحزب وضرب بنيته التحتية بمقتل حقيقي ... ونزح أكثر من نصف مليون لبناني من الجنوب إلى العاصمة بيروت وتقل أكثر من 3.000 مدني وأصيب أكثر من 12 ألف ... ورضخ حزب الله لقرار وقف إطلاق النار وموافقته على الإنسحاب خلف "نهر الليطاني" واستبدال قواته بقوات الجيش اللبناني ... ومنذ ذلك التاريخ وحتى كتابة هذا الموضوع الكيان الصهيوني في كل أسبوع يصطاد قادة ممن حزب الله بعمليات اغتيال لم تتوقف في حالة تكشف لكم مدى حالة الإختراق الصهيوني في قلب حزب الله لأي درجة وصلت ... وقطعت كليا تمويلات الحزب المالية والعسكرية بعد تحرير سوريا وتغير نظام حكمها فأصبح حزب الله بلا تمويل بلا دعم عسكري وقطعت كل طرق التهريب الأمنة والمضمونة بين "لبنان وسوريا" بشكل لم يسبق له مثيلا قط
وبدليل أخر على الموت السريري لحزب الله أنه عندما تعرضت إيران "الحاضنة الأم" لحزب الله لهجمات صاروخية من قبل الكيان الصهيوني في 13-6-2025 وقف حزب الله عاجزا متفرجا لأن أطرافه الأربعة قد قطعت وكان هذا إعلان غير مباشر عن استسلام حزب الله للأمر الواقع الجديد كليا عليه جملة وتفصيلا ... واليوم لم يبقى من حزب الله سوى حاضنته الشعبية وتواجده السياسي فقط ولم يعد يشكل أي تهديد عسكري ضد الكيان الصهيوني لكنه قطعا يشكل هديدا مباشرا للسلم الأهلي في الداخل اللبناني ... والأمين العام الجديد للحزب "نعيم قاسم" والذي كان في السابق أكثر عقلانية ورؤية أصبح اليوم مُنظّر كذاب يظلل أتباعه والمساكين بشكل صادم لم نعهد له مثيلا في سلوكه المتزن فتحول إلى بهلوان في سيرك سياسي سطحي للغاية ... وما يحدث حاليا في قلب حزب الله هو أن الصف الثالث في الحزب تولى زماك المسؤلية الكاملة في مناصب الصف الأول وتلك في معطيات الإستراتيجيات تعطيك أن نسبة النجاح في أفضل الأحوال لن تتجاوز 25% شرط أن تصمد هذه النسبة لمدة لا تقل عن 5 سنوات قادمة أو منذ تولي الصف الثالث للمناصب العليا في الصف الأول ... و "نعيم قاسم" كان في الصف الثالث في الحزب إن لم يكن في الصف الرابع منه أصلا لأن دهاة العقول والخبرات العسكرية في الحزب من الصف الأول والثاني والثالث جميعهم تم اغتيالهم واستشهدوا ... وتلك حقيقة لا تقبل الشك في واقع يخبرك إلى أي مدى وصل إليه الحزب من ضعف وتشتت وتلاشي الخبرات ... والخطأ السياسي الذي قتل حزب الله أنه بعد اندلاع "حرب غزة" في 7-10-2023 أنه لم ينفذ خطة "تحرير الجليل الفلسطيني" ولم يرمي بثقله في الحرب وكانت كل حساباته خاطئة ودفع ثمن ذلك ثمنا باهضا لا يعادله أي ثمن ؟
تلك المعطيات وهذا السرد ليبين ويؤكد أن هزيمة "حزب الله" كان سببها الأول هو "التبعية العبودية" لإيران وكذب حزب الله بكل قياداته أنهم كانوا يملكون قرارهم السياسي أو العسكري ... تلك التبعية لو أضفت لها حالة النرجسية المفرطة التي كانت تعتلي وجوه قادة الحزب وأمينهم العام حتما ويقينا ستفهم كم الأخطاء السياسية الفادحة والكارثية التي وقع فيها الحزب ... وأن التأخر باتخاذ القرارات المصيرية كانت السبب الأول بتدمير كل إنجازات الحزب من خبرات وصناعات عسكرية وخبرات استخباراتية متقدمة جدا ... واليوم حزب الله حتى يعود من جديد فإنه يحتاج كأقل تقدير وأضعف احتمال إلى 3 سنوات حتى يعود لسابق عهده بنسبة لا تتجاوز 70% وليس 100% على شرط وجود خطوط إمداد وتمويل من سوريا حصريا ويقينا هذا هو المستحيل وبالتالي قيام حزب الله استخباراتيا أو عسكريا أصبح من المستحيل على مدى 20 سنة القادمة هذا إن لم يكن للأبد لأن سوريا هي رئة لبنان والمنفذ الجغرافي البري الوحيد له ... لكن الحزب لا يزال يشكل تأثير شعبي وسياسي في الداخل اللبناني والذي بطبيعة الحال الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي تحتاج إلى دعم عسكري استثنائي من أمريكا ودول الخليج ... وهذا ما يحدث اليوم من خلف الستار من صفقات تسليح للجيش اللبناني بمقابل وجود قاعدة عسكرية أمريكية لأول مرة في تاريخ لبنان ستتواجد على الأراضي اللبنانية ... لكن ممنوع ومحظور على لبنان وحكومته وسيادته أن يكون لديهم "سلاح جو" بمعنى محظور على لبنان أن يمتلك أي طائرات حربية مقاتلة حتى ولو كان من حليفته القديمة فرنسا لأن ذلك يهدد الأمن القومي الإسرائيلي وهذا الحظر والمنع كان ولا يزال وسوف يبقى إلا من بعض طائرات الهليكوبتر التي بطبيعة الحال لا تقارن مطلقا مع الطائرات الحربية المقاتلة وممنوع أيضا أن يمتلك "أنظمة دفاع جوي" أيضا خدمة للأمن القومي الصهيوني ... وبذلك انتهت حكاية "حزب الله اللبناني" الذي فعلا كان مرعبا للكيان الصهيوني والذي كان يشكل عامل ردع وتوازن في موازين القوى الإقليمية في المنطقة منذ عقود من الزمن ... ولد في زمن الصهاينة يعربدون على الأراضي اللبنانية ومات الحزب والصهاينة يعربدون أيضا على الأراضي البنانية يا لها من أقدار !!! ... حزب الله قتلته التبعية وضيعته النرجسية أولا عندما أقحم نفسه في سوريا خدمة لأسياده الذين باعوه أصلا في طهران ... وتلك بالمناسبة طبيعة كل الحركات الجهادية العقائدية سواء "السنية أو الشيعية" كلهم دون استثناء لا يملكون أدنى بُعد سياسي ولا رؤية سياسة ولا يملكون أي محترفين في التنظير السياسي ... والسبب ببساطة أنهم ولدوا من منظور عقائدي صرف ولا شيء غير الفكر والتوجه العقائدي كل منهم يعتقد أن الملائكة سوف تنزل من السماء لتقاتل إلى جنبه وفي صفه وتلك هي عقيدة "الجنة والنار" ... فعدوك يملك طائرة وأنت تملك بندقية وتقول أنا في الجنة وهو في النار وتلك لا شك مهلكة ... ولو ملكت القوة العسكرية وخبراتها الحقيقية ولم تستخدمها فعليا في الوقت المناسب فلن تنفعك دموع الندم ... وهذا ما لن يفهمه أصحاب الفكر الجهادي لأنهم دائما يعتقدون بأنهم أكبر وأقوى من الدولة ... ولا مثال أقرب من "الثورة السورية" التي كانت ميليشيات مسلحة ثم حققت نصرا كاسح وأسقطت النظام السوري البعثي البائد بفضل مساعدة وفكر وتوجيه من الدولة "التركية والقطرية" هما من صنعا هذا النصر في سوريا بنسبة مليار% ولم يكن للثوار سوى أنهم كانوا أدوات من الأساس لكنهم أدوات فاعلة قاهرة بفضل دول حقيقية هي من صنعتهم من الألف إلى الياء فكانت النتائج إيجابية بكل تفاصيلها ؟
دمتم بود ...
وسعوا صدوركم








.jpg)

