2017-05-12

ما بين التعود والأمر الواقع .. كارثة ؟

التعود وجمعها عادات هي مشابهة لعملية التقليد وجمعها تقاليد وفي المعنيين أو في الحالتين هي ممارسة أعمال روتينية أو تقليد أفعال ... وعلى سبيل المثال لا الحصر تعود الرجل أن يكون موعد الغداء الساعة الواحدة ظهرا في نفس ودقة موعد نشرة الأخبار وإذا ما تأخر دقيقة واحدة فإن هناك حتما سيكون في مزاج سيء أو سيحدث مشكلة في المنزل ... أو تعود الشخص أن ينام ساعة أو ساعتين وقت الظهيرة ... أو تعود إذا ما جلس في منزله أن يكون بجانبه ريموت كنترول الريسيفر والتلفزيون وعلبة الدخان وزجاجة من الماء في موضع ومكان وترتيب دقيق لا يتغير ... وغيرها كلها ممارسات يقلدها أشخاص عرفوها أو ألفوها من أشخاص مختلفين عنهم فاستأنسوا ما شاهدوه لدى الغير فمارسوه ... أو أنها ممارسات تولدت من الشخص نفسه فاستحبها واستمر عليها وقد تكون أمورا جدا تافهة لدى البعض لكنها في قمة اهتمامات البعض الآخر لأنها ارتبطت ببرمجة العقل الذي توافق مع المزاج والذي انعكس إيجابيا على النفس بشكل تلقائي ... ما أتحدث عنه لهو أمر في غاية الأهمية وشديد الخطورة التي في الغالب الكثيرين لا يعرفون أن الأمور قد اختلطت وتداخلت عليهم ... فالمرأة "مثلا" تعتقد أنها تحب زوجها ولو حللت علاقتهم جيدا فلن تجد فيها أي معنى للحب لكن أحد الطرفين وربما الطرفين معا تعودوا على بعض أما كمشاعر فلن تجد سوى مقبرة عشاق ؟

يطلق على النسب العلمي للأسرة بعلم البيولوجيا الذي يندرج تحته الـDNA الذي يحدد بنسبة 99% نسب الأبناء للأب والأم ... فلو دق بابكم وإذا برجل غريب يقول لكم أنا أخوكم أو إمرأة قالت أنا ابنتكم وقدمت لكم تحليل الـDNA بتقرير رسمي أو ذهب الجميع بما فيهم الجهات المختصة وبالفعل تم التحقق والتأكد من خلال الـDNA أن هذا أخوك أو هذه أختك ... تلقائيا سيسقط الشك في أنفسكم بنسبة 99% وبنسبة 100% ستنكشف الأخت على أخيها بلا حجاب كل ذلك تم بورقة تحليل قلبت وغيرت التعود بنسبة 100% ولا أحد من الأسرة يفقه شيئا بعلم الـDNA مجرد كلمات سطرت على ورقة في نهاية التحليل العلمي الرقمي تقول فلان ابن فلان أو فلانه ابنة فلانة بتطابق نسبي 99% وعلى ضوء ذلك يدخل فردا كان غريبا فأصبح قريبا والمسألة خضعت للتعود من جديد والكل أعاد برمجة عقله لاستقبال الوضع المستحدث بعملية update ؟
ما سبق هي أمثلة بسيطة تبين الكم المهول الذي يسيطر على حياتنا ليس من باب الفكر والفطنة والثقافة الواسعة والقدرة على التغيير كلا وأبدا إنما هي ممارسات نمارسها ولا نغيرها خوفا أو توجسا من التغيير ... نعم فالمجتمعات العربية قاطبة ترتعب من التغيرات وهاجس الشك ينتمي لجميع لهم بلا أي استثناء ... ولذلك تجد الكثيرون يستنكرون ممارسات وأفعال يعتبرونها شاذة في مجتمعهم وكأن مجتمعهم مجتمع ملائكي وكأن كل فرد في المجتمع خالي من العيوب بما فيهم المستنكرون ... حتى وصل الأمر أن الخوف من التغيير انتقل إلى مطالبة "البعض" بإنشاء لجنة القيم في المجتمع أو لجنة مكافحة المظاهر السلبية للمجتمع وصناعة جاهلية ما قبل الإسلام بجعل حفنة هم من يقررون الصالح من الطالح لأي فرد في الدولة ... وإذا ما سألتهم أو إذا ما بحثت في الأمر لن تسمع إلا الجملة السخيفة التي تردد دائما : نحن مجتمع محافظ !!! محافظ على ماذا ومن أنتم هل أنتم في زمن الصحابة والدولة الأموية أو العباسية !!! لا لشيء فقط يريدون ضبط المجتمع وفق مزاجهم حتى لا تفلت زمام الأمور في بيوتهم الهشة... متناسين أن من يصقل التربية بالشكل الصحيح والسليم لا يلتفت إلى العقول المتحجرة ولا إلى المجتمعات المتخلفة ولا المتفتحة ... بدليل ذهبت بنات كثيرات للدراسة في دول الغرب فهل الكل عاد منحرفا ساقطا في الرذيلة ؟ كلا طبعا لكن ما تعود عليه الأب يريد فرضه على الإبن حتى ولو اختلف الوقت والزمن فيجعله مسلما رغما عن أنفه ويجعله سنيا أو شيعيا رغما عن أنفه فيكبر الولد أو البنت فيجدون أنفسهم أنهم لم يختاروا شيئا في حياتهم وأقصد أهم الأسس في حياتهم مثل : الدين والمذهب وطرق التعامل مع الأقرباء والدولة والنظام العام والقانون وغيرها ... كلها جاءت بالفرض والإجبار حتى تحول الإجبار إلى تعود لا الإقتناع ... حتى أصبحنا في وقت لم تعد المشاعر تفرق ما بين الحقيقة والوهم وما بين الحب الحقيقي والتعود وما بين بر الوالدين عن حب وقناعة أو هو مجرد واجب لا أكثر ... كلها ممارسات وتصرفات لا أحد له ذنب وكأننا كنا مجرد حقول تجارب وضحايا لأب أو أم أو كلاهما جاهل نقل تخلف الأجداد إلى الأحفاد وحرّم عليهم التغيير وحق الإختيار فأصبح التعود هو الأساس والفضيلة ... كلها مخاوف من التغيير ليس لشيء سوى الرعب من الفشل والخوف من الإحباط ؟

حللوا حياتكم بدقة وبأمانة "ولا تخبروا أقرب المقربين لكم عن تحليلكم" ستكتشفون أن ثلثي حياتكم مجرد تعود وليس اقتنــــاع وتوجس من التغيير وعدم الرغبة بمحاولة التفكير وأن روتينكم هو الأمان ... مع الإنتباه بلزوم التفرقة ما بين التعود الحقيقي وما بين الإجبار على التعود لعدم وجود القدرة أو الإمكانيات للتغيير ؟

التعود هو سجن يصنعه الإنسان لنفسه كلما تقدم بالعمر كلما تلاشى حتى يكون لا شيء في الحياة




دمتم بود ...



وسعوا صدوركم