بعيدا عن السياسة وبعيدا عن تقلباتها وخيانتها هناك ثلاث دول عربية
كبيرة في الشرق الأوسط أنارت الأمة العربية والإسلامية عبر تاريخها بالعلم
والثقافة والصناعة والفن والهندسة والإبداع الذي لم يعرف له سقفا مصر والعراق
وسوريا ... دول سقتنا من علمها وفنونها وثقافتها وكان ذوو حظ عظيم من ينال شرف
زيارتهم وينهل من مناهلهم كثيرة الأنواع والأشكال ... لا ينكر علمهم إلا جاهل ولا
يناقش إبداعاتهم سوى السفهاء ؟
العراقيين يعتبرون إلى يومنا هذا هم أفضل شعب " نطقـــا "
للغة العربية لفظا ومخارج لأحرف اللغة العربية على مستوى العالم العربي برمته ...
والسوريين يعتبرون أقوى تعليما قويا مركزا للغة العربية على مستوى الوطن العربي
كله ... والمصريين يعتبرون أكثر شعبا تنوعا للثقافات على مستوى الوطن العربي ...
العراقيين والمصريين والسوريين كانوا أسياد الزراعة والصناعة الحرفية والبناء
والهندسة المعمارية ... وكان المصري المتعلم العادي يتقن الإنجليزية والمصري ذوو
المستوى العالي يتقن الإنجليزية والإيطالية والفرنسية ... كان العراقي أسطورة في
الموسيقى والأشعار حتى كان صاحب الفضل الأول بتطوير الموسيقى العربية قبل ألف سنة
على يد " زرياب " تلميذ الأستاذ " الموصلي " ... وكان
السوريين أسياد التجارة بمختلف أنواعها حتى أن قريش في جاهليتها وحتى في إسلامها
تعتمد على بلاد الشام لما لتاجرتها من جودة ولأصحابها ثقة التعامل ؟
كيف تلك الأمم انقلب حالها وعبثت فيها الأيام وتحولت من منـــارة في
كل شيء تقريبا إلى قـــذارة في كل شيء ؟ ... كيف دارت الأيام وتحولت من دول لها
فضل على أهل الجزيرة العربية علما وثقافة وفنا إلى دولا تستجدي دول الخليج ؟ نعم
إنه التاريخ الحقيقي لا شك في ذلك ولا تكبرا من أن نرمي حقيقتها في وجه الجهل الأعمى
... قد يكون تقلب أحوالهم بسبب غرورهم وربما كان بسبب مؤامرات دولة فارس والروم
قديما ثم بريطانيا وأمريكا حديثا ... وقد وقد وقد لكن الحقيقة أني شخصيا أشعر
بالألم وأنا أقرأ وأرى وأسمع تحول الحال من وإلى ... وأسأل نفسي سؤالا كان سرا
واليوم أطلقه علنا : هل يوجد ضمان واحد لعدم تقلب أحوالنا ويفعل الزمان بنا ما فعل
في العراق وسوريا ومصرا ؟ هل دول الخليج طاغية الثراء يمكن أن تصبح عاجزة وفقيرة
ومحتاجة ؟ ربما نعم وربما لا الأمر كله متوقف عند ملك الملوك وجبار الجبابرة رب
الأرزاق ورب كل شيء سبحانه وتعالى ... وفي أثناء ذلك لا يأمن أحدكم بدوام الحال
لأنه من المحال والأمم الصغيرة يتغير حالها رأسا على عقب سلبا أو إيجابا خيرا أو
شرا ما بين 100 إلى 150 عام ونحن اليوم نعتبر من الأمم الصغيرة بل والهشـــة أيضا ...
كيف انقلبت من دول علم إلى دول جهل ومن الثقافة إلى الإرهاب ومن الغنى إلى الفقر
ومن الرحمة إلى سفك الدماء ومن المبادئ والقيم إلى الفساد والدجل ومن الأمانة إلى
الخيانة ... كلها وقفات وأسئلة يجب أن نتوقف عندها باهتمام شديد إن كنا نريد أن
نتقي شر تقلب الأيام وتحول الزمان ... فلا نسائكم أشرف من نسائهم ولا رجالكم أعظم
من رجالهم ولا أرواحكم ذات قيمة أكبر منهم الأمر برمته قد ينقلب ويتحول في ساعات
أو خلال أسابيع ؟
قتلنا الغرور وضيعتنا نرجسيتنا
بل أسف أقولها أن لا العراقي ولا السوري ولا المصري يريدون أن ينسون
ما كانوا عليه من فخر وعز برغم كل الذل والهوان الذي هم فيه ... ولا الخليجيين
يريدون أن يتذكروا فقرهم وحاجتهم في الماضي ... الكل مغرور والكل متكبر "
فبعض " العراقيين والسوريين والمصريين لا يزالون ينظرون إلى الخليجيين أنهم
مجرد بهائم كانوا حفاة عراة جهلة متخلفين ... و " بعض " الخليجيين
يعتقدون أنهم إمبراطوريات عظيمة ذات تاريخ تهتز له كتب التاريخ كل منهم يمشي على
الأرض كالطاووس من شدة نرجسيته ... لا الأول يريد أن يعترف في الواقع ولا الأخير
يريد أن يتعظ مما جرى للأول ونسي فقره وجهله وآمن للأيام ... والغرور هو سمة
الجميع بلا أي استثناء في الجنسيات ومع عدم التعميم بالتخصيص ؟
كلنا جاءتنا نعما لا تعد ولا تحصى وكلنا تكبرنا ولم نعرف قيمتها
والجميع لا يريد أن يتعظ من الآخر ... الجهل في رؤسنا والغرور في أنوفنا
دمتم بود ...
وسعوا صدوركم