القانون : هو أداة تشريعية منظمة لحياة الإنسان لتحقيق حالة من الإنضباط بين البشر ولتحقيق العدالة "النسبية" والقانون يصدر بأمر الحاكم أو المؤسسات التشريعية في البلاد التي تعمل وفق الدستور وتفرض القوانين عقوبات جزائية تبدأ من الغرامة وتنتهي بالإعدام ... واليوم موضوعنا عن السلوك البشري هل هو بطبيعته منضبط أو بطبيعته فوضوية ؟ وهل البشرية تريد القانون لحمايتها أو وصلت لدرجة أنها أصبحت لا تؤمن بالقوانين ؟ ... تلك الأسئلة تدفعنا أولا لفهم بيئة الإنسان أي العائلة التي ولد وخرج منها الإنسان وترعرع فيها منذ صغره حتى أصبح يملك قرار نفسه ... ومن المهم أن نعرف أن سلوك الإنسان قبل 300 سنة قد اختلف اختلافا مهولا حتى سنة 2000 تقريبا ... فقبل 300 سنة قدر العلماء تعداد البشرية وتحديدا في سنة 1700 بـ 650 مليون نسمة فقط ... ولو كان تعداد البشرية اليوم 650 مليون نسمة وبما نملكه اليوم من تقدم تكنولوجي وإمكانيات مهولة لأصبحت السيطرة على البشرية بنسبة 100% ... لكن وفي وقتنا هذا وتحديدا في سنة 2022 فإن نسبة السيطرة على البشرية لا تتجاوز 20% ونعني بالسيطرة أي السيطرة الأمنية والمعيشية والإقتصادية وحتى الدينية والسياسية ... وبالتالي تصل إلينا قناعة مصدرها الواقع على الأرض أن البشرية تخاف من العقاب الذي مصدره القانون وليس بالضرورة أنها مقتنعة فيه بنسبة 100% ... لأن البشرية من سابع المستحيلات أن يتفقوا على رأيا واحدا بما فيها جرائم القتل والتي تتأرجح الأراء ما بين مؤيد للإعدام وما بين معارض وحتى لو كانت الضحية طفلة أو رجل عجوز ؟
خذوا هذا السيناريو الذي ستعرفون أنه مطابق 100% للواقع في بيت وعائلة كل منكم : أنت منبوذ أو مهضوم الحقوق وسط أسرتك أو ذوو سمعة سيئة في أوساط عائلتك سواء كان هذا صحيحا أو ظلما وافتراء والكل يبتعد عنك والغالبية ترفض أن تقدم لك المساعدة ... وفجأة وبضربة حظ تلعب الأقدار لعبتها معك فتفوز بجائزة "يانصيب" وبعد 24 ساعة يصبح في حسابك 100 مليون دولار نقدا فماذا سيحدث في حياتك أيها الظلوم المنبوذ ؟ ... بنسبة 99% ستتغير وستتحول كل وجوه أسرتك من العابسة إلى المبتسمة ومن الكاره الحاقد إلى اللطيف الودود إنهم تغيروا وتغيرت أقنعة وجوههم المنافقة ليس من أجلك أنت ولا حتى رحمة بحال ما مضى بك من ألم ومعاناة وقهر وإذلال ... كلا أبدا بل من أجل الـ 100 مليون دولار التي هم يلعنون تلك الأقدار التي أخزتهم ونصرتك وبسببها اضطروا بأن يحنون رؤوسهم إليك ويتوددون لك طالبين منك النظر بعين اللطف والكرم تجاههم لإنقاذهم من تمزيق الديون بهم "انتهى السيناريو" ... ما سبق قد حدث فعلا وحقيقة وفي اليوتيوب مئات القصص الواقعية في وثائقيات تتحدث عن التغير السلوكي في البشر ممن ربحوا "يانصيب" ... مما يأخذنا موضوعنا هذا إلى أن البشر بطبيعتهم متقلبين متلونين منافقين وقليل من البشر هم من يثبتون على مواقفهم ومبادئهم وقراراتهم ولو أدت إلى فقرهم أو حتى إلى موتهم ... ونحن هنا نناقش مسألة القانون الذي يترجمه السلوك البشري بمليارات المحاولات من الإلتفاف على القوانين تبدأ من الهروب من دفع الغرامات وتنتهي الهروب إلى ما لا نهاية خوفا من السجن أو الإعدام ؟
العائلة لا يقهرها إلا القوي ذوو الشخصية العنيدة أو يخضعها الأكثر مالا أو تخضع العائلة للأكثر معارف ووجاهة في المجتمع ... بدليل أن القبائل العربية وهي أساسا بتفرعاتها عبارة عن عائلة لكن تعود مرجعيتها إلى القبيلة والقبيلة يحكمها فردا واحدا يدير شؤونها ... وهذا رئيس القبيلة يخضع كليا لحاكم البلاد الذي يدير شؤون البلاد والعباد وهذا التسلسل يفضي في نهاية المطاف أن السلوك البشري يحتاج دائما إلى كبير أو قائد يحكمه أو يسوقه حيثما أراد لا أن يعيش في فوضى ... وفي الجهة الأخرى نرى أن القوانين هي شكل أخر من أشكال القوة الجبرية القاهرة فوق رؤوس الجميع والجميع يجب أن يخضع للقوانين شاء من شاء وأبى من أبى ومن يخالف القانون أو يتمرد عليه فإن العقوبات له بالمرصاد ... لنكتشف في النهاية أن الإنسان بطبيعته ليس بالضرورة أنه يحترم القانون وفق قناعة ثابتة مؤكدة لكنه أجبر عليها رغما عنه حتى أصبحت كحالة من التعوّد ... وفي أقرب مثال واقعي جميعكم رأيتموه ... وهي حالة "الربيع العربي" خلال ساعات سقط الحاكم ونظام حكمه فهل التزم الشعب بالقانون أو حتى هناك من احترمه ؟ ... كلا وأبدا بل فورا دبت الفوضى في أرجاء البلاد ومن التزم بيته كان ليس بسبب قناعته واحترامه للقانون بل من أجل سلامته الشخصية وسلامة عائلته وحماية أعراضه ... وبعدها وبشكل عام ظلت شعوب كثيرة تطالب بتطبيق القانون لضبط "الغوغاء واللصوص والفاسدين وتجار الأزمات" كل هذا بالمناسبة ليس احتراما وقناعة بالقانون ... لكنه كان بحقيقة الأمر هي حالة من الدفاع عن النفس وهي حالة يمكن أن نصفها بإنسان فقد الأمن والأمان ووصل لدرجة أنه لم يعد يأمن على نفسه من الخروج حتى إلى الشارع المقابل لمنزله فصرخ مناديا القانون ورجال القانون حتى يعود الأمن والأمان ... وهذه الحالة تعبر بكل كبير جدا عن حالة الإنسان وفطرته البشرية والتاريخية بلجوئه الدائم إلى أكثر مناطق الأمن والأمان ثم تأتي المرحلة الثانية وهي المرحلة الاقتصادية أي توفر الطعام والشراب ... وبالتالي الدلائل كلها تشير مؤكدة أن الإنسان تعاطى مع قضية القانون كمسألة توفر له الأمن والأمان أولا وتوفر لأسته وأعراضه وماله الحماية والطمأنينة ... أما مسألة فساد القانون وانتهاكاته فمصدر هذا العيب ليس القانون بحد ذاته لأن القانون عبارة عن أفكار وقرارات وأوراق لكن العبرة بالإنسان والأشخاص المنوط بهم تنفيذ ومراقبة تطبيق القانون ... وطالما أن المصدر هو الإنسان فلا أحد يتوقع العدالة بنسبة 100% وشفافية 100% وأمانة 100% لأن الإنسان كان ولا يزال وسوف يبقى فاسدا أو متناقضا حتى قيام الساعة ... والحقيقة البشرية الثابتة : أن الإنسان يصيب ويخطئ لا وجود لإنسان لا يخطئ بدأ من أبونا آدم عليه السلام وحتى أخر نفس بشرية على وجه الأرض ؟
دمتم بود ...
وسعوا صدوركم