في عهد ملك إنجلترا الملك "هنري الثامن" الذي تولى الحكم في 1509 كان هو أول من عين رجلا في وظيفة "منظف فضلات الملك" وكان "هيو دينيس" ... أي الرجل المسؤل عن مؤخرة الملك حصريا وتنظيفها بعد قضاء الملك حاجته وهو المسؤل عن حمام الملك وأينما ذهب وسافر الملك فإن الرجل يذهب معه ولا يفارقه ... وبسبب تلك الوظيفة الإستثنائية أمر الملك بتزويجه من إحدى العائلات الأرستقراطية ذات التأثير الكبير على طبقة النبلاء كنوع من الإختراق السياسي لتلك الطبقة ... ولم توثق حقبة مزيل الفضلات للملوك إلا لبضعة أفراد منهم وكان ما سبق بالإضافة إلى "توماس إرسكين" الذي جمع ما بين رئيس صغار الحرس ومنظف فضلات الملك في عهد الملك "جيمس السادس" في سنة 1603 ... وحيث أن الوظيفة أو المهمة قذرة ووضيعة إلا أن كان لها وجها أخر أكثر عمقا ونفوذا وسطوة ... فمنظف فضلات الملك كان هو المسؤل عن شؤون الملك السرية التي تختص بنظافته وقضاء حاجته وسريره وملابسه وصولا إلى تجاربه النسائية وميوله الجنسية السرية ... وتلقائيا منظف فضلات الملك منح أهمية وقوة ونفوذ استمدها بشكل مباشر وطبيعي من الملك ذاته مما أكسبه هيبة لدى موظفي ومسؤلين الدولة بما فيهم بطانة "النبــــلاء" أي الطبقة الثرية والأرستقراطية من الشعب ... لأنك ببساطة إن احتقرته أو أهنته أو لم تلبي رغباته فكأنك أهنت أو قللت من شأن الملك نفسه وفي ذاك الزمان مثل تلك المسائل الحساسة تعني القتل المباشر دون محاكمة حتى ؟
هذه الحالة لم تكن إلا جزء صغيرا جدا لا يتجاوز 1% من حقائق وأسرار الملوك والحكام وخلفاء الدولة الإسلامية وما قبلها في التاريخ القديم وصولا إلى التاريخ الحديث من أسرار قصور الحكم والحكام ... والتي كانت ولا تزال وسوف تبقى أول دائرة مقربة منهم والذين يعتبرون "الصندوق الأسود" لحياتهم وممارساتهم وحقائق 99.9% من رعيتهم وشعوبهم وأممهم لا تعرف عنها شيئا وماتوا ورحلوا وماتت ورحلت أسرارهم معهم ... إلا أن الحالة بقيت هي نفسها وذاتها لا تزال وحتى يومنا هذا مستمرة بكل ما فيها من أدق التفاصيل عما ما مضى وما سبق لكن بالتأكيد مع التطوير ... فسكرتير ثالث في مكتب الحاكم يملك نفوذ الوزير على الرغم من أنه سكرتير وسائق الحاكم لا يجرؤ ابن أبيه في أجهزة الإستخبارات أو أمن الدولة أن تستوقفه ولو بالخطأ ... وهذه القوة أو الهيبة تلقائيا هي مستمدة من المنصب الأول أي السلطة المطلقة التي يتمتع بها الحاكم ... ولو أشحت بنظرك ونظرت للأسفل قليلا أي إلى طبقة الوزراء فسوف تجد وبكل سهولة أن ما يحدث في الأعلى يحدث في الأسفل ... خادم الوزير له مكانته وسائق الوزير له نفوذه وسكرتير الوزير له سطوته الكل يستمد قوته ويحقق مكاسبه من خلال سيدهم ... ثم تنزل إلى الأسفل وحتى تصل إلى القاع لتكتشف أن "لكل كلبــــا سيـــدا" وخادما مطيعا وولاء عصيا ... ولكي تعرف لأي درجة وصلت المهازل وهي أنها وصلت إلى أهل بيت الكلب المطيع أي زوجته التي رفعت أنفها لعنان السماء فقط لأن زوجها يعمل في خدمة سيده الوكيل أو الوزير أو القاضي أو الضابط ... لا بل وصلت الأمور إلى درجة الإحترافية فوصلت إلى نفوذ الأطباء والمهندسين ورجال الأعمال وأصحاب المحلات وعمال النظافة ولم تبقى وظيفة أو مهنة إلا وأصبح لها كلابا وفية لأسيادها ؟
هذه السيكولوجية أو السلوك البشري انتهت بنسبة 40% من دول العالم أو من إجمالي عدد البشرية ... لكن لا تزال نسبة 60% مستمرة حتى يومنا هذا بل وبتطور إبداعات تلك الصفة الخسيسة ... ولا تجد ذلك إلا في الدول التي نظامها أو هيكلها الإداري أو المالي أو القضائي فاسد بنسبة متوحشة أو في الأمم التي منذ عقود وقرون وهي مستعبدة ذليلة ... والأمم الذليلة في تاريخها هي "الأمة العربية - الهند الكبرى - دول أمريكا الجنوبية - دول شرق أسيا" ... وهذه التبعية مصدرها "العبودية الطوعية" التي تقنع شخصية الفرد منها أن الحياة تتطلب الخضوع والتودد والنفاق وأن خدمة الأسياد هي فطرة البشرية وحديث ومبررات حدث ولا حرج ... كل ذلك يحدث لأن النظام العام في المجتمع فرض مثل هذا السلوك المشين وعزز من الفساد بتأييد التبرير الشاذ ... مما ترمينا عقولنا وما كشفته آلاف مقاطع الفيديوهات وآلاف المقالات وملايين الحقائق أن الجنس البشري لا تزال فئة منه وفئة كبيرة جدا تستهوي بل تعشق العبودية وتستمتع بالإذلال لأقصى درجة من النشوة النفسية والعقلية ... وليترجم واقع الحياة وتصدق مقولة أن "چلــب الشيـــخ .. شيـــخ" في كل وطن عربي وخليجي وإسلامي ... وحتى الدين الإسلامي الذي جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ويحررهم من الرق والعبودية والنفاق فشل ديننا وشريعتنا في ذلك وهذا الفشل عائدا أولا وأخير للإنسان نفسه وليس للدين مطلقا ... ويكفي أن تنظر لنرجسية موظفين المسؤل وأتباعه وحجم نفوذهم فقط لتكتشف أنك تعيش وسط مجتمعات "لكل كلبــــا سيـــدا" ... وبارك الله في النفوس الحرة والكرامة المشرفة التي لم تخضع لسيدا وجزى الله خيرا من فاق من غفلته وأدرك كارثته ثم عدّل وصحح طريقه واسترد عزته وكرامته وحافظ عليهما ؟
دمتم بود ...
وسعوا صدوركم