أول ما يدور في عقل الإنسان في محور كلمة "آسف" تعني
الإعتذار ... لكن من أين جاءت وخرجت كلمة آسف وكم يمتد عمر هذه الكلمة ولأي سبب
يطلقها الإنسان ؟... ولو أردنا أن نحدد زمن مسجل وموثق فعليا
وحقيقيا لكلمة آسف فسيكون التاريخ هو منذ أن نزل القرآن على سيدنا محمد - عليه الصلاة
والسلام - وتحديدا نزلت في سورة الكهف { إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أَسَفــــًا } وفي
موضوع ثاني من سورة يوسف { وتولى عنهم وقال يا أســــفى على يوسف } وفي
سورة الزخرف { فلما آسفونــــا انتقمنا منهم } ...
إذن كتاريخ لا جدال فيها كلمة آسف وردت في القرآن الكريم والذي نزل بصيغة وأحرف
ولسان عربية وبلغة العربي القوم الذي بعث فيهم نبيا ورسولا ... مما يرمينا العقل
إلى أن كلمة آسف هي أقدم بالتأكيد من نزول القرآن الكريم بآلاف السنين لأنها كلمة
يتضح جليا أنها كانت "دارجة" في لغة العرب القديمة ومجتمعاتهم المختلفة
؟
في توصيف العلم الحديث لكلمة آسف : هو شعور عاطفي بالذنب بمختلف
أنواعه ودرجاته وأنواعه وأشكاله درج عليه الإنسان باستخدام كلمة موحدة ... ومهما
اختلفت المعاني مثل "لم أقصد - لم أتصور - لم أتوقع" فإنها تقع تحت
تصنيف "التبريرات" لكن كلمة آسف هي من تنتصر في أي ذنب شديد ومتوسط
وضعيف كما عرف عنها قديما وحديثا ؟
ومن هي الكلمة المنافسة لكلمة آسف ؟
أعتذر أو الإعتذار عذر يعذر يعتذروا أي اعذرني أو التمس لي العذر واصفح
عني عما بدر مني من خطأ أو ذنب ... وقد ذكرها رب العالمين في سورة التوبة { يعتــــذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا
تعتــــذروا لن نؤمن لكم } وأيضا في سورة التوبة { لا تعتـــــذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } ... ولا
فرق بين آسف وأعتذر لكن كلمة آسف هي الأكثر استخداما بين أمة العرب وكلمة أعتذر هي
الأكثر استخداما بين أمم العالم ؟
أنا دائما كنت ولا أزال أقول في علاقاتي الشخصية بكافة أشكالها
وأنواعها : لا تعتذروا كثيرا حتى يكون للإعتذار قوة وقيمة ولو كررتها في كل يوم أو
في كل أمر تافه أو كبير فلن يكون لكلمة آسف أي قيمة بعد ذاك ... وبالفعل لو حللتم
أنفسكم أنتم شخصيا ستجدون أن أول مرة قيل لكم فيها كلمة "آسف – آسفة" حتما
كان لها أثر وقيمة كبيرة جدا في نفوسكم كانت كافية أن تمحي أي خطأ وأي ذنب ارتكب
في حقكم ... لكن عندما تكررت الكلمة كثيرا من نفس الشخص قلت قيمتها ولم تعد للكلمة
أي معنى معنوي لأن الكبير من العيب أن يكرر الخطأ والطرف الآخر من المفترض أنه أخذ
وقته في فهمكم ... وبالتالي تكرار الأخطاء سيكون هو أكثر استقصاد أكثر مما هو بلا
قصد وإلا سيكون الأمر أن من يقف أمامكم هو صاحب غبـــاء مميز ؟
أعرف الكثيرين ممن استخدموا كلمة "آسف - آسفة" أسوأ استغلال
ومسألة عدم كشف هذا الإستغلال ليس لفطنة أو لذكاء مستخدم الكلمة كلا وأبدا بل لسذاجة
الطرف الآخر ولغبائه وربما لطيبة قلبه ... وأيضا بما أني متابع وراصد سياسي كثيرا
ما استخدمت الكلمة في الخلافات والصراعات السياسية وهي بالمناسبة محل تقدير عظيم
لأن الدول لا تعتذر بعدد اعتذار الإنسان في علاقاته الشخصية ولذلك الإعتذار بين
الدول له قيمة كبيرة جدا كما أسلفت في الفقرة الماضية ... والإعتذار هي الخصال
الحميدة عند العرب قديما ومن شيم الفرسان ومن أرفع مقام الكرام فالإعتذار قوة وليس
ضعف بين العوام ... لكن اليوم بين العوام أصبح الإعتذار سبة في الجبين وعار يلتصق بثوب
المرء ومعايرة اللئام ... لذلك اليوم وفي زماننا هذا نادرا ما تجد من يعرف قيمة
الإعتذار ويعرف متى وكيف يستخدمه وتلك من مصائب زماننا التي نحن سببا أولا وأخيرا
فيها ؟
لا تعتذروا إلا لمن يستحق ولا تكرروها كثيرا حتى لا تفقدوا قوة تأثيرها
عليكم وعلى غيركم
دمتم بود ...
وسعوا صدوركم