باستحضار التاريخ القديم لمعرفة طبيعة
مجتمعات العالم من حيث مستوى الفكر والثقافة والوعي لا شك أننا سنقف في حزن على ما
حدث من ظلم لا حدود له ... وسنبكي على عظماء حلقوا بعقولهم كالصقور لكن مجتمعاتهم
عاملتهم كالصراصير ... شككوا بهم وحاربوهم واتهموهم وكادوا لهم الدسائس والمؤامرات
والكثير من تلك العقول العظيمة أصحابها قتلوا وبعضهم سجنوا ... ولأن الحقيقة هي أن
أكثر من 95% من قبور البشرية تعتبر مجهولة المكان بمعنى أن مليارات من البشر من
الأمم السابقة لا أحد يعرف عدد قبورها ولا أماكنها ولا من هم أصحابها ... لكن هذا
العالم نادرا بالعباقرة والموهوبين وأصحاب الفكر المستنير أي أنهم بضعة ملايين
فحسب وربما كانوا بضعة آلاف ... لكن هؤلاء الآلاف مغيبون عن عمد وقصد بمعنى أنهم
مبعدون ومحاربون لا أحد ينتبه لهم لا أحد يسمع إليهم لا أحد يمنحهم أي فرصة ...
وهؤلاء لو سمحوا لك بدخول عالمهم لرأيت عجب العجاب من أفكار وابتكارات واختراعات
ومواهب مذهلة ... وهؤلاء في غالبيتهم هم بشرا بالتأكيد لكنهم غير عاديين في
الشخصية والتصرفات وطريقة الحديث وطريقة التفكير أبدا ليسوا طبيعيين ... لأن
طبيعتهم تختلف كليا عن طبيعة الإنسان العادي فهؤلاء النوابغ عقولهم لا تعرف التوقف
من التفكير والتحليل والبحث والتجارب والإستكشافات عقولهم باختصار لا تتوقف إلا
وقت النوم فقط ؟
محاربة المجتمعات للعظماء
في أيامنا هذه يتفاخر العرب والغرب كل
بعلمائه الذي أصبحوا مرجعها أساسيا لعلمهم وتطورهم وصولا إلى حتى أساسيات علم
المنهج في أعرق جامعات العالم ... وهذا التفاخر بالمناسبة لا قيمة له لأن معظم
العظماء أهينوا إهانات بالغة الشدة بعضهم من كانوا يريدون قتله وبعضهم من قتل
بالفعل وبعضهم من هرب حتى لا يعتقل وبعضهم تم تكفيره والكثير من الفظائع التي وقعت
في زمانهم ومن قبل مجتمعاتهم وقومهم ... فالعالم "ألبرت أينشتاين" بسبب ديانته اليهودية تم البصق في وجهه في الشارع
وعلنا في بدايات نازية هتلر في المانيا وحاول جهاز الـ FBI الأمريكي تدبير
مؤامرة ضده ... ومخترع المطاط "تشارلز جوديير" تم استغلاله أبشع استغلال بسبب فقره
ومرضه فكتب تنازل عن اختراعاته مقابل تسديد ديونه ولم يقبلوا إلا بتعمد سجنه وسجن
بالفعل لمدة 5 سنوات ... والعلماء أمثال نيوتن وأديسون لم تستوعبهم المدارس ومدرسيها
لعدم اتزان الشخصية التي ترفض "المعتاد" وأينشتاين الذي فصل من المدرسة الثانوية
مرة كما أنه لم يقبل في الجامعة لأول مرة في سويسرا ... والعالم الياباني "هيديو نوغوتشي" الذي باع ممتلكاته من أجل أبحاثه ولم يقف معه
أحدا وسافر إلى غرب
أفريقيا للتأكد من أن الجرثومة من النوع "الحلزوني" تشبه فيروس الزهري وهناك
أصيب بالحمى الصفراء وتوفي هناك ولم يعرف أحدا في أي أرض دفن ... عظماء كانوا
يحاولون إنقاذ العالم وصناعة علم "استثنائي" لأمم كانت تستحقرهم وتراهم
أنهم حفنة مجانين ... وقائمة تطول من أعرق العقول البشرية
الإستثنائية التي نقلت البشرية من حال إلى حال من حسن إلى الأحسن ومن الخيال
والأحلام إلى الواقع على الأرض ؟
المجازر التي ارتكبت بعلماء المسلمين
بسبب جهل الأمة وسيطرت رجال الدين على عقول
الخلفاء بحكم أنهم من بعض بطانته بالإضافة إلى قوة سيطرتهم على الرعية ... فعالم
الرياضيات "الخوارزمي" مخترع علم الجبر وأول من وضع "الصفر"
في علم الرياضيات حاربوه واهموه بالخيانة والسحر والزندقة في العهد العباسي ...
وعالم الطب والرياضيات "الرازي" حاربه قومه في بلاد فارس واتهموه بالردة والإلحاد
ولعنوه لعنا كثيرا وأنه من المجوس وضال ومضلل ... و "الفارابي" عالم الطب والفلسفة
كفروه واتهموه بالزندقة والبعض اتهمه بالجنون ... و "الجاحظ" عالم الفلسفة اتهموه
بالزندقة وكذاب الناس والمتطاول على الله الله ورسوله ... و "ابن الهيثم" عالم العيون والفلك والهندسة
قالوا عنه أنه كان من الملاحدة الخارجين عن دين الإسلام سفيها زنديقا كأمثاله من الفلاسفة
... و "أبي العلاء المعري" الشاعر والفيلسوف قالوا عنه أنه كان من مشاهير الزنادقة وفي
شعره ما يدل على زندقته وانحلاله من الدين ... و "ابن بطوطة" الرحالة والمؤرخ والقاضي
قالوا عنه أنه كان مشركا كذابا ... والكاتب والمفكر "ابن المقفع" قطعوا أوصاله
وفصلوا رأسه عن جسده ... و "ابن سينا" عالم الطب والفلسفة وصفوه بأنه
إمام الملحدين وسيد الزنادقة الكافر بالله وملائكته
وكتبه ورسله واليوم الآخر ... وغيرهم الكثيرين كـ "ابن رشد" الذي طاردوه واختلف
المؤرخين ما بين وفاته ومقتله و "المتنبي" أيضا تم قتله وقائمة طويلة من الأدباء
والشعراء والمفكرين والفلاسفة والعلماء ... ولو كانت مجتمعاتهم آنذاك تحسن الفهم
والفكر لوصلنا نحن اليوم إلى علم وثقافة ومستوى حتى اليابان وألمانيا لا يستطيعون
اللحان بنا لكن مجتمعات متخلفة تسلم رايات التخلف لمن بعدها ... أوليس معظم هؤلاء
في أيامنا هذه أسمائهم تعلوا فوق بعض المباني الحكومية والطبية ويدرس في مدارسنا
أفضال علمهم !!! ... الحقيقة عكس ما ظن الكثيرون بأن هؤلاء العلماء وغيرهم الكثيرين
عاشوا أسوأ حياتهم في بيئتهم ومجتمعاتهم لم يحظى أحد منهم بالشكر والإمتنان
والتقدير ... بل لا يزال الكثيرين إلى يومنا هذا يصرون على
تأكيد اتهامهم بالرغم من مرور مئات السنين ونادرا من تعرف له وجود لقبره ومكانه
بالتحديد ؟
مجتمعات اليوم
بكل أسف اليوم هو امتدادا للأمس لا شيء مختلف
أمم الأمس هي نفسها أمم اليوم ... فالمنزل أو البيئة التي يعيش فيها عبقري أو
موهوب أو مثقف يكون مثار سخرية الأهل والأصدقاء باستهزاء معيب محطم لأي إبداع ...
وصولا إلى المجتمع الذي لا يتوافق كليا أو جزئيا مع أصحاب الفكر والعقول والنوابغ فانتقادهم
أكثر من الثناء عليهم والبحث في ماضيهم وخصوصياتهم هي سمة الغالبية ... والأمر
ينطبق تماما في أيامنا هذه مع من لا يسمحون لك أن تخالف أو تعارض أي نظرية علمية
ولا يسمح لك بأن تخالف أي مفسر للحديث والقرآن ... وكأن المفسرين وعلماء النظريات
هم فقط من كان يحق لهم البحث والتفكير والتفسير والتحليل وكل الأمم التي جاءت
بعدهم عليهم أن لا يفكروا وأن يعدموا ويلغوا عقولهم ... وهذه سقطة ثقافية وعلمية
بل جريمة بحق البشرية كافة أن يظن الكثيرين منكم أن العلم له حدود وأن الثقافة لها
سقف وأن كل أمر ومسألة على وجه الأرض قد حسم أمرها وأغلق بابها ... كان الله في
عون أهل العقول المستنيرة بكل أنواعها ودرجاتها وأشكالها هل رزقهم للحكمة والعلم
والموهبة حتى تكون نعمة أم لعنة ؟ ... عظماء مجتمعاتهم عاملتهم كالصراصير وبعد زمن
اكتشفوا أنهم صقور عظماء إنها مهزلة الأمم المتخلفة ؟
دمتم بود ...
وسعوا صدوركم