في سؤال طرأ في عقلي تطلب مني أن أستحظر الفهم
وتحليل موقف يوم القيامة يوم العرض العظيم في المشهد المهيب الذي لا يتصوره عقل
بشر ... لكن سأتصوره وفق عقلي الصغير وبأدب جم مع رب العالمين لفهم المشهد لإدراك
النفس وتهيأة العقل لهذا التصور ولأننا بشر فإننا نتوق إلى اليقين ... ولذلك في
موضوعي هذا سأبحر معكم فيما أدركه عقلي المتواضع في مشهد يوم القيامة مستندا إلى
أدلة دنيوية وقرآنية ليس لإثبات نظرية إنما لمجرد العلم بالشيء والفهم لأصل ولو
جزء من الحقيقة باجتهاد لا أكثر ولا أقل { إن أجري إلا على الذي فطرني } هود ؟
المدة الزمنية لحساب البشرية ؟
السؤال الذي خطر على بالي هو : كم من الوقت
سيستغرقه رب العالمين لحساب عباده ؟ وكيف سيحاسبهم بأي شكل وطريقة وأي نقاش وجدال ؟
... ولأن رب العالمين هو أعدل العادلين فمن سابع المستحيلات أن لا يكون هناك حساب
وبالتالي لو وضعنا رقم "افتراضي" أن نسل أبونا آدم منذ بداية خلق
الإنسان وإلى قيام الساعة سيكون على أقل تقدير 25 مليـــــار نسمة ... ولو وقف الـ
25 مليار نسمة في طابور فإن العين البشرية المجردة من المستحيل أن تعدهم أو تراهم
أجمعين ولو كنت في برج من ألف طابق لضخامة العدد الإستثنائي ... ولو تم النداء على
كل إسم بوقت 5 ثواني لكل من يقف فهذا يعني أن الحسبة التقديرية ستكون على الشكل
التالي ... الدقيقة 60 ثانية ÷ 5 ثواني = 12
إسم في الدقيقة الواحدة × الساعة 60 دقيقة = 720 إسم × اليوم 24 ساعة = 17.280 ألف
إسم × 25 مليار نسمة = 432 تريليون يوم ... ستحتاج البشرية إلى 432 تريليون يوم
حتى ينادى فقط ينادى على إسم كل منهم سواء نداء الحساب أو نداء الجنة مباشرة أو
نداء النار مباشرة ؟
المدة الزمنية للإنتظار ؟
ثم يذهب عقلي إلى أن من المؤكد أن وقوف الناس
يوم الحشر سيكون طويلا مقياسا للحسبة التي تم إعدادها أعلاه ... والسؤال : هل توجد
مقاعد انتظار ؟ صالات فيها وسائل الترفيه والتكييف أو التدفئة ؟ ستقف مدة طويلة
ماذا ستأكل وتشرب ؟ ولن تموت على الإطلاق سواء كنت في الجنة أو النار فعملية الموت
أصبحت من ماضي الدنيا فهنا أي يوم القيامة هو واقع الخلود فقط ... ففي دنيانا ووفق
قدرة خلقنا فإن الوقوف طويلا هي مسألة نسبية ومحددة لا نقاش ولا جدال فيها هي من 9
إلى 12 ساعة متواصلة وبشرط الحركة وليس الوقوف في نقطة ومكان واحدا ومنتصبا ...
وموقف يوم القيامة لو رأه أحد منها لفزع من الرعب الشديد فكيف يوم القيامة ونحن
نراه يقينا وبالتالي الجهاز العصبي سينهار تلقائيا من شدة الرعب بالإضافة إلى أن
أدوات المقاومة والإحتراق ستكون 0% ... بمعنى لا شراب ولا طعام فمن أين ستأتي
مقاومة الرعب وانتصاب الجسم وقوفا لتكون النتيجة المؤكدة هي الإنهيـــار ...
وبالتالي نحن أمام حقيقة يجب الإقرار بها وهي أن كل أعضاء الإنسان ومقومات جسده
ستتغير بنسبة 70% وليس 100% ... ولماذا ليس 100% ؟ لأن رب العالمين بعدله المؤكد
يريد عقلك ووعيك ونبضك وقلبك لتكون واعيا مدركا تماما للحساب ولتشهد بما لك وما
عليك دون تدليس أو تظليل أو غدر أو خداع فيكون الإقرار وأنت بكامل قواك وإدراكك
العقلي ... أما المعدة والكليتين والجهاز التناسلي للذكر والأنثى وما يحتويانه من
"بول وخراج - أكرمكم الله" فلن يكون لهما أي قيمة ولا أي حاجة ... بدليل
أن أهل الجنة "لا يتغوطون ولا يبولون" لطهارتها مما يرمينا خيالنا إلى
أن التكوين الجسدي للإنسان سيتغير بعلم مؤكد لا شك فيه ... وبالتالي فإن التكوين
الجسدي للإنسان يبدأ فعليا من لحظة الوقوف يوم القيامة طولا وجسدا وتكوينا وفهما
وعقلا مما يجعله من القوة والقدرة على الوقوف طويلا جدا ... وأما الفترة الزمنية
فقياس الزمن في دنيانا يختلف تماما وكليا عن حساب الزمن والمواقيت يوم القيامة
بمعنى أن السنة لدينا = 365 يوم بينما اليوم عند رب العالمين = 1.000 سنة من
أيامنا ويؤخذ هذا الحساب كمواقيت لدى ملائكة الرحمن أيضا { وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون } الحج
؟
أشكالنا يوم
القيامة ؟
في 4-12-2017
كتبت ونشرت موضوع بعنوان "تخيلوا أنكم عـــراة في أعمالكم وأسواقكم" وهو موضوع لإثبات أن ما نلبسه هي مجرد ما تعودنا
عليه ... فالبداية في الدنيا أن أبونا آدم وأمنا هواء كانوا عراة ونسلهم الأول
كانوا عراة وستر العورة جاءت تاليا مع عدم الخلط أو اللبس في الآية { فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان
عليهما من ورق الجنة } الأعراف ... ففي هذه الحادثة كان آدم
وحواء لباسهما من نور وكيف من نور ؟ هو ثوب لم يره أحد من البشر سواهما "آدم
وحواء" مثلما لا أحد يعلم ما هو ثوب الإستبرق فلم يراه ولم يلمسه أحدا من
العالمين ... بالإضافة إلى أن آلية وفهم وإدراك والتكوين الجسدي لأبونا آدم وأمنا
حواء تلقائيا يجب أن يكون قد تغيرت في لحظة هبوطهما إلى الأرض ... فتناكحا وأكلا
وشربا وأنجبا الأولاد والبنين وكانوا يتبولون ويتغوطون ووضعت فيهم كل الخواص
البشرية العضوية كأمثالنا تماما وتكونت لديهم كل المشاعر الفطرية التي فطرها رب
العالمين عليه بدليل في أول نسل حدثت جريمة قتل هابيل لأخيه قابيل ... وبالتالي
يوم القيامة جميعنا رجالا ونساء ذكورا وإناث سنكون حفـــــاة عــــــراة لا شيء
يسترنا على الإطلاق بدليل { ولقد جئتمونا فرادى
كما خلقناكم أول مرة } الأنعام ... وهنا التنبيه أن خلق الإنسان أول مرة كان
عاريــــا ولم يذكر رب العالمين قط في كتابه الكريم عن أي ستر لعوراتنا وبذلك
إثبات أن الإنسان خلق عاريا ويعود عاريا ... وتجرنا هذه الفقرة إلى سؤالين
الأول : هل سيكون الرجال والنساء مختلطين مع بعضهم البعض ؟ الإجابة هذا أمر لا
شك فيه نعم لأنه يذكر رب العالمين { ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار
يتعارفون بينهم } يونس ... { وتركنا بعضهم يومئذ يمــــــوج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم
جمعا } الكهف والموج هنا أي كموج البحر يختلط بعضه ببعض إنسا وجنا وشياطين ولكثرة
أعدادهم التي لا يعلمها سواه رب كل شيء سبحانه ... أضف إلى ذلك أن يوم القيامة لا
توجد مبادئ ولا قيم ولا عادات ولا تقاليد ولا شرائع ولا أديان ولا مذهب ولا
معتقدات لا أصول ولا أنساب لا أصل ولا فصل { فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ
ولا يتساءلون } المؤمنون ... { يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل
امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه } عبس ... السؤال الثاني : ألا نستحي يومئذ من
عورات بعضنا البعض ونحن عراة تماما وكليا ؟ ... إن الحياء عند المرأة هو أمر نسبي
وليس ثابت بالمطلق بدليل أنها تتستر عن الرجل وبعد ساعة يعقد قرانها فتتعرى أمامه
كليا إذن ما كان محظورا ذهب وولى فأصبح مباحا هذا في العرف والفهم الدنيوي ... والشهوة
الجنسية عند الرجل والمرأة هي لحظات وقتية تتكون بفعل عدة عوامل كيميائية فتتحد
أعضاء الجسم "العقل والقلب والكليتين" فينتجون شعور الحاجة للرغبة
الجنسية فتصنع المرأة تلقائيا لزج رحمها وينتج الرجل منيه ... أما يوم القيامة
فالتكوين المتغير الذي يحدث للإنسان يلغي تماما وكليا الشعور أو الرغبة بالجنس ليس
لعدم قدرته بل لأن التغيير العضوي الكلي هو من يمنع حتى الخيال لتغيره التلقائي ...
وعلى سبيل المثال لو رجلا وفي نفس ثواني معاشرته الجنسية جائه نداء أن ولدك قد
توفى في حادث فهل سيكمل المعاشرة ؟ بالطبع كلا لأنها ستحدث الصدمة البشرية التي
تستنفر أعضاء الجسم وتصنع الهرمون المحفز "الأدرينالين" ... كذلك الأمر
عند المرأة بيدها شنطة فيها 200 ألف دينار وهي في "الأفينيوز" تتبضع في
قمة سعادتها ثم يأتيها اتصال أن والدها قد قتل ومات فهل ستكمل مشترياتها وسعادتها
؟ بالتأكيد كلا ... إذن يوم القيامة كانت بجانبي صارخة الجمال فاتنة القوام عارية
الصدر مكشوفة المؤخرة فإنها لا تكون إلا كشيئا عادي ولا قيمة لها أصلا ... وحتى تقفل
هذه الفقرة فإن كل ما في رؤوسكم من أفكار وقيم ومبادئ وحياء وستر وفضيلة لن يكون
لهم أي قيمة يوم القيامة لأن هناك كل قوانين الطبيعة والبشرية مختلفة 100% ؟
كيف سيحاسب
الله كل هذه المليارات ؟
أول سؤال طرأ
في رأسي هل الله سبحانه واحد أو مليار الله يوم القيامة ؟ رب العالمين سبحانه
وتعالى هو واحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ... إذن كيف
سيحاسب هذه المليارات من البشر التي تقف منتصبة وتنظر دورها ؟ وكم من الوقت
لانتظار كل فرد منهم ؟ وهل حساب الإنسان كحساب الجان كحساب الشيطان ؟ ... ففي
تاريخ 20-9-2018 كتبت ونشرت موضوعا بعنوان "السرعة التي لم يصل إليها علم الإنسان
ولن يصل إليها" حددت نظرية وفق المقياس والتوقيت الزمن البشري مقارنة مع
قدرات رب العالمين عبر ملائكته ... فاتضح أن السرعة الوقتية الزمنية التي يمتلكها
رب العالمين وملائكته لم ولن يصل إليها الانسان منذ خليقته وحتى قيام الساعة مهما
بلغ من قوة وعلم وتكنولوجيا ولو حتى توحدت البشرية كافة فلن تصل إلى سرعة = ( 1 نانو
ثانية ) أي 1 من مليار من جزء الثانية الواحدة ... وإن كان رب العالمين سبحانه قال
عن نفسه { إن الله سريع الحساب } إبراهيم ... فهنا تكون سرعة الحساب في دنيا البشر
في الأجر والثواب والحسنة والسيئة والإثم والذنب بخلاف قوله سبحانه { إقرأ كتابك كفى
بنفسك اليوم عليك حسيبا } الإسراء ... وهنا السرعة قد تغيرت تماما فسرعة رب العزة
سبحانه بالتأكيد ليست كسرعة البشر وتوقيت السرعة عند الله بالمطلق لأنه الخالق
سبحانه أما الإنسان فتوقيت السرعة لديه مقيد ومحدد وليس بالمطلق ... وهنا ترك ربنا
التوقيت مفتوحا للإنسان بقرائة كتاب حياته بأقواله وأفعاله ليتحقق عدله سبحانه
لأنه الحق وهو العدل سبحانه { ولا يظلم ربك أحدًا } الكهف { إن الله لا يظلم مثقال
ذرة } النساء { ولا يظلمون فتيلا } النساء { إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس
أنفسهم يظلمون } يونس ... تلك آيات الضمانات لعباد الله من خالقهم أن لا يترك لهم
شيئا إلا وجعل عليها اليقين والدليل وتعهد مؤكد بمنع الظلم بالمطلق بدليل قول
الناس يومئذ { يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها }
الكهف ... وقدرة رب العالمين على دقة مراقبة ومشاهدة والإستماع إلى عباده في
دنياهم وتنظيم سير الحياة بخير الله وشر الإنسان بأرزاقها وأحيائها وأمواتها وتنظيم
الأرض بخيراتها وأمطارها وأنهارها ... كلها عملية لم يستطع أحدا من البشر فهم
دقتها وكيفيتها وتحليلها لعظيم حركتها وبالتالي من نظّم الدنيا قادر سبحانه أن
يدير الآخرة لكن هناك كل المعايير والمقاييس ستختلف 360 درجة لأن الأخرة ليست
كالدنيا ... ففي الدنيا هناك حجب في كل شيء "نوايا - ما تخفيه الصدور - إنس -
جن - شياطين" كلها أمورا وخلقا خافيا عنا ... بعكس القيامة التي سنرى فيها كل
شيء مرأة العين وبقرار اليقين المؤكد وملائكة اله سبحانه هم أقوى أنواع خلقه سبحانه
قوة وقدرات خارقة للعادة تفوق قدرات الإنس والجن والشياطين مجتمعين وكأنهم لا شيء
أمام قدرات ملائكة الرحمن عليهم السلام ... لن يستطيع أحد أن ينكر إثما أو ذنبا
فالقدرات آنذاك لإثبات أخطائكم ليست واتساب صوت وصورة وفيديو بل الحدث نفسه يعاد
مشهده بيدك وبنفسك أم تحسبوا أن تكنولوجيا أيامكم مثل حساب ربكم !!!
الخلاصة
1- التكوين الجسدي للإنسان في الأخرة يختلف
تماما عن تكوينه العضوي في دنياه .
2- التغييرات الجسدية العضوية التي حدثت هي من
تصنع المعجزة البشرية بالقدرة النسبية آنذاك .
3- الرجل والنساء حفاة عراة يوم القيامة مختلطين
وقد نزعت منهم جميع غرائزهم .
4- توقيت انتهاء العباد من حساب كل منهم أمر
مجهول الفهم والإدراك لاستحالة التحليل .
5- مقاييس الزمن في الأخرة تنسف كليا مواقيت
الزمن التي وصل إليها الإنسان .
6- كل ما يؤمن به الإنسان من معتد أو دين أو
قيم لن يكون لها مكان يوم القيامة لأن وقت الحساب ونشر الصحف وكل سيعرف إيمانه
وتقواه من كفره وفجوره .
7- لا موت في الأخر فإما خلود في الجنة أو خلود
في النار .
8- البنية الجسدية للإنسان كطول وحجم في الدنيا
تختلف عن الأخرة فإما الناس حتى تتلذذ النار بجسده "الضخم" أو الجنة حتى
ينعم الإنسان بقواه الجيدة والمختلفة كليا .
ثقوا بركم
سبحانه وضعوا كل أملكم به وحده سبحانه والله أرحم بكم من أمهاتكم وآبائكم بألف مرة
لكن لا تؤذوا بعضكم بعضا حتى لا ترمون بأنفسكم إلى التهلكة ومن كان الله حبيبه
وصديقه ورفيقه فما خاب في دنياه ولا استطاعت أمم الأرض جميعها عليه { قل أفغير الله
تأمروني أعبد أيها الجاهلون } الزمر
أما شياطين
الأرض من الإنس فليبشروا بحساب شديد عسير حسابا مذلا مهينا شديدا عظيما وحقا على
من ظُلِمُوا أن يكونوا من الشامتين بهم لتقر أعينهم وتهدأ وتستقر قلوبهم لعدالة رب
لبس كمثله شيء في السموات والأرض سبحانه وتعالى .
دمتم بود ...