2019-12-14

ما لا تعرفه عن ... الأخـــلاق ؟


العالم البشري قبل الميلاد كان يعيش في الفوضى والتنظيم "الغير ثابت" فكانت حياة الغالب عليها الجهل في معظمه الخاضع للإعتقاد ... وكان الإعتقاد بمثابة المبادئ والقيم التي تسير عليها المجتمعات القديمة يألفوا ما يريدون ويستنكروا ما لا يتوافق مع حياتهم ومعتقداتهم ... ولذلك خرج الفراعنة بشبه أول تنظيم للقوانين الوضعية في سنة 3.000 قبل الميلاد وكان قانون "مـــاعت" ... ثم القانون السومري "أورمانو" في سنة 2.000 قبل الميلاد حتى ظهرت أول شريعة حقيقية في التاريخ البشري بقوانين حاسمة وكانت قانون "حمورابي" في سنة 1.740 قبل الميلاد الذي وضع عدد 282 مادة قانونية نقشت على الحجر ووضعت أمام الناس ... ثم توالت تلك القوانين بالظهور في الحضارات "الإغريقية - الفينيقية - الصينية - الرومانية" وغيرها حتى يومنا هذا ... ولذلك نفهم ونتفق أن البشرية تحتاج القوانين التي تنظم حياتها وتصحح مسارها وتحقق العدالة بين أفراد المجتمعات في كل أمة وفي كل زمن وفي كل عصر وزمان ... بدليل أن الأديان السماوية كلها "اليهودية - المسيحية - الإسلامية" كل كتاب منها يحتوي على مجموعة تشريعات وقوانين لكن الفرق بين تشريعات البشر أنها متغيرة حسبما يتوافق مع الظرف وتغير الزمان وتطور الحياة والتشريعات السماوية ثابتة لا تتغير ولا يسمح بتغييرها حتى قيام الساعة ... ونفهم مما سبق أن البشرية تحتاج إلى ما ينظم حياتها اليومية ولا تصلح الحياة ولا تستقيم دون تلك القوانين والتشريعات وإلا فلن تأمن لا أنتي ولا أنتي لا على أموالكم ولا على حياتكم فأصبحت القوانين جزأ يستحيل أن تستغني عنه البشرية ... والتشريعات التي بطبيعة الحال تتحول إلى قوانين تلقائيا لا يضعها إلا من المفترض أن يكونوا هم صفوة الدولة والمجتمع في أي دولة وأي مجتمع ؟
 
الأخلاق هي المادة أو القيمة أو المبدأ الوحيد الذي لم تصنعه القوانين البشرية كافة وعلى مر العصور والتاريخ بل صنعته الأديان السماوية ... نعم صحيح الأديان السماوية هي فعليا من ابتكرت وصنعت القيم الأخلاقية في الحياة البشرية عبر الرسل والأنبياء ولو استعرض أحد منكم عن مادة الأخلاق في المدارس اليابانية ... سيكتشف بسهولة أن المادة الموضوعية هي عبارة عن مزيج من مبادئ وقيم الأنبياء والرسل في الكتب المقدسة + مزيج مع العادات والقيم اليابانية فأخرجت ثلاثة أهداف هي الأهم والأساس في منهج الأخلاق الياباني وهي : الأخلاق والأمانة والنظافة ... وأكثر فقرة أثارت دهشتي وإعجابي في الدستور الياباني الصادر في 1946 هي الفقرة الثانية من المادة رقم 15 والتي تنص "كل المسؤلين الحكوميين خــــــدم للمجتمع ككل وليس لمجموعات منه" وتلك مادة فيها الكثير من القيم الأخلاقية ... وبالمناسبة مادة الأخلاق في المدارس اليابانية تدرس يوما واحدا من كل أسبوع ودون كتب ولا درجات لكنها ذات تأثيرا بالغ في المجتمع الياباني نجح بخروج أجيال تحترم الأخلاق ساعدها في ذلك القوانين الصارمة المحققة للعدالة ... ثم تبعتها الهند بفرض مادة الأخلاق في سنة 1947 ثم الصين التي أسست مادة الأخلاق في سنة 1949 ثم إيطاليا فرضت مادة الأخلاق في سنة 1955 ثم ماليزيا فرضت مادة الأخلاق في سنة 1983 ثم سنغافورة التي فرضت مادة الأخلاق في 1991 ... ونجاح تلك الأمم بشكل كامل أو جزئي في مادة الأخلاق كان بسبب عاملين أساسيين وهما "الإصرار على تطبيق القوانين + الإعتماد والرهان على الأجيال القادمة" ... وبالفعل خرجت أجيال هي أكثر أخلاقا بل أكثر حرصا على الأخلاق والقيم المجتمعية كل حسب مفهومه ومعتقده ولذلك من أصر على فرض مادة الأخلاق لم يكن ليراهن على من كانوا يعيشون في وقته وزمانه على الإطلاق ... بل راهن على الجيل القادم ونجح في ذلك نجاحا باهرا فرض الأمر ذاته على خروج مسؤلين وقيادات ومشرعين وقضاة ومهندسين ومعلمين وغيرهم من أهل القيم والمبادئ الأخلاقية التي تم تأسيسهم عليها منذ صغرهم فصنع مجتمع طبيعي منطقي صحي ... فترجمت الأخلاق على أرض الواقع عندما قدم مسؤلين مترو اليابان اعتذار رسمي عن انطلاق المترو قبل موعده المقرر بـ 20 ثانية فقط في 2017 ووزير الرياضة الياباني "يوشيتاكا ساكورادا" قدم اعتذار علني لتأخيره عن اجتماع في البرلمان دام 3 دقائق فقط ... أما الأخلاق لدى أمة العرب فلا داعي لذكرها لأن الجميع يعرفها والكل يعاني منها والكل يدفع ثمن دناءتها بالرغم من كل ما جاء في دينهم وشريعتهم وحتى رسولهم لم يتعلموا منه ولا 10% من خلقه الكريم ... وإن كنت فاقد الأمل مع من تعيش في محيطهم فلا تيأس من الأجيال القادمة ولا تجرموا بحقهم بأن يعيشوا في مجتمع مليء بالأخلاق والقيم الرفيعة ؟

إن وجدت مجتمع غارق في الفساد فاعلم أنه مجتمع عديم الأخلاق



دمتم بود ...


وسعوا صدوركم