2023-08-19

الحُكـّـــام والكـَـــافر .. 2

 

ما بعد سقوط الخلافة العثمانية ظل العالم الإسلامي قاطبا ينتظر من يعلن نفسه خليفة للمسلمين ... والسبب أن الرعية والأمة تعودت بأن يقود الأمة الإسلامية رجلا واحدا منذ 1300 سنة ... حتى استفاق العالم الإسلامي والأمة العربية على واقع التقسيم وكم المؤامرات ... والتي بدورها صنعت حكاما ودولا كانت في الخفاء شيء وفي العلن شيء أخر ... ففي العلن خطاب العروبة الدين والإسلام والشرف والنزاهة وفي الخفاء زيارات سرية ومؤامرات ما خلف الأبواب المغلقة ... وكان ثمن ذلك سقوط الملكية في "مصر - ليبيا - اليمن - تونس - العراق" ونكلوا بالسلالات الملكية أشد التنكيل ... كما حدث في مجزرة "قصر الرحاب" في العراق عندما أبيدت الأسرة الملكية دون استثناء ودون رحمة نساء وأطفال في 1958 ... وكما حدث مع بقايا الأسرة العثمانية الذين طردوا من أرضهم وصودرت أموالهم وأملاكهم ... ففي 1924 كان مؤسس تركيا الحديثة "مصطفى كمال أتاتورك" والذي كان يفكر بقرار نفي كل رجال الأسرة الحاكمة العثمانية ... لكن رئيس وزراءه آنذاك "عصمت إينونو" كان مصمما بإصرار على طرد كل أفراد الأسرة الحاكمة العثمانية رجالا ونساء وأطفالا ... وصدر القرار رقم 431 بتاريخ 3-3-1924 الذي نصّ على سحب الهوية التركية من الأسرة العثمانية ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم ومنع أفراد السلالة من العيش على الأراضي التركية وإرسالهم إلى المنفى وأيضا حظر دفن موتاهم على التراب التركي ... فشمل قرار الطرد 164 فرد بينهم 79 طفل من السلاطين + 106 فرد من المنتسبين للأسرة الحاكمة بينهم 15 سيدة من زوجات السلاطين + 20 صهراً + 40 سيدة ... وتوزعوا وتفرقوا بين "سوريا ولبنان والأردن ومصر وأمريكا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا" .... وفي سنة 1952 أي بعد 28 سنة في المنفى تم السماح بعودة نساء الأسرة العثمانية بشروط صارمة وبلا هوية ملكية ولا جنسية تركية بتحركات محددة ... وفي سنة 1976 تم السماح بعودة الرجال من أبناء الأسرة العثمانية وبنفس شروط عودة نسائهم ... ومنح البعض الجنسية التركية في ثمانينات القرن الماضي بالواسطات والرشاوي وفي 2004 أصدر رئيس الحكومة التركية آنذاك "رجب طيب أردوغان" قرارا بمنح الجنسية التركية لكل أفراد أسرة آل عثمان ؟
في ذات يوم وفي صلاة الجمعة وصل رئيس جمهورية البوسنة والهرسك "علي عزت بيغوفيتش" متأخرا ففتح الناس له الطريق إلى أن وصل إلى الصف الأول في المسجد فاستدار للمصلين وبغضب قال لهم "هكذا تصنعون طواغيتكم" ... أي أن الرعية هي من تصنع من حكامها أصناما يعبدونهم من دون الله من فرط نفاقهم من جهة ومن فرط جهلهم من جهة أخرى ... وقد ثبت وأثبت التاريخ السياسي وبنسبة 99% من الحكام في العصر الحديث هم جبناء يرتعدون خوفا ورعبا وأنهم يظهرون على رعيتهم بشخصية القوة والكاريزما الكاذبة ... وهذا ما شاهدنا بأعيننا في تونس "زين العابدين بن علي" والعراق "صدام حسين" واليمن "علي عبدالله صالح" وليبيا "معمر القذافي" ... تلك الشخصيات أو النوعية من الحكام هم في حقيقة الأمر مرضى نفسيين والكثير منهم مختلين عقليا والسواد الأعظم ربكم لا يريدهم وأعمى بصائرهم عن طريق الحق ... ورعاياهم ازدادوا هما وفقرا وذلا ومهانة أكثر فأكثر والسبب أنهم لا يتقون ربهم ولا يتعلمون بل ويرفضون أن يتعلموا وأبوا أن يفهموا ويتعلموا إلا العبودية ... والتي حدثتنا شواهد وتاريخ العبيد في أمريكا الحديثة وأوروبا القديمة والحقبات الزمنية ذات القرون العديدة من التاريخ الإسلامي ... أن العبيد لا ينجبون إلا العبيد والعبيد ولا يخافون من الحرية فحسب بل يرتعبون منها رعبا كمن أتى ليأخذ روحك ويقتلك ... بل أكثر من عارض الحرية والحقوق المدنية لذوي البشرة السوداء والسمراء هم العبيد بذاتهم لا غيرهم ... وهناك قصصا وروايات وحكايات عن عبيد أمريكا أنه حتى بعد إقرار الحقوق المدنية لهم في 1865 توسل العبيد أسيادهم بأن لا يطلقوا سراحهم ... وعندما قال لهم أسيادهم ومالكيهم بأن هناك حياة جديدة وقوانين جديدة ومستقبل جديد ينتظرهم توسلوا ببكاء شديد بأن يبقوا ولا يريدوا تلك الحرية لدرجة أن بعضهم أقسموا على الإنجيل بأن يبقى الأمر سرا دون علم السلطات بذلك ؟
إن عقيدة الحاكم منذ أن يولد ثم لحظة أن يتفتق ذهنه وتتكون ذاكرته في طفولته يزرعون فيه الكِبر والغرور ... ويضخون فيه عقيدة "السيد والعبد" وأن كل هذه الرعية هم تحت أمره يأمر فيطاع حتى ولو لم يكن حاكما يكفي أنه من الأسرة الحاكمة فقط ... وعندما يكبر ابن الأسرة الحاكمة والذي هو في حقيقة الأمر "ضحيـــــة" لفكر خطأ وتربية خطأ وعقيدة خطأ ... يكبر فيمارس مراهقته بأبشع الصور والسلوكيات ومن النادر أن تجد من في مراهقته رزين خلوق وقور وهم بالمناسبة رغم ندرتهم لكنهم موجودين ... واليوم موجودين بكثيرة واختفت الندرة القديمة لتحل مكانها الإتزان الخارجي أمام الرعية وهذا ربما كان للإعلام والتطور ومواقع التواصل الاجتماعية الفضل بضبط السلوك المنحرف لديهم منعا للفضائح ... ولذلك تجد كأقل تقدير 80% من الشعوب العربية في العصر الحديث لا تهتم بوفاة حاكمها أو تنساه سريعا وهذا الأمر ناتج عن "العبودية الطوعية للرعية" والتي لم يعجبها سيدها المتوفي وتريد سيدا أكثر قسوة وأكثر ظلما منه حتى تستقيم كما ألفته جلودهم وجينات آبائهم وأجدادهم منذ القدم ... وفي ذات الجانب هناك حكام عقيدتهم أن الكافر هو من يعصي أمري والخارج عن الملة والدين هو من يرفض قرار رئيس الدولة ... تلك العقيدة اقتطعت من الشريعة والدين الإسلامي بما تهواه أنفس البطانة الفاسدة للحاكم لأن ارتبط وجودهم وبقائهم ولصوصيتهم ومنفعتهم وفسادهم بوجود "الحاكم الضحية" ... الذي تنصّب عليه كل لعنات الرعية وربما كان منها بريء في جزء وآثم فعلا في جزء كبير منها ... وكالعادة التاريخ دايما ما يوفر أطواق النجاة لبطانة المنافقين والفاسدين ولا يوثقهم بشكل دقيق ؟
إن الحكام الطغاة والمستبدين أدمنوا قتل الرعية كما يدمن متعاطي المخدرات ... وعلى سبيل المثال كان طاغية بغداد عفن اللحود "صدام حسين" في كل شهر بوقع كشوف الإعدامات بالمئات وأحيانا في الأسابيع وعشرات الآلاف سنويا لأسباب تافهة لكن عقيدة الطاغية كانت تتمحور إن لم يوجد كشوف إعدامات يعني أن الأجهزة الأمنية لا تعمل بشكل جيد ... وطاغية تونس عفن اللحود "زين العابدين بن علي" والذي كان سابقا رئيس جهاز المخابرات حيث أنهك تونس سرقة ولصوصية وفسادا وسجن وإعدام الأبرياء ولما فر هاربا إلى منفاه في السعودية اكتشفوا أن ثروات تونس نصفها سرقت على يده ويد زوجته الصغيرة ثم أسرته الكبيرة وبطانة مهولة من المنافقين والتجار الفاسدين ... ولسنا بحاجة لنروي حتى 1% من طاغية العصر "جحش سوريا" ماذا فعل وكيف يجلس على كرسي الحكم اليوم ... فالكافر هو من يعصي أمر الحاكم كما قالها "الخديوي إسماعيل" في 1880 في جملته الشهيرة "الكافر من يعصي أمري أنا" ... ولذلك اليوم أي فرد من أي رعية في أي وطن عربي أو غير عربي إن لم يعجبك الحاكم فاترك وطنك وهاجر ولا تدخل في ذنوب ومشاكل وربما حتى تهلكة يوم القيامة بسبب غياب العقل والوعي في زمن الفتن والأكذايب والتدليس ... وأرح رأسك وبالك فاليوم لا يوجد شعب ولا أمة عربية أو إسلامية تستحق أن تضحي من أجلها ... فقط انظر اليوم من يتذكر شهداء الماضي القريب ممن قدموا حياتهم هدية لأرضهم وأجيالهم القادمة ؟ لا أحد ... ومن يوقر ويحترم أسرهم فعليا ؟ لا أحد ... إذن الدرس واضح ومفهوم ومكتوب ومستوفي الشرح والتفصيل والشواهد والأدلة ومن لم يتعلم فهو الغبي بامتيـــــاز ؟





دمتم بود ...


وسعوا صدوركم