التصنيف البشري منذ آلاف السنين دائما ما تكون بدايته هو الفــــرد ثم الجماعة وبشكل أخر منزل ثم قرية ثم مدينة ... وطيلة آلاف السنين لم يكن هناك بالمطلق لمفهوم أو مصطلح "الدولــــة" لأنه مصطلح سياسي صرف والأمم البائدة والسابقة كانت تجهله جملة وتفصيلا ... ونفس تلك الأمم السابقة كانت تعتمد في تأسيسها على حكم "الأسرة الحاكمة" حصرا كمفهوم اجتماعي وسياسي متعارف عليه منذ الأزل ... ومن هنا كانت الأراضي تسمى باسم من يحكمها لا باسم الدولة ذاتها في محاولة لفرض الفرد على الأرض ... ولذلك هناك ما غفل عنه الباحثين والمفكرين وحتى الفلاسفة لهو أمر في غاية الأهمية وهو أن الأرض بديهيا هي أقدم من الإنسان ... واليوم هو امتداد للأمس وأمم وشعوب اليوم هم ذرية لأمم وشعوب الأمس ... ومع تطور الزمان وما صنعه وما ابتكره الإنسان وحكاية الترحال والإستيطان والهجرات بين كل أمم الأرض لأسباب تبدأ من البحث عن الأمن والأمان وتنتهي بالأرزاق ... تخرج من بين كل تلك التحليلات قضية مهمة بل وفي غاية الأهمية وهي "هوية الإنســــان" ... ففي الماضي لا توجد هوية كتعريف شخصية إلا "أنا فلان ابن فلان" هكذا ألفت البشرية هوية التعريف فيما بينها فإن لم يستدلوا على الإبن استدلوا على الأب يقينا ومن خلال موطنه الأرض التي سكنها وعاش فيها ... وفي شعوب أخرى كان الإستدلال من خلال "اسم القبيلة" والتي كانت تصنف على أنها لا تقل عن فخامة وفخر إسم الأسرة الحاكمة ؟
في العصر الحديث خرج مصطلح "الدولــــة" أي جهات ورجال دولة يقومون بإدارة شؤون الشعب ورعاية مصالحه من خلال رؤية من يحكم البلاد وهذا يسمى "حكم الفرد" ... ثم استحدث نظام الديمقراطية والأحزاب في تطور بشري لإقصاء حكم الفرد ليحل مكانه "حكم الجماعة" أو حكم "المؤسسات" ... كل هذا لا يهم إلا أن المهم أن تعرف في الأصل أن هناك دولا وكيانات ولدت على يد فرد وأفراد على سبيل المثال ... الكويت كانت قرية صغيرة تحكمها مشيخة ثم مدينة ثم كيانا سياسيا ثم دولة مشيخة بنظام "أسرة الحكم - حكم الفرد" وأسرة "الصبـــاح الحاكمة" هي من أسست دولة الكويت من خلال تاريخها في الحكم عبر أكثر من 350 سنة ... وهنا تكون النتيجة أن الفرد هو من صنع الدولة أي حكم الصباح هم من صنعوا الكويت ولا وجود للكويت في التاريخ مطلقا كنظام اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي على الإطلاق ولذلك بديهيا الكويت تعني حكم الصباح ... والسعودية ولدت على يد مؤسسها الراحل "عبدالعزيز آل سعود" قبل 93 سنة عندما نودي رسميا "عبدالعزيز ال سعود - ملك المملكة العربية السعودية الأول" في سنة 1932 ... وهنا تكون النتيجة أن الفرد هو من صنع الدولة وال سعود هم من صنعوا السعودية منذ ذلك التاريخ ولا وجود نهائيا لإسم السعودية قبل ذلك في كل المراجع والكتب والخرائط التاريخية ... والإمارات مجموعة قبائل صنعت "دولة الإمارات العربية المتحدة" في 1971 أي مجموعة أفراد صنعوا الدولة ... و "قطر والبحرين" التا انشقت من تحالف مشيخة الإمارات أيضا دول صنعها أفراد و "سنغافورة" أيضا صنعها الفرد وهو "لي كوان يو" في 1959 ... و "كوريا الشمالية" و "كوريا الجنوبية" دول أسسها الفرد بنظامين مختلفين ومتناقضين ... والولايات المتحدة الأمريكية صنعها 7 أفراد ليلقبوا بـ "الأباء المؤسسين" وهم من صاغوا وكتبوا وثيقة الإستقلال في 1776 ووجودهم كان صدفة من أجل مقاومة الإحتلال البريطاني هناك آنذاك ... وتركيا أيضا من صناعة الفرد التي صنعها "عثمان الأول" في سنة 1299 ... وعلى النقيض مما سبق فهناك دول هي أقدم من نظام حكمها وممن يحكمها اليوم مثل "سويسرا وفرنسا ومصر وتونس والمغرب وسلطنة عمان والعراق وسوريا وألمانيا" وغيرها الكثير ... وتلك الدول صنعها الفرد في بداياتها القديمة وباد وانتهى من صنعها هو وسلالته ثم توالت أنظمة حكم عديدة ومختلفة على حكم البلاد ... لتخرج لنا النتيجة أن هناك دولا اليوم ولدت على يد أسرة حاكمة لا تزال تحكم الدولة التي أسستها حتى اليوم وهناك دولا هي أقدم ممن يحكمها اليوم من رؤساء وحكام ؟
تلك المعادلات والتحليلات التاريخية لتعود إلى محور الإنسان من جديد وإلى الشعب مرة أخرى ومن خلال تفاعلات الزمان والأحداث هل يمكن للإنسان للشعب أن يصمدوا أمام أي تغيير قادم ؟ ... الأحداث التاريخية تؤكد الإجابة بـ "نعـــم" والسبب هي الفطرة البشرية منذ الأزل برغبة العيش والدفاع عن الأرواح والممتلكات بشكل بديهي نابع من السلوك البشري رغم تطوره المهول لكن يبقى ولا يزال صامدا أمام كل التحولات المتوحشة التي مر فيها عبر قرون من الزمان ... والطبيعي جدا أن الشعوب ليس بالضرورة أن تتفق مع أسرة الحكم في نظام "حكم الفرد" تحديدا وبشكل مطلق فتتفق في مسائل وتختلف في أمور ... وحتى في الدول التي هي أقدم من نظام حكمها الحالي أيضا شعوبها تتفق وتختلف في سياسات من يحكمها ... تلك من بديهيات البشرية منذ آلاف السنين لا بل وحتى الأنبياء والرسل أيضا لم يتفق معهم إلا القليل واختلف معهم الكثير ولا أقرب مثال من "بني إسرائيل" لم يؤمنوا لموسى من قناعة بل من خوف ورعب من فرعون { فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين } يونس ... ونتيجة نهائية لكل ما سبق من المهم أن أوضح أن الدول التي صنعها الفرد ومن ثم استوطنها الجماعات ثم صارت شعبا ومدنا لهي الأكثر خطرا على وجودها لأن البديل منعدم لديها ... وهو مبرر منطقي جدا لأنك لن تأمن من يأتي بغيرهم رغم أن سنن الله في كونه وخلقه ماضية ورغم أن سنن التغيير واقعة لا محالة إلا أن التدبير والعمل بالأسباب أمر بديهي لا يمكن التساهل معه وإلا فالفناء والخسارة الفادحة سيدفع ثمنها الجميع دون استثناء ؟
دمتم بود ...
وسعوا صدوركم




