2015-02-13

النقلة النوعية في التحولات الشخصية ؟


إن الإنسان يمر في حياته بمراحل متعددة وبتقلب الأحوال بشكل مختلف ... فكلما خرج من مصيبة سجل عقله حذره منها في المرة المقبلة من أن يقع فيها مرة أخرى فيكتشف أنه وقع في كارثة أخرى مختلفة فيخرج منها ويسجلها حتى لا يقع فيها مرة أخرى وهكذا ... وكل كل تلك المصائب والكوارث يتم تسجيلها في أرشيف ذاكرة العقلية وبمراجعة الضمير حتى يصل إلى سن الخمسين والستين فيكون لديه أرشيف كبير جدا مما مر عليه في حياته من أحداث ومشاكل ومن قراءات واستماع ومشاهدات مختلفة ... والنسيان هي نعمة من نعم الخالق عز وجل يصل الإنسان لمرحلة لا يستطيع أرشيفه تذكر كل شيء بدقه متناهية وقد يتذكر لكنه لا يتذكر التفاصيل بدقتها إلا في الأحداث الجسام ؟

أعرف العديد من الشخصيات بمختلف درجاتها وبمختلف درجات التعارف والتواصل ... أغلبيتهم كانوا سيئين السمعة وكثيرين المشاكل لكن بعدما كبروا تحولوا تحولا كبيرا إن لم يكن جذريا فأصبحوا رجال محترمين جدا والوقار سيد أفعالهم ... وهناك من لديه سجل حافل في القضايا والمحاكم والناس ليس لها إلا الظاهر وأنا أعرف العديد منهم بأن كل مشاكلهم كانت صنيعة ظروفهم القاسية والمؤلمة جدا وهم كانوا وقتها لا حول لهم ولا قوة ... أما هم في الحقيقة وألف نعم فيهم ونعم الرجال ونعم المواقف تجدهم قوم رجال وقت الشدائد تجدهم ولا يتخلون ... لكن ظروفهم المادية القاسية والقاهرة هي من كانت السبب الرئيسي بهذا السجل القضائي المؤسف وخذلانهم كان مرا كالعلقم على حناجرهم ... وهناك من تعرض للسجن وذله المقيت بسبب الديون فرأى بأم عينيه قهر الزمان والرجال له فكان سجنه خيرا بأن غير من شخصيته وطباعه وتحول من إنسان جاهل إلى إنسان متعلم ومثقف بدرجة عالية ينافس فيها حتى كبار المفكرين ؟
 إن الأنبياء والرسل هم بشر مثلنا يأكلون ويشربون ينامون ويتزاوجون وهم قدوتنا في أفعالهم ونبوتهم ورسالاتهم السماوية ... لذلك تجد أن كل نبي ورسول قد مر بتغير كبير في تحولات ونقلات شخصيته وتم ابتلاؤه ... فموسى ابتلى بقومه ومريم ابنة عمران ابتليت بقومها وتعرضهم لعرضها ومحمد ابتلى بقومه وقالوا عنه ساحر ومجنون ويوسف ابتلي بالسجن ولوط ابتلي بقومه وزوجته ونوح ابتلي بقومه وابنه وعيسى ابتلي بقومه وصحبه وأيوب ابتلي بمرضه وفناء ماله وإبراهيم ابتلي بقومه ... لاحظوا هؤلاء هم صفوة البشر عند الخالق عز وجل وابتلاهم حتى يصنع شخصيتهم ويؤهلهم لأمر عظيم ؟
 أما الإنسان العادي فإنه مطالب بأن يصنع نفسه بنفسه والصناعة التي أقصدها ليست بوظيفة أو بمال كلا وأبدا بل بصناعة العقل وتكوين وتغيير الشخصية وتنوع الثقافات ... العقل الذي ميزنا به رب العالمي عن سائر خلقه العقل الذي يفكر ويحلل وينظر لأبعد مما ينظر إليه غيره وأن يقرأ ثم يقرأ ثم يقرأ ... فمن قرأ صار صعبا ومن ملك الحكمة فقد ملك الدنيا ومن ملك الفطنة فقد نجا من غدر الأعداء ومن قرأ أكثر من اللازم عرف أكثر من اللازم ؟ 

أيها الناس ربما من كان فاسدا منكم بالأمس أصبح صالحا اليوم ... وربما من كان صالحا منكم بالأمس بات فاسدا اليوم ... إنها تدبّر وصروف الليالي وحكم القدر والإبتلاء بكافة أنواعه وأشكاله وما بين هذا وذاك تكون الحكمة والعقل فمن جهلهم فقد ضاع وتاه وانتهى أمره ... فلا تتبعوا ماضي الناس وتجسسوا عليهم وكأنكم ملائكة الله على أرضه ... فكلنا عيوب وكلنا لنا ماضي وذنوب وما نحن إلا عورات بدأت بنطفة وتنتهي بجيفة ... فأحسنوا الظن وطهروا قلوبكم وجددوا أرشيف ذاكرتكم وقارنوه وطابقوه بعد مدة لربما من تضنونه لم يعد هو كما هو وربما كان العيب فيكم أنتم ... أم أنكم أعظم شأنا من الأنبياء والرسل - عليهم الصلاة والسلام - فاعتبروا يا أولي الألباب ؟

مما وصلني وأعجبني
لا تسخر من السجين بأن تقول عنه ( ظالم مجرم ) فيوسف عليه السلام كان سجيناً ولكنه كان عند الله صديقاً ... ولا تسخر من المنبوذ من قومه بأن تقول عنه ( عديم قيمة ) فإبراهيم عليه السلام كان منبوذا في قومه ولكنه كان عند الله خليلا ... ولا تسخر من المبتلى في بيته بأن تقول عنه ( ضعيف شخصية ) فنوح عليه السلام كانت زوجته عاصية ولكنه كان عند الله صفيا ... ولا تسخر من المفلس بعد غناه بأن تقول عنه ( سفيه فاشل ) فأيوب عليه السلام أفلس بعد غناه ولكنه كان عند الله نبياً ... ولا تسخر من الغافل بأن تقول عنه ( مذنب مقصر ) فيونس عليه السلام غفل عن ربه طرفة عين ولكنه كان عند الله رسولاً ... ولا تسخر من وضيع المهنة بأن تقول عنه ( قليل شأن ) فلقمان كان نجارا أو خياطا أو راعيا ولكنه كان عند الله حكيما ... ولا تسخر من الذي يذكره الناس بسوء بأن تقول عنه ( مشبوه ) فمحمد عليه الصلاة والسلام قيل عنه ساحر ومجنون ولكنه كان عند الله رسولا وحبيبا .


شتم رجل أحد الصالحين فالتفت الصالح إلى الرجل وقال له 
هي صحيفتك فاملأها بما شئت ؟

دمتم بود ...


وسعوا صدوركم