2020-06-13

الصراع السعودي التركي المصري ... لمن الغلبة ؟

العالم الخفي والعلني بين كبار الدول في المنطقة العربية دائما كان يخبرنا بصراعات واسعة النطاق بين تلك الدول ففي الماضي كان الصراع "مصري عراقي" و "عراقي سوري" "سعودي مصري" ... ولأن دول المغرب العربي الشقيقة بالإضافة إلى السودان واليمن وسلطنة عمان جميعهم دول فقيرة والصراعات الكبيرة تحتاج إلى نفوذ وقوة واقتصاد ... فإن كان لا يوجد اقتصاد فقد استبدل بالقوة والنفوذ وجميعها متغيرات تاريخية يستحيل أن تفصلها عن واقع اليوم الذي تؤكد السياسات والتحالفات أن ما يحدث اليوم هو ناتج عن تراكمات الماضي ... ولأن اليوم العراق قد انتهى سياسيا وسقط كل نفوذه الخارجي ولأن سورية قد انتهت سياسيا وسقط كل نفوذها الخارجي فلم يبقى على الساحة السياسية العربية فعليا إلا "السعودية ومصر" فقط ... لكن ظهر النفوذ التركي في المنطقة العربية فجأة بعد غياب دام أكثر من 90 عاما بعد سقوط الخلافة العثمانية وبعد أن تحولت إلى دولة منفردة وتحولت إلى دولة علمانية صرفة ... ناهيك أن فترة الـ 90 سنة تخللتها الحرب العالمية الأولى والثانية والتأثير البالغ الذي أحدثه مؤسس الدولة التركية "مصطفى كمال أتاتورك" والذي كان عدو للإسلام والمسلمين ... بالإضافة إلى المحاولات التركية المرهقة للإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي وباءت كل محاولاتها بالفشل بالرغم من تغيير 100% من قوانينها لتواكب السياسات المجتمعية الأوروبية وتتناغم معها ... وبعد فشل تركيا بالإنضمام إلى كامل الإتحاد الأوروبي قررت أن تلتفت إلى منطقة "الشرق العرب أو الشرق الأوسط" وبالفعل بدأ ظهورها الفعلي العلني الحقيقي في 2010 ... وأول ارتباط كان مع قطر "امبراطورية الغاز" لأن تركيا لا تملك موارد الطاقة الأساسية فكانت تعتمد على روسيا واليوم تعتمد على روسيا وقطر ... أدى كل ذلك بسبب تنامي قوة ونفوذ "حزب العدالة والتنمية - الإسلامي" في تركيا والذي يترأسه الرئيس التركي الحالي "رجب طيب أردوغان" مما مكن له الداخل التركي بشكل واسع النطاق جعله ينتقل إلى التمدد الخارجي أكثر وأكثر ... ومما يجدر ذكره أن تركيا تعتبر من أهم الدول الرئيسية التي ساهمت بتدمير سورية طوال فترة "الحرب الأهلية السورية" وبذلك حلت تركيا مكان سورية في سلطة النفوذ في منطقة الشرق الأوسط مما أدى تلقائيا إلى صناعة تعاون ونفوذ "إيراني تركي" ... ولو سألت أحدا من خبراء السياسة في "تركيا السعودية مصر" : هل قرأ أحد منكم عن "مشروع القرن الأمريكي الجديد" الذي صدر وتأسس مجلسه في 1997 وتوقف في 2006 ؟ وهل قرأ أحد منكم عن "إعادة بناء الدفاعات الأمريكية - خلق قوة الغد المهيمنة" ... الإجابة تلقائيا كلا وطالما هي كلا فلا عجب أن نرى كل هذه الفوضى وكل تلك الخسائر ... ولذلك يجب أن نجري فحصا مختصرا على كل دولة في سياستها الخارجية وليس الداخلية ؟
القوة السعودية
المملكة العربية السعودية في أيامنا هذه لا يحسب لها أي قوة وكل قوتها الفعلية الحقيقية تتمثل في "الواقع الإفتراضي" أي في "عالم الإنترنت" فقط وبمعنى أدق هي كمن يشتري وقت لا أكثر ولا أقل ... وهذه نتيجة طبيعية للسياسات الخاطئة التي دمرت السمعة السعودية في الخارج وسببت تصدعا كارثيا من المستحيل ترميمه إلا بعد سنوات طويلة ... فهي قد تورطت في حرب اليمن وحصار قطر وليبيا ثم جاءت جريمة القتل الدولية لـ "جمال خاشقجي" فضربت السمعة السعودية بمقتل في أوروبا وأسيا وأمريكا والأهم أن السعودية لم تعد ندا لمواجهة إيران ... ناهيك عن ما تكتبه وما تنشره الصحف العالمية أسبوعيا عن الفضائح وحقوق الإنسان في السعودية وقيام المعارضة السعودية في الخارج وقوة تأثيرها الإعلامي كلها تداعيات أضعف النفوذ السعودي خارجيا بشكل كبير جدا ... والأهم أن السعودية في كل ملفاتها الخارجية لم تحقق أي نجاح في أي ملف خارجي بل بالعكس تماما فهي منيت بخسائر فادحة "إعلاميا - سياسيا - عسكريا - اقتصاديا" ... وبالتأكيد إن هذا الأمر لا يسعدنا بل بالعكس هو أمر محزن كثيرا أن يتراجع الدور السعودي في المنطقة ويتم تهميشه بهذا الشكل المؤثر للغاية ... وتؤكد كل التحليلات السياسية والإقتصادية أن المستقبل القريب للسعودية لا يبشر بأي خير على الإطلاق بل هي على موعد مع كوارث لا أحد يعرف مداها إلا رب العالمين سبحانه ؟
القوة المصرية
من المؤسف أن النفوذ المصري في منطقة الشرق الأوسط قد انتهى تماما وأصبحت السياسة المصرية تعتمد على الإعلام أي أنها تشتري وقت وتخدّر الداخل المصري لا أكثر ... فحليف مصر الإستراتيجي وهي سورية قد انتهت والعراق قد انتهى أما السعودية فلم تكن حليفا لمصر على الإطلاق بل العلاقات بين مصر والسعودية كانت دائما مشتعلة ... وإن رأينا اليوم تحالفا فهو تحالف ظرفي وقتي لن يستمر لأن مصر اليوم لا تريد من السعودية إلا الدولار فقط أما فعليا فمصر غير راضية تماما من السيطرة السعودية عليها وعلى حساب الأمن القومي المصري ... ناهيكم أن تراجع الدور المصري في منطقة الشرق الأوسط كان بسبب مصر نفسها فهي تارة تركت سورية وتارة جلست تتفرج على ليبيا وتارة كانت تلعب مع أثيوبيا ... حتى تحولت القوة المصرية إلى ضعف كامل بل ولا أبالغ لو قلت أن مصر كفاها قوة اليوم إن استطاعت الدفاع عن نفسها ... فهي تعلم علم اليقين أن الكيان الصهيوني النجس يلعب عليها ويلتف من حولها في كل مكان فتحالفت مصر مع الصهاينة وخضعت لأمريكا وارتعبت من أوروبا ... ثم صمتها عن ما يحدث في ليبيا بعد سقوط الطاغية "معمر القذافي" في 2011 وتعلل مصر بأوضاعها الداخلية بعد إسقاط حسني مبارك في 2011 ثم الإنقلاب على الرئيس المصري الراحل محمد مرسي في 2013 ... كلها أسباب لا يمكن قبولها بعد تسلم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الحكم في 2014 أي أكثر من 5 سنوات من حكم السيسي للحكم والأوضاع في ليبيا وكأنها لا تعني مصر شيئا وهي ذات الحدود البحرية والبرية مع مصر ... والكارثة يوم أرادت مصر أن تتدخل في الشأن الليبي وقفت مع أقذر مرتزق ليبي وهو "خليفة حفتر" والذي أيضا يحمل الجنسية الأمريكية ويعتبر مواطنا أمريكيا ويحق لأمريكا اعتقاله ومحاكمته لكن طالما الدم الذي يسيل عربي ومسلم فمرحبا بالفوضى ... وأعداء مصر سعيدين جدا بالتخبط والضياع السياسي المصري وأول أعداء مصر هم الكيان الصهيوني النجس وأما مسلسل الإرهاب فهي أكذوبة لا تنطلي إلا على المغفلين الذين ينظرون إلى الفعل دون النظر لأسبابه ... ولا غرابة عندما تعلمون أن شركة "هاليبرتون" الأمريكية للنفط والغاز أنشأت معمل "سيجاس للإسالة" في مدينة "دمياط" في مصر 2003 وناقشت شركة هاليبرتون مع وزير خارجية قبرص في 1998 لمد أنبوب غاز من مصر لها ... وهو المشروع الذي قال وزير النفط المصري السابق "سامح فهمي" في مايو 2014 : إن هاليبرتون كانت تتفاوض بشأنه مد أنبوب الغاز بدون علم مصر وأن مصر علمت بالأمر بالصدفــــة من وزير البترول السوري "انتهى" ... والحديث عن ألاعيب الغاز في مصر وحولها كثيرة وصادمة بالمفاجآت لا مجال لذكرها لكن الأكيد أن مصر لا تقول الحقيقة دائما ولا تكشف فضائح خسائرها وكيف حدثت فعليا ؟
القوة التركية
هي القوة التي يجب أن نحللها كيف تمددت هكذا وبهذا الشكل الأخطبوطي وكيف حجمت السعودية بعد "حصار قطر" ووضعت رجلها "عسكريا" في منطقة الخليج العربي ... وكيف التفت على مصر ووضعت رجلها "عسكريا" في ليبيا ؟ وكيف من الجهة الأخرى التفت على مصر وأصبح لتركيا نفوذ سياسي واسع في أثيوبيا ؟ وكيف تركيا افتتحت قاعدتها العسكرية في الصومال في 2017 أي موضع قدم على البحر الأحمر ؟ وكيف عززت تركيا علاقاتها السياسية بقوة مع السودان ؟ ... وكيف أصبحت تمسك السعودية في ملف "خاشقجي" ؟ وكيف فرضت قوتها العسكرية في سورية إدلب ؟ ... ناهيك عن صراعاتها العلنية وتهديداتها العسكرية في البحر الأبيض المتوسط المزدحم بالقطع البحرية العسكرية "التركية الأوروبية الأمريكية الروسية" والمشحون عسكريا لدرجة مرعبة ... ناهيك كيف صنعت تركيا تحالفا واسعا مع إيران وكيف وازنت علاقتها مع روسيا وكيف تحدت أمريكا في العديد من الملفات ورضخت في العديد من الملفات حتى تكسب وقتا وتحقق مكاسب ... وكمثال مثل صفقة المضادات الدفاعية الروسية "أس 400" التي اشترتها تركيا وغضبت أمريكا بشدة وتم الأمر التركي رغم كل التهديدات الأمريكية ... ناهيك أن الإسلام السياسي وكأنها صراعات من يملكها بيده ليتحكم بها خارجيا وهي لعبة مصر والسعودية القديمة ثم ظهرت تركيا لتدخل وتشارك على طاولة اللاعبين بهذه اللعبة القذرة التي لم تخلق إلا الدمار والفوضى والإساءة لديننا الإسلامي ... والأهم أن تراقبوا التحالفات التركية مع ماليزيا وأندونيسيا وباكستان وإيران وهو مشروع تركي صرف لصناعة قوة إسلامية تتجاوز السعودية كمكانة دولة تحتضن وترعى أهم المقدسات الإسلامية "مكة والمدينة" ... مثلما صنعت ماليزيا القمة الإسلامية التي جمعت "قطر وماليزيا وإيران وتركيا" في 2019 وحضرها أكثر من 450 مشاركا واستبعاد السعودية ... ومثل هذه القمة من المستحيل أن تكون ماليزيا ورائها فهي تناسب وتتطابق مع الفكر السياسي "التركي القطري الإيراني" ... وبذلك يكون النفوذ التركي الخارجي قد وضع قدما في دول شرق أسيا والقارة الأفريقية والشرق الأوسط وفي قلب دول الخليج ... وهذا من سابع المستحيلات أن يتم إلا بوجود ضعف واسع وتراجع كارثي وفشل تلو الفشل لأكبر وأهم الدول العربية ؟
كلها معطيات على أرض الواقع تؤكد حقيقة واحدة وهي أن الوطن العربي لم يعد فيه هناك دولة عربية واحدة ذات ثقل عسكري وسياسي يستحق الذكر أو يمكن الإعتماد عليه أو حتى يمكن الوثوق فيه ... كل الدول العربية "الكبيرة" فشلت في ملفاتها الخارجية وتراجع دورها الإقليمي ولم تعد تسترض قوتها إلا إعلاميا لأن دورها على أرض الوقع مليء بالهزائم والإنكسارات إما سياسيا أو عسكريا وإن أردت أن ترى القوة العربية الحقيقية ستجدها في "تويتر + فيسبوك" وهذا أقصى ما يمكن أن تراه من ثرثرة وبيع الوهــــم للمغفلين ... فتفردت تركيا في المنطقة العربية بل وأصبح لها موضع قدم كارثي ولن تخرج طالما إيران حليفة تركيا مستمتعة بتحقيق المكاسب وهي ترى ضعف الكارثي لدول الخليج وإضعاف مصر والسعودية وانتهاء قوة ونفوذ العراق وسورية فمن بقى ؟ ... الوطن العربي وثقله السياسي والعسكري انتهى تماما وعلينا أن نتعامل مع هذا الواقع بشكل واقعي ومنطقي لا بفهم السفهاء والمرتزقة على مواقع التواصل الاجتماعي ... الثقل السياسي والعسكري في منطقة الشرق الأوسط أصبح بيد تركيا وإيران فقط وحصريا ونأسف بشدة على ما آلت إليه الأوضاع لتصل لهذه الدرجة المؤلمة ... وهذا ثمن مستحق لكل من يظن ويعتقد بأن الكيان الصهيوني يمكن أن يمثل شيئا مهما بل عظمة الكيان الصهيوني لا وجود لها إلا في عقول مراهقي السياسة وعديمي الشرف ؟
إن من يعتمد على الإعلام الكذاب حتى يظلل الداخل يعني أنه قد فشل خارجيا وتضعضع بشكل كبير جدا ولم يبقى له سوى الإستجداء الخارجي ... ومن المؤسف حقا أن كل ما حدث ويحدث من ضعف عربي مؤسف يبقى الكيان الصهيوني النجس هو الرابح الأكبر مما يحدث ويكسب من الجميع ... وما حدث نتيجة طبيعية عندما ترتمي في الحظن الأجنبي لدرجة الإنكسار والكارثة أن يستمر اعتمادك كليا على الولايات المتحدة الأمريكية التي فشلت في أفغانستان وسورية وليبيا وأصبحت مطية لإيران ... فظن المساكين أن أمريكا هي إلــــه هذا الزمان ولا يعرفون أن أمريكا بيدها تصنع أعدائها وتخسر حلفائها فهي من صنعت عدوها في كوريا الشمالية وكوبا وأفغانستان وفنزويلا وإيران ... فهل استطاعت أن تغير نظاما فيهم أو تنتصر على أحد منهم ؟ الإجابة كلا وأبدا بل أمريكا اليوم لم تعد دولة يمكن الوثوق في اتفاقياتها الدولية وتحالفاتها فهي قد تبطل أي اتفاقية وتسحب منك أي وعد ... ولا يبقى على الجميع إلا انتظار وقوع المحظور في أي لحظة في أي يوم في أي ساعة من 2020 أو المؤكد في 2021 وقتها لنرى كيف الإعلام الكذاب "إعلام أبو لهب وأبو جهل" سيحقق نصرا أو يحقق مكاسب ... أو لنرى كم سيستمر الذباب الإلكتروني "الكافر الفاجر" بالصمود أمام الواقع الكارثي القادم واعلم يا عزيزي أن المغفلين والمرتزقة والإعلام الكذاب لا يصنع كرامة ولا يحقق نصرا فوقت الكوارث الكل سيختفي من المشهد تماما وسيتركوك تدفع أنت تدفع ثمن ما جنته يداك ... وكل من نطق وقال ونصح اتهم تلقائيا بالمؤامرة أو بالغباء أو بالخيانة أو بانتمائه لأي حزب معادي وكان ثمن الغرور السياسي فادحا للغاية ؟




دمتم بود ...


وسعوا صدوركم