2020-11-08

فـَـــــّخ الثـَـــراء وهــلاك الأغبيــاء ؟

 

من أغرب الثقافات العربية أنهم يظنون أن الإنسان عندما يكبر يجب أن يستمر في العمل سواء في العمل الحكومي أو القطاع الخاص أو في التجارة ... وتنسحب هذه القناعة الخاطئة من أنها حالة مستمدة من الغرب والغرب استمدها من أسيا لتتضح الصورة بعد ذلك بشكل أوسع أنها حالة بشرية عامة وليست صفة حصرية عند العرب ... مثل الذين يعارضون قرار الحكومة الكويتية والذي نص أن "كل من بلغ من العمر 60 عاما ولا يحمل شهادة جامعية فعليه الرحيل عن الكويت والعودة لبلاده" ... وبالتأكيد هذا القرار قرارا غبيـــا بامتياز فكان المفروض أن يكون سن انهاء الخدمات بـ 65 سنة ويطبق على الجميع دون أي استثناء وإن كان مستشارا في أعلى جهة مهمة أو حساسة ... مع العلم أني مع تملك المقيمين للعقار مع منحهم إقامة دائمة وفق ضوابط وشروط قد ذكرتها في مواضيع عديدة ... وبالعودة للموضوع فإن وجهة نظر البعض من أن إنهاء إقامة العاملين ممن بلغوا من العمر 60 عاما فيه من التعاطف الكثير مصدره رفض هذا القرار ... لكن كان من الأجدر بل والحقيقة هي أن من بلغ من العمر 60 عاما أنت وأنتي عليكما أن تنظرا للأمر من أنه أصبح رجلا أو امرأة كبارا في السن وأن مرحلة الراحة هي من أهم حقوقهما ... فمتوسط عمر الإنسان العربي هو 70 عاما ويقاس هذا المعدل وفق مستوى جودة الحياة فتجد الأعلى عمرا هم في دول شرق أسيا والأقل في أفريقيا ... وإذا كنا نتحدث عن متوسط عمر 70 عاما في منطقتنا فهذا يعني أن الإنسان يجب أن يتوقف عن العمل في عمر 60 عاما وما بعد هذا العمر هي فترة راحة واستمتاع بالحياة داخل أو خارج الدولة ... وإلا تكون هناك مشكلة لدى الشخص نفسه وندخل في تحليل الأسباب وقتها وهي متعددة وأهمها جحود الأبناء وجشع الإنسان والإدارة المالية الخاطئة وهذا ليس موضوعنا ... فالأمر هو أن نتعاطف مع كل من بلغ من العمر 60 عاما وأنه يجب أن يتوقف عن العمل ويجب أن يستمتع في الحياة وهذا حقه الطبيعي ومن يعمل حتى الموت هو الحيوان فقط لأنه لا يملك عقلا وغير مدرك لتصرفاته وخاضع لغرائزه كل حسب بيئته ؟

إن أكثر ما يثير استغرابي وكان يصيبني بالدهشة حتى تلاشى واختفت كل هذه العلامات لأني أيقنت أن هؤلاء مرضى نفسيين أو مختلين عقليا أو ربما ربكم ابتلاهم بأنفسهم فحجب عنهم الحقيقة وهم فئة الأغنياء والأثرياء ... تجدهم ليل نهار اتصالات وعمل وصراعات وعداوات وصداقات وتلف أعصاب وكأنهم في دوامة لا أحد يعرف كيف يخرج منها ليس هذا فحسب بل تجدهم يحرصون على دقة حضورهم إلى مكاتبهم ليكونوا قدوة لموظفيهم ... ويزعم هؤلاء المختلين أن الإنسان بلا عمل فهو جهل وجنون وهم بذلك يخلطون ما بين الفقير والغني في القيم والمبادئ وتناسوا أن من سنة الله في خلقه أن الثراء فطرة الأرزاق ... وأن الأرزاق لا توزعها ملائكة السماء على كل فرد فينا بل ربكم جعل الأسباب بين البشر والمجتمعات فالغني يعطي الفقير والفقير يعمل لدى الغني والغني يخرج ما أفاء الله عليه من خيره وهذا الأمر ينطبق على الأفراد والحكومات وبذلك لا تختل موازين الأرزاق بين البشر ... ويحضرني حوارا مع أحد الأثرياء عندما رأيته في صراعاته الكثيرة في مجال الأعمال فسألته : هل كل ما تفعله يستحق ذلك ؟ ... فأجاب : نعم ... فقلت في نفسي اصمت ولتنتهي من شرب الشاي وامضي وابتعد عنه فهذا رجلا قد ابتلاه ربه وأشغله بنفسه ... والجهل أن الإنسان لا يعرف كيف يدير ثراءه فيحوله المنافقين من حوله إلى شيء مقدس وكأن حياة المنافقين بيد صاحبهم الثري فيعتقد هذا الثري بأنه عظيم لدرجة مركزيته في حياة الأخرين ... وبالتأكيد هذا فهم خاطئ وتدبير في نفس ملأها الغرور التي ترقى إلى الطاووس بنرجسيته بين الحيوانات مع أن المسألة جدا بسيطة ولا تحتاج إلى عبقرية ... فضع لنفسك حاجتك الشهرية من المال بل وبالغ فيها لتخرج لك هذه المعادلة لو كان عمرك 40 أو 50 عاما ... إنفاقك الشهري = 5.000 دينار × 12 أي في السنة = 60 ألف دينار × 30 سنة قادمة = 1.8 مليون دينار أي مليون و 800 ألف دينار وبالغ أكثر وأكثر ولنجعل المليون و 800 ألف دينار إلى 5 ملايين دينار لا بل 10 ملايين دينار ... إذن ماذا تفعل ثروة في حسابك 50 و 100 و 500 مليون دينار وأكثر من ذلك مع عدم وجود أي ضمان بأنك في أية لحظة في أي ساعة تموت ولا يوجد ضمان أن بلدك أو البلد الذي وضعت به أموالك أن يتعرض لانهيار اقتصادي أو غزو أو حرب أهلية ... فهل يدرك هؤلاء كم هم أغبياء وجهلة وأنهم مغادرون هذه الحياة بلا قيمة تذكر ؟

يقول ربكم الحق سبحانه حكمة كل زمان وكل حياة إنسان منكم في سورة الإسراء { ولا تمشِ في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا } ... أي مهما ملكت ثروة وغنى فاحش فإنك تبقى إنسانا ضعيفا لن تستطيع فعل كل شيء وأي شيء إلا بأمر ربك { الذي خلقك فسواك فعدلك } الإنفطار ... ثم يعطينا ربنا فيعلمنا خالقنا ومن أحسن منه تربية وعلما عندما وضع بين بيدينا قاعدتين اقتصاديتين الأولى للأغنياء والثانية للفقراء ... فأعطى الأغنياء في سورة الضحى { وأما بنعمة ربك فحدّث } ثم في سورة الإسراء قوله سبحانه { إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا } ... وتلك الآيتين تعني تمتع بالثراء وليرى الناس نعمة الله عليك لكن لا تفرط ولا تبالغ حتى لا يصيبك الغرور وفي نفس الوقت حتى لا تؤذي الآخرين بما أتاك ربك من خير ... وأما الفقراء فقد سن ربكم نصيحته الإقتصادية لهم فقال في سورة الإسراء { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا } ... أي أنفق حاجتك وادخر لغدا أو لأزماتك ولا تنافس الأثرياء في منظرك الخارجي فإنك في نهاية المطاف ستقع في حفرة الديون التي قد ترميك في السجون ... أما وإن سأل سائل وماذا يفعل من لديه الثروة أو الثروات ؟ ... فالإجابة ليست بالإختراع فعليه أن يسافر كثيرا وفي السفر فوائد حدث ولا حرج وفي السفر عبرة وعظة بالإضافة إلى ثقافة القراءة التي تنفض غبار العقول وتفتح العيون وتكشف المستور والأهم من ذلك أن يتفنن العبد بتجارته مع ربه فإن التجارة مع الله فــــن لا يتقنه إلا ما ندر ... أما شركات ومصانع وصراعات وخلافات وعداوات وشراء ذمم وفساد ورشاوي ثم أمراضا وأدوية ثم عجزا ثم قلبا يكاد يتفجر من الأحقاد فلن يعرف الإنسان وقتها إلا أن ربه قد ابتلاه بنفسه وأشغله بنفسه وهلك بثرائه دون أن يدري من فظاعة جهله ... فمارس الكثير من أثرياء العالم الكفر الصريح والفجور الفاضح وهؤلاء ربكم قال عنهم سبحانه في سورة الأنعام { فلما نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون } ... وطوبى للأثرياء الأتقياء والأذكياء وطوبى لمن أحسن تجارته مع ربه وبارك الله في عمر من أدخل الفرح والسرور في نفوس المهمومين والمكروبين ؟




دمتم بود ...