2022-01-11

إيران تخلصت من قاسم سليماني وهذه هي الأدلة ؟

 

"قاسم سليماني" ومن لا يعرف هذا الرجل الذي وصل تأثيره بأن أصبح أقوى من قائد الجيش ومن رئيس المخابرات الإيرانية ومن وزير الخارجية لا بل تجاوز الرئيس الإيراني نفسه ... ووصل إلى درجة أنه أصبح الرجل المقرب من "المرشد الأعلى" والأكثر إخلاصا ووفاء له ... وشخصية "قاسم سليماني" كانت تحت أنظار المراقبين والمحللين السياسيين منذ سنوات وفي نفس الوقت كان أهم رجل تحت الرصد والمراقبة والمتابعة في أجهزة المخابرات العالمية بعد "أسامة بن لادن" ... وبالقفز على سيرته الذاتية التي يمكن للجميع أن يراجعها على صفحات الإنترنت نذهب مباشرة إلى هذا الرجل الذي ملك قلوب معظم الإيرانيين وتحول إلى أسطورة ومفخرة لإيران وأنصارهم في "العراق وسوريا ولبنان واليمن" ... سليماني الذي قلب موازين الحرب الأهلية في سوريا واليمن والعراق من الطبيعي أن يكون محط أنظار الجميع رجل ذوو بأس شديد وعزيمة صلبة وعقيدة ثابتة لا تتزعزع ... تلك المواصفات تعتبر أمنية لأي حاكم ودولة وشعب وسياسة وأرض وواقع لكن في إيران الأمر جدا مختلف ... فإيران دولة "عقيدة دينية" صرفة وليست "عقيدة سياسية" أو أيديلوجية سياسية والفرق بينهما أن العقائد الدينية دائما ما تكون ثابتة لأنها مرتبطة بالدين بعكس العقيدة السياسية والأيدولوجيات فهي متغير وغير ثابتة بحكم ما تتطلبه ظروف كل مرحلة زمنية وكل ظرف سياسي ... ومن يعيش في قلب اللعبة السياسية حتما هو فهم واطلع على الحقائق بعكسنا نحن كمراقبين ومحللين من نبحث ونحاول تجميع الصورة لفهم الواقع ... وسنعرف في نهاية الموضوع هل فعلا إيران دولة دينية عقائدية أم دولة سياسية استغلت الدين كغطاء للحكم السياسي ؟

إيران عقيدتها دينية نعم لكنها في نفس الوقت سياسية ولو جمعتهما سيصبح لديك "الدين السياسي" وهي من ألاعيب القديمة التي أول من انتهجها في التاريخ الإسلامي هم "بنو أمية" أو بما تعرف بـ "الخلافة الأموية" وفي أوروبا بالتأكيد الفاتيكان بلا منافس ... تلك العقيدة تريد مقاتلين مجانين من أهل البأس والصلابة لكن ممنوع أن يصلوا إلى السلطة إلى السياسة إلى المراكز العليا من نظام الحكم ... لأن وصولهم للأعلى يعني تهديد مباشر وفعلي وحقيقي لنظام الحكم وضوء أخضر للإنقلاب في أي لحظة ... وعلى سبيل المثال وليس ببعيد "أسامة بن لادن وتنظيمه القاعدة" صنعته السعودية والمخابرات الأمريكية ولما نظر للأعلى وطمح بالسلطة كشفوا الغطاء عنه وتخلصوا منه ... وما يجمع الشخصيتين "قاسم سليماني وأسامة بن لادن" أن كلاهما عندما يتلف القوم من حولهم ويجمعون أنصار ومقاتلين يصلون لعشرات الآلاف هنا تلقائيا يتدخل السياسيين فيرفعون الكرت الأحمر للاعبين أو عملية طرد من اللعبة لمن تم صنعهم ... وبالعودة إلى موضوعنا فإن أول سؤال قد يتبادر إلى ذهن الجميع : هل إيران يمكن أن تقتل ابنها البار أو على الأقل تتخلص ممن يقف في طريقها وفكرها وعقيدتها الشيعية تحديدا ؟ ... الإجابة : نعم وبشكل قطعي الثبوت وبتأكيد تصل نسبته 100% نعم ثم نعم ... العقيدة الإيرانية بشكل عام والشيعية بشكل خاص تستمتع وتتلذذ على آهات التضحيات التي سارت عليها أجيالا وأجيال والتي تأسست وبنيت على مقتل "الحسين بن علي" في 680 ميلادي أي قبل 1342 سنة ... وعندما تبحث عن أسباب استحضار حادثة أو جريمة قتل وقعت قبل 1342 سنة ولا تزال حاضرة حتى يومنا هذا وبقوة فهنا تحضر أمامك العقيدة ومفهومها الطبيعي ... لكن السؤال من يوظفها سياسيا لصالحه ؟ بمعنى تستحضر حادثة عقائدية بعكس أن توظفها سياسيا مستغلا الدين أو العقيدة فتوجهها بشكل سياسي صرف لتحقيق مكاسب سياسية لا تمت بأي صلة للدين وللعقيدة بأي شكل من الأشكال ... وفي هذه الحالة تتكون لدينا منطقية ومفهوم وواقع "الدين السياسي" بدليل أن إيران هي من يجب أن تكون تابعة للعراق وليس العراق تابعا لإيران بحكم أن مركزية الشيعة تقع في العراق لا في إيران لكن للدين السياسي حديثا أخر ... على الرغم من أن آل البيت عليهم السلام ليسوا إيرانيين أو من الفرس القدماء بل هم عرب أقحاح من قلب وأصل العرب ولدوا وترعرعوا ما بين مكة المكرمة والمدينة المنورة ؟

مقتل سليماني 

المشهد هو كالتالي أو كما أرادوا لنا جميعا أن نعيشه ونصدقه ... أمريكا تقتل "قاسم سليماني" ومن معه من خلال صاروخ اطلق من طائرة مسيرة في 3-1-2020 ... ثم بعدها بـ 5 أيام وتحديدا في 8-1-2020 إيران تقصف قاعدة "عين الأسد" في محافظة الأنبار العراقية وانتهت المسرحية التي أراد الجميع أن يصدقها !!! ... لكن للحقيقة وجه أخر مختلف كليا فهل رجل بمثل وزن وحجم وثقل "قاسم سليماني" ينتهي بقصف صاروخي لقاعدة عسكرية أمريكية "خالية" !!! ... لا بل وصلت الرسالة لأمريكا بأن إيران ستضرب تلك القاعدة الأمريكية وعليهم أن يخلوها منعا للإصابات وهذا ما تم فعليا ... وفي 3-1-2022 قامت إيران بعمل مسرحية هزلية تافهة مخصصة للشعب الإيراني مفادها أنها قررت فرض عقوبات إيرانية على 125 مسؤلا عن مقتل قاسمي ومصادرة أموالهم في إيران واعتقالهم فور وصولهم للأراضي الإيرانية والمضحك أن لا أحد منهم يمتلك دولارا واحدا في إيران ولا يفكر أحدا بزيارة طهران ... خصوصا إذا ما قرأتم الأسماء مثل "وزير الدفاع الأميركي بالإنابة السابق "كريستوفر ميلر" - وزير الدفاع السابق "مارك إسبر" - وزير الخزانة السابق "ستيون منوشين" - رئيس الإستخبارات المركزية الأمريكية السابق "جينا هسبل" - مستشار الأمن القومي السابق "جون بولتون" - المبعوث السابق الخاص بشأن إيران "برايان هوك" - المبعوث الخاص بإيران السابق في الخارجية "أليوت أبرامز" - مسؤول الرقابة السابق على الأصول الأجنبية بالخزانة الأميركية "أندريا غاكي" - الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" وغيرهم" ... أسماء تؤكد أن ضرب قاعدة أمريكية خالية ثم بعد سنتين تفرض عقوبات وهمية لأفراد بهدف التأثير الإعلامي "الداخلي" ... كلها معطيات تؤكد أن إيران هي من قتلت "قاسم سليماني" وتخلصت منه ولو كان الأمر عكس ذلك لانتقمت إيران من مقتل ابنها المخلص بضرب القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج وحركت قواتها في لبنان وسوريا تجاه الكيان الصهيوني ... لأن الذريعة المنطقية والقانونية أصبحت متوفرة وأمريكا أعلنت عن مسؤليتها بشكل واضح وصريح وعلني عن مقتل سليماني ... لكن المؤكد أن إيران أدركت خطر "قاسم سليماني" على نظام الحكم برمته + الخلافات والصراعات داخل أذرع النظام في الجيش والحرس الثوري وأفرع إدارات المخابرات الإيرانية وصراع أجنحة النظام بين الخارجية والحرس الثوري والرئاسة وصولا إلى مركزية المرشد الأعلى ... أضف إلى ذلك أن إيران لها سوابق كثيرة وتاريخية بقتل الشيعة وارتكاب الجرائم والمجازر بحقهم كما حدث في العراق من سنة 2004 إلى 2010 بعمليات تفجير واسعة النطاق وتداخل المشهد ما بين الإرهاب السني والإرهاب الشيعي في تلك الفترة ... وبدليل أخر مقتل الشيعة في أفغانستان والتي اشتهرت بـ "مجزرة أفشار" عبر حليف إيران "أحمد شاه مسعود" والصديق المقرب وحليف "قاسم سليماني" ... وشهادة الهارب في بريطانيا "ياسر الحبيب" بمسؤلية إيران المباشرة عن تفجيرات البصرة وبغداد وقتل الشيعة الناشطين من معارضين إيران في البصرة بشهادة قياديين عراقيين شهدوا له بذلك صراحة ... وقتل المتظاهرين في بغداد خلال الـ 5 سنوات الماضية وحتى اليوم والتفجيرات التي راح ضحيتها الأبرياء خلال الـ 3 سنوات حتى اليوم أي بعد انتهاء تنظيم داعش الكافر ... وتلك هي مصلحة إيران أن تجعل العراق ضعيفا ممزقا غارقا بالعملاء والمرتزقة ولذلك اليوم قبضة "النجف وكربلاء" بيد إيران وليس بيد أهل العراق ؟

خريطة مقتل سليماني 

سليماني أصلا كان مرصودا 100% من قبل أجهزة المخابرات العالمية في كل يوم وكل ساعة ومهما غير من هواتفه فإنه لم يكن ليغيب إلا ليوم أو يومين كأبعد تقدير ... أضف إلى ذلك أن تحركاته في سوريا والعراق ولبنان وخطوط سيره كانت تحت المجهر فلم لم يتم اغتياله لا في سوريا ولا في لبنان وليس في أرض المعارك أثناء الحرب ضد داعش وتم اغتياله تحديدا بعد انتهاء داعش وفي فترة السلم وفي رحلة عادية على طائرة مدنية جدا عادية ... وهل عقلية ودهاء سليماني غابت عنه أنه لا يعلم أنه مراقب ومرصود حتى يستقل طائرة مدنية !!! ... ثم يركب في موكب وهو يعلم يقينا أن خط السير في أي لحظة وفي أي يوم وفي أي ساعة يمكن أن يكون من بينهم جواسيس للمخابرات العالمية !!! ... بالتأكيد يعلم لكنه كان على يقين بأنه لو تم اغتياله فهذا يعني أن إيران ستشعل الأرض نارا في المنطقة ثأرا لمقتله فهل حدث ما كان يتمناه سليماني ؟ ... وهنا نستجمع كروت اللعبة لنحاول تركيبها لتكتمل الصورة وهي نحن كمراقبين وكمحللين لم نتوقع أن يكون الرد الإيراني بهذا الضعف والهشاشة والمسرحية السخيفة مما يؤكد أن إيران ضالعة بنسبة 100% باغتيال "قاسم سليماني" ... ولو ذهبنا للسؤال الجريء : هل إيران لديها اتصالات مباشرة مع أمريكا ونسقت معها في عملية اغتيال سليماني ؟ ... الإجابة : نعم سواء بشكل مباشر أو عبر وسيط بينهما نسق ورتب عملية الإغتيال وسيناريو الرد الإيراني الأقل من التافه والسخيف والذي لا يتماشى مطلقا مع مسلسل التهديدات الإيرانية العلنية المستمرة لأمريكا ... وعملية بوزن "قاسم سليماني" من المستحيل والمحال أن لا تعلم عنها مسبقا "دول الخليج وإيران والأردن ومصر وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل" ... وما شاهدناه كانت مسرحية إقليمية دولية واسعة النطاق للتخلص من أهم رجل كان يشكل خطرا على النظام الإيراني وفي نفس الوقت أخطر رجل كان يشكل خطرا على إسرائيل ولتستمر اللعبة ولاعبيها ... والجميع أتقن دوره فيها سواء بالمشاركه أو بالتنديد أو بالحزن أو بالبكاء ؟

نضيف على ما سبق الصراع الشرس والمتوحش بين "وزارة المخابرات الإيرانية وبين مخابرات الحرس الثوري" والذي بدأ بالظهور في أواخر 2017 ورجّح كفة مخابرات الحرس الثوري الذي يتفرع منها "فيلق القدس" الذي كان يرأسه سليماني ... وسليماني كان "المسؤل الميداني" عن الملف الإسرائيلي والذي أيضا ليست بالصدفة أن يتم اغتيال "قاسم سليماني" في شهر 1-2020 ثم في نفس السنة وفي شهر 11-2020 أي بعد 10 أشهر يتم اغتيال أهم شخصية في برنامج إيران النووي الفيزيائي "محسن فخري زاده" جهارا في وضح النهار ... نعكس كل تلك الحوادث على صراع أجنحة النظام الإيراني بتمرد الرئيس الإيراني السابق "أحمد نجاد" عندما فجر مفاجأة مدوية في 6-2021 فقال : المسؤل عن الجواسيس الإسرائيليين في وزارة الإستخبارات هو نفسه جاسوس يعمل لصالح إسرائيل ... ولو عدنا للوراء أكثر فسوف نكتشف بسهولة أن في عهد الخميني مارست وزارة الإستخبارات والأمن القومي آنذاك عمليات القتل بسلسلة الإغتيالات في إيران والتي طالت العديد من الكتاب والمثقفين والمعارضين ... بمعنى أن تكون إيرانيا أو شيعيا فهذا لا يمنع من قتلك أو تلفيق التهم ضدك أو سجنك أو الإستغناء عنك سواء كنت فردا أو كانوا مجموعة أفراد ... وكل من يمس السياسة الإيرانية بسوء أو يشكل خطرا على النظام الأعلى للمرشد الإيراني فهو في حكم الميت أيا كان إسمه أو منصبه أو شهرته دون النظر لمستوى تدينه أو قوة مرجعيته الدينية ... ومتى ما أصبحت ذوو شهرة وشعبية عارمة في قلب إيران يعني أنك أصبحت مصدر تهديد للنظام الأعلى في هيكلة النظام الإيراني وهو منصب المرشد الأعلى ... وهو ما ذكرته تسريبات وزير الخارجية الإيراني العريق "محمد جواد ظريف" والذي كشف في حديث مسجل مسرب له في 4-2021 بخلاصة مفادها أن "قاسم سليماني" أقوى من الحكومة ووزرائها وفوق كل سياسة الرئيس ولا يخضع للسياسة الخارجية الإيرانية وأنه "سليماني" لا يرجع بالقرارات والأمور إلا للمرشد الأعلى فقط وأن سليماني كان أحد أسباب فشل السياسة الخارجية الإيرانية بتحقيق مكاسب عظيمة كانت قاب قوسين أو أدنى من تحقيقها لولا فوضوية سليماني في خط السياسة الإيرانية الخارجية ؟

لقد ذكرت سابقا وفي مقالات عديدة أنه يجب الفهم والإقرار والإنتباه والحذر أن لا إيران تمثل شيعة العالم الإسلامي ولا السعودية تمثل سنة العالم الإسلامي كلاهما نظامين سياسيين يتعاملان بفكر ونهج سياسي صرف وأن العقيدة والدين ما هم سوى مظلة للشرعية السياسية لا أكثر ولا أقل ... وهذا تقليد متطابق تماما مع حكم "بني أمية والعباسيين والعثمانيين" الجميع استغل الدين والكل عبث بالشريعة والكل تلاعب برجال الدين وفتاويهم وخزعبلاتهم وهرطقاتهم ... صنعوا "الحجاج ابن يوسف الثقفي" فبسط لهم مزيدا من الملك وانتهى وبعد موته اعتقلت أسرته وعُذّبوا وسجنوا وأمر أمير المؤمنين "سليمان بن عبدالملك" بلعن الحجاج على منابر المساجد ففعلوا ... والعباسيين صنعوا البرامكة فزادت ثرواتهم ولان الحكم لهم أكثر وانتهى البرامكة في السجون وقتل أنصارهم أما العثمانيين فلا أكثر شهرة من الصدر الأعظم والساعد الأيمن لـ "سليمان القانوني" والذي تحول من صعلوكا إلى الرجل الثاني في الخلافة العثمانية وهو "إبراهيم باشا" ثم انتهى مقتولا ... وحسن البنا وسيد قطب في مصر والغرياني في ليبيا والحسيني في القدس وبن لادن في السعودية وسليماني في إيران والقائمة لا تنتهي كيف النظام السياسي يطوّع الدين من أجل تحقيق مصالحه ومتى ما انتهت المصلحة انتهوا أصحابها إما نفيا أو سجنا أو قتلا ... وفي الختام كان خطر "قاسم سليماني" قد تجاوز منصب رئيس الدولة ثم أصبح يشكل تهديدا مباشرا على منصب المرشد الأعلى ولو حدث انقلاب على هذا المنصب لانتهت إيران وانتهى معها حكم الملالي للأبد ... وكلما استشرى الجهل بين العوام كلما طال أمد أنظمة الحكم بمجرميهم ومنافقيهم وفاسديهم فشاهدوا الصورة بحقيقتها وليس بالصورة التي هم يريدونكم أن تشاهدوها بروايتهم ؟




دمتم بود ...


وسعوا صدوركم