بإجماع القبائل العربية فإن الجميع كانوا واقعين تحت توصيف الجهل نسبة إلى ظرفية جاهلية العرب ما قبل الإسلام ... ومن المهم بمكان أن يعرف القارئ الكريم أن أسماء القبائل العربية الكريمة قد تغيرت أكثر من 4 مرات في التاريخ العربي لشبه الجزيرة العربية ... مثلا "عنزة ومطير وشمر وظفير وعوازم وعتيبه وسبيع" وغيرها لم يكن لتلك الأسماء أي وجود بل إلى أصلها وأصلها إلى أصلها من قبل ولا تزال المتغيرات واقعة حتى يومنا هذا ... وبعد الإسلام انتقلت القبائل مع واقع جديد بظروف جديدة بمستقبل جديد كليا ... مما خرج من بين تلك القبائل فرسانا في أثناء الخلافة الراشدة ونضعهم في النوايا السليمة ونقول أنهم كانوا مجاهدين وأصحاب فتوحات أو غزوات إسلامية لا مفاخرة بالقبيلة ... وفي العصر الأموي عصر الخلافات والصراعات وشقاق الخلافة الإسلامية ووحدتها بقوة سيف الخليفة "عبدالملك ابن مروان" وطاغيته الشهير "الحجاج ابن يوسف الثقفي" ... هنا سُجّلت أول مفارقة وعلامة على فكر القبائل العربية التي وقتها هناك من خضع للخلافة وهناك من تمرد وهناك من هاجر وهناك أفخاذا أي أقرباء من قلب القبائل عادت إلى أصل القبيلة ... وظلت القبائل العربية تعيش لعقود وقرونا طويلة ما بين صراعات ذات نزعات جاهلية بنسبة 100% ووفق عادات وتقاليد متخلفة بنسبة 90% "حسب مفهوم اليوم" باستثناء كرم الضيف وحماية اللاجئ أو ما يعرف بـ "المنتخي - الأجير" ... والقبائل كنت منتشرة في كل الوطن العربي وسبب هذا الإنتشار هو بسبب الأراضي الخصبة والمراعي والقرب من الأنهار والوديان والممرات المائية والأراضي التي تكثر فيها الأمطار الموسمية ... هذا التاريخ على عجالة للقبائل العربية كافة ولا استثناء في ذلك على الإطلاق ؟
أما النقلة النوعية فكانت أثناء ضعف وبعد سقوط الخلافة العثمانية ما بين عامي 1915 – 1924 أي ما يلامس 10 سنوات ... فبعد أن كانت القبيلة بأسرها تعيش وفق حكم "الكونفدرالية" أي تحكم نفسها بنفسها وتسيطر على أراضيها لكن القرارات الخارجية والعليا يعود قرارها للخليفة أو للسلطة في "اسطنبول" ... فوجدت القبائل العربية نفسها أمام واقع جديد لا يمكن توصيفه إلا تحت مصطلح "أكون أو لا أكون" ... فتسربت بريطانيا العظمى وقتها إلى قلب مشيخة الخليج فبدأت أولا من الشيخ "مبارك الصباح" في الكويت ومن "الشريف حسين" في الحجاز ... ومن ثم الشيخ مبارك حرك من كان في مقام ابنه "عبدالعزيز آل سعود" والذي أصبح فيما بعد أول ملكا على أرض "شبه الجزيرة العربية" وأول موحدا لتلك الأراضي بقوة السيف ... وتلاعبت بريطانيا بـ "الشريف حسين" و بـ "عبدالعزيز آل سعود" فمنحت الأمل وأعطت الكلمة لكليهما بأن سيكون "خليفة المسلمين" ... وتلك النزعة والرغبة كانت جامحة للغاية آنذاك بسبب وجود قناعات راسخة بأن الأمة العربية لا تستقيم إلا بوجود خليفة عليها وأن الأمة العربية والإسلامية تعيش في فوضى بسبب عدم وجود خليفة فيها ... فحدث السباق بين "حسين - عبدالعزيز" حسين يضرب الخلافة العثمانية في الحجاز وعبدالعزيز بالسيف يخوض بحورا من الدماء لإخضاع القبائل العربية ... فسقطت الخلافة العثمانية فوجد "الشريف حسين" أن أمامه "عبدالعزيز آل سعود" موحد الجزيرة العربية وأن القبائل العربية قد لانت له بالولاء والطاعة حبا أو كرها لكن الأمر قد وقع والواقع قد فرض نفسه وخانت بريطانيا الشريف حسين ... بعدما حاصر "عبدالعزيز آل سعود" مكة المكرمة حتى وجد الشريف حسين نفسه منفيا في قبرص ثم توفي في الأردن ودفن في فلسطين ... وأيضا كان هذا سردا سريعا ومختصرا جدا جدا عن تلك الحقبة والتي تجدون تفاصيلها في مواضيع المدونة العديدة في هذا الشأن ؟
وجدت القبائل العربية نفسها في سنة 1925 - 1935 أنها أمام واقع جديد فالسيف هذه المرة ليس خليفة المسلمين في إسطنبول بل منهم وفيهم من العرب في الجزيرة العربية ... ووجدوا ميثاقا وعهدا ربطوا أنفسهم فيه بالولاء والطاعة له والقبيلة تفتح فمها تريد طعاما وشرابا ومراعي ومعيشة ... وبالتأكيد القبائل لم تكن قابلة بهذا الرضوخ لكن في نفس الوقت كانت ملتزمة بالإتفاق بالولاء والطاعة وإلا الحرب كان هو الحل وعبدالعزيز وقتها قد بلغ من القوة والسطوة ما يضمن له الإنتصار في أي معركة ... وأمام هذا الضعف الذي أصاب القبائل والتقييد المشروط بدأ تمرد بعض أفراد القبائل على مشيختها وانتقل الكثير منهم من مناطقهم القبلية إلى المناطق الحضرية أي إلى المدينة والمدن ... وهناك شاهدوا التطور "حسب المعتقد آنذاك" ووجدوا الخدمات والتنظيم والحقوق ومراكز الأمن والمدارس والأسواق ولأول مرة في حياتهم يشاهدون الحاكم والملك وهو يمر بموكبه في الشوارع ... كلها محفزات تناقلها أبناء القبيلة فيما بينهم كتحريض كنصح لكنه كان هذا هو الواقع وكان هذا بداية تصدع وتفكك القبيلة الواحدة ... وفي المدينة ارتأت القبيلة أن يكون لها شأنا وعزوة أمام الحياة الحضرية حتى لا تُؤكل وتَضعف أمامهم حسب اعتقادهم ... وفي الخمسينات إلى بداية السبعينات بدأت القبيلة الموحدة تتحول إلى أفخاذ من القبيلة أي أفرع أصيلة من شجرتها الكبيرة ثم تحولت الأفخاذ إلى عوائل ... تماما مثل أسرة الصباح الكريمة أصلها القبيلة لكنها حكمت وفق العائلة وبنظام العائلة لا بنظام ولا بمفهوم القبيلة ... أما القبائل كتعليم فلم يكونوا مؤمنين بالتعليم لأنه حسب معتقدهم يسلخ الفرد عن القبيلة ويمنح المرأة حرية غربية ليست من طبيعة القبيلة فكانت الأمية هي السائدة ... ومن ذهب للتعليم فكان بسبب القراءة والكتابة ومن ثم الإنخراط في سلك الجيش أو الشرطة أو الحرس الوطني وسيكون محظوظا لو كان في الحرس الملكي الخاص أو الحرس الأميري المرافق لرئيس الدولة ؟
ويسجل أنه في أواخر الستينات بداية السبعينات أنه بدأ أبناء القبائل بالدخول لنيل الشهادات العليا "بكالوريوس - ماجستير - دكتوراه" ... لأنهم فطنوا أن أصحاب الشهادات العليا يحصلون على الترقيات والمراكز والمناصب والأهم أن رواتبهم ومخصصاتهم عالية جدا ... وبالفعل درسوا واجتهدوا وأصبحوا يتقلدون المناصب العليا في الدولة فأصبح منهم الطيب والمهندس والمستشار والقاضي والوزير إلخ وهذا الطبيعي ... ومن هنا بدأ فصلا أخرا بتضعضع القبيلة وضعفها فحدثت عمليات انسلاخ واسعة النطاق وانقلبت الموازين فأصبح شيخ أو أمير القبيلة لا يُطلب منه بل أصبح هو من يَطلب من أبناء القبيلة تخليص أو تنفيذ المعاملة هذه وتوظيف فلان وعلان ... ناهيك أن الكثير من أبناء القبائل تحولوا إلى عوائل حضرية وبنسبة 100% في ثمانينات القرن الماضي ... فأصبحت قوة القبيلة اليوم هي قوة شكلية لا تستند على واقع ولا على أسس القوة كما كانت عليه في الماضي فحلت محلها سلطة وقوة ونفوذ الدولة وسلطة الحاكم في "مشيخة الخليج" ... ليس هذا فحسب بل اليوم أصبح من المألوف أن نشاهد أبناء القبائل وهم يلبسون ثيابا أجنبية ووفق أحدث الموديلات وأرقى الماركات العالمية ويركبون أغلى السيارات ... لكن حكاية القبيلة ومرجعيتها فهذه قد انتهت تماما فلا وجود للقبائل العربية بل حل محلها "أفخاذ القبائل" التي تحول غالبيتها إلى عوائل تنتسب لوالدها أو لجدها وليس لمؤسسها "باستثناء اليمن طبعا" ... بدليل أن لا تحدث مصيبة اليوم في قبيلة وتجد القبيلة كلها تقف معه بل تجد الأفخاذ فقط هم من يقفون معه هذا إن كان ذوو حظوة بينهم ... أما العائلات فاتخذت قرارها بالإنفصال عن القبيلة وحتى أيضا الإنفصال من الأفخاذ بسبب تكلفتها الاجتماعية العالية عليها وهذا يرجع إلى سبب وجود أجيال اعتادت على حياة الترف والفكر والطبيعة الحضرية وتداول الثقافة الأجنبية بالإضافة إلى تداخل الأنساب والزواج من خارج الكويت وخارج الجزيرة العربية ... حتى وصلنا اليوم إلى انعدام كلي لوجود القبيلة إلا كإسم يتقلده من يتقلده كدلالة على حالة من سباق التفاخر بالأنساب لا أكثر ... أما كوجود فليس لها وجود لأن سلطة الدولة وسلطة "مشيخة الخليج" حلت مكانها وبنسبة 100% ... وفي ظل هذا الوضع وبعد تفكك القبيلة إلى أفخاذ والأفخاذ إلى عوائل لا يزال يحدث صراع اليوم من تحول الأفخاذ إلى عوائل تقليدا إلى من سبقهم فيها ... فهل تحافظ الأفخاذ على مكانتها الحالية أم ستذوب بعد 50 سنة ؟ بالتأكيد ستذوب لأن عقلك أنت مخالف لعقل والدك وعقل والدك مخالف لعقل جدك وجدك مخالف لجد جدك ... وانظر إلى تاريخ الأردن وفلسطين وسوريا والعراق لقد كانوا عربا وبدوا وقبائل كيف اليوم أصبحوا عشائر وأفخاذ وعوائل وأيضا اذهب إلى شمال المغرب العربي وانظر إلى حال قبائلها العريقة هناك كيف كانت وكيف أصبحت اليوم ... تلك حكمة الله في خلقه وتلك سيرة الأمم منذ الخليقة أمما سادت وأمما بادت وأمما انقرضت وسبحان من له الدوام ... والله المستعان على يوم القيامة يوم لا أصلك ولا فصلك ولا إسمك ولا قبيلتك ولا فخذك ولا عائلتك لهم وزنا ولا أي أثرا في يوم عظيم ... { فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون } المؤمنون ؟
دمتم بود ...
وسعوا صدوركم