2022-09-20

الــــولاء أم الكفــــاءة ؟

 

فكر وعقيدة وثقافة يتحدث عنها التاريخ البشري زاد عليها تأكيد القرآن الكريم في مواضع عدة كلها تأكيدات أن هناك عقيدة الولاء ... والولاء أي عهد ووعد أي عدم الخيانة والصدق والإخلاص ولا ينفك هذا الولاء إلا بموت الولي أو أن يعتقك مِن ولاؤه ... وفي فهم وتفسير أخر الولاء يعتبر نوع من أنواع التحالفات السياسية والإجتماعية بل وحتى الإقتصادية ... وما أتحدث عنه يختلف عن عقيدة "الولاء والبراء" لدى المسلمين لأنها عقيدة أثير الجدل حولها كثيرا والتي بسببها قد تؤدي إلى التهلكة أو لشق المسلمين وعلى ذلك أدلة كثيرة لا حصر لها وليست موضعنا ... لكن من الثابت أن عنصر الولاء كان من أهم أسس العلاقات السياسية والإجتماعية والإقتصادية على مر التاريخ البشري ... ولاء غريب عجيب يأخذك ما بين الدهشة والإعجاب وما بين عدم فهمك لأن يضع أفراد حياتهم تحت أقدام من أقسموا على ولاءه !!! ... ولذلك يأخذنا التحليل والإستنتاج بأن أكثر من 95% من عمليات قتل الحكام أو الإنقلاب عليهم بل وحتى سقوط أنظمة الحكم كانت بسبب الخيانة من أقرب المقربين من الحاكم أو المقربين من سلطة اتخاذ القرار أي من هم تحت الولاء ... بدليل أن أكثر من 3.000 حاكم وأمير وسلطان وزعيم وإمبراطور في التاريخ البشري لا أحد يعرف مطلقا أماكن دفنهم وقبورهم مطلقا "توصيف تقديري" ... والإيمان أيضا تعتبر صفة من الولاء وصفة من الثقة واليقين بمعنى أن صفة الإيمان ليست صفة حصرية للأنبياء والمرسلين أو ليست حكرا على الأديان السماوية ... مثل زوجتك صديقك عندما يثقون بك يعني أنهم قد آمنوا بك أي منحوك ثقتهم ويقينهم وعندما تخون تلك الثقة أو هذا الإيمان فإنك في الغالب لن تستطيع أن تعيد العلاقة والثقة والإيمان إلى ما كان عليه ... ولذلك كل من يخرج عن صفة الإيمان أو الولاء أو الثقة كلهم نفس المعنى تعتبر تلك الحالة "خيــــانة" ومهما تنوعت صفات الخيانة فإنها تعود للأصل وهي نقض الثقة والعهد والولاء ؟

اليوم وفي زماننا في الكويت في كل الدول العربية والدول المتخلفة بالتأكيد تجد أهمية الولاء تغلب وترتفع فوق صفة الكفاءة ... في السياسة في الحياة الإجتماعية وفي التعاملات الإقتصادية صفة الولاء هي الأهم بالدرجة الأولى وهي المطلوبة ... وليس مهم إن كان ذوو كفاءة فمن وجهة نظر الجهلة بأن الممارسة هي من ستعلم وهي من ستعطي صفة الكفاءة لمن يدين لنا بالولاء ... وبالتأكيد هذه نظرة جدا سطحية لا تخرج إلا من عقل مُهلهل لا يفقه ثرثرة ما يقول وقد ثبت فعليا من خلال كتب التاريخ بأن سلطة الحكم كثيرا وكثيرا جدا قد استلم زمامها الجهلة والسفهاء وتوافه الشخصيات ... فاستمر حكمهم بالتأكيد ليس بفضل هؤلاء الشرذمة من الحمقى بل بسبب بطانتهم من أصحاب الولاء لأنهم يدركون بأن بقائهم مرتبط كليا ببقاء سيدهم وقتل أو سقوط سيدهم يعني سقوطهم للأبد ... ولذلك البطانة الفاسدة وشرذمة الأوغاد تقاتل بكل ما أوتيت من قوة وبأس من أجل استمراريتها لأطول فترة ممكنة وتلك الشرذمة منذ الأزل الوطن والشعب هو أخر اهتمامها وأخر همها ... وإذا طوروا قوانين وطوروا البلاد تلقائيا يجب أن تعلم بأنهم مستفيدين ماديا من هذا التطور لأنها بطبيعتهم يملكون "فن وبراعة السرقة" ... وهذا وجه أخر من تحليل سلوك الإنسان الذي لا يشبع فهو يعلم أن ما سرقه وما جمعه لن يأخذ منه شيئا عند مماته ... ويعلم أيضا ويقينا أن ما استولى عليه كافيا بأن يجعل أبناءه وخامس جيل من أحفاده مكتفين ماديا وبشكل كبير جدا لكن فِعل ربكم بالمجرمين لا يتوقف فهو سبحانه بذلك أعطاهم الدنيا وجهنم في الأخرة ؟

إن الولاء في العمل السياسي أمرا مهما للغاية وتحديدا في محيط "اتخاذ القرار" لكن الأهم من الولاء هي الكفاءة التي يجب أن لا تقرب منك كل أبله ولص وأحمق وزير نساء ... لأن الأعداء دائما يدخلون إليك من أبواب "المال والنساء" ومتى ما وقع السياسي في هذا الفخ سهل ابتزازه ... لكن تبقى الكفاءة هي الأهم بل والأخطر فربما كان أحدا يملك كفاءة أي داهية العقل يرى ما لا يرونه الحمقى يُكيّف ويُفصّل الأمور والظروف بشكل لا يخطر على بال أحدا من أصحاب الولاء ولو كان واحدا من دهاة العقول فهم الأفضل بالمطلق مهما كان فريق مستشرين الحاكم من خبراء ومتخصصين ... وتلك ميزة دهاة العقول أنهم نادرون وبالمقاييس الحسابية "وفق تقديراتي" اليوم فإن كان تعداد سكان البشرية تجاوز أكثر من 8 مليار نسمة فإن دهاة العقول لا يتجاوزون 30 مليون نسمة كأفضل تقدير ... والسبب أن هؤلاء الدهاة ليست عقولهم عادية بالمطلق فهم يملكون مهارات نادرة وتفكير مختلف واستثنائي مرعب وينظرون للأمور بنظرة مختلفة كثيرا جدا عن باقي البشر ... وإن أرادوا أن يقلبوا العالم لاستطاعوا بكل أريحية لكنهم لا يملكون الموارد المالية اللازمة لذلك ولذلك تجد السواد الأعظم من الـ 30 مليون نسمة منطوين على أنفسهم أي ليسوا اجتماعيين ولا يحتكون بالناس فالوحدة صدقتهم المفضلة لأنهم فهموا وأدركوا بل وانتهوا من فهم حقيقة الدول والبشرية ... ولو كنت محظوظا واستطعت اقناع أحدا بالعمل معك وفق شروطه فإنك يجب أن تعلم بأن أصبح بين يديك رجل = 3 جامعات و 4 مكتبات عامة ... ولن يقارعه كائنا من يكون مهما كان تخصصه ومهما كانت خبرته لأن التخصص لا يكفي أن يكون محترفا أو موهوبا بدليل انظر من دمر المجتمعات ومن أفسد الحكومات أليس من هم في المناصب والمراكز القيادية جميعهم أصحاب الشهادات العليا وأصحاب التخصصات ؟ ... وبالتالي أفهم أن أكثر من جيد أن المستشارين في أغلب أنظمة الحكم ما هم إلا أكثر الفشلة والفاسدين واللصوص وبالتالي لا عجب أن نرى تخبط الحكومات والنقمة الشعبية على أغلب حكومات العالم ... وسوف يبقى العالم والبشرية في صراعات وخلافات لأن لا أحد حتى اليوم يريد أن يبحث عن واحد من الـ 30 مليون نسمة إلا بعض شركات العالم التي تقتنص بعضا منهم ... فتجد ما يذهلك من تطور وابتكارات الشركات العالمية والتي يقف من خلفها وخلف الستار بعضا من دهاة العقول ... أما في أمتنا العربية فكانت ولا تزال وسوف تبقى لا تعرف ولن تعرف أحدا من هؤلاء لأن البطانة الفاسدة لن تسمح بوصول من يسحقها ويجلها في المنزل أو في السجن ... تماما مثل أمتنا العربية لا تعرف قيمة عظمائها إلا بعد وفاتهم وبعد عقود ليخرج جيل جديد فيبحث في تاريخه فيكتشف أحد عباقرته فيمجده بعدما كان ذليلا مهانا في زمانه ... مثل كل علماء العرب الذين تتفاخرون بهم اليوم وقد عانوا من قومهم في وقتهم أشد المعاناة وأشد القهر ... لأن النرجسية العربية وغرور أصحاب الثراء دائما ما تعمي البصائر عن حقائق لو ركزوا فيها قليلا لوجدوا عجب العجاب ... ويبقى الولاء هي سياسة العاجزين والفاشلين وتبقى الكفاءة هي الطاقة المحركة للأمام لكن يبقى العباقرة والموهوبين هم من بيدهم قلب العالم والقفزات الصادمة ؟




دمتم بود ...


وسعوا صدوركم