لا يوجد نظام حكم في العالم ليس لديه أخطاء وهذا الأمر بالمناسبة لست أنا من أقوله بل السيرة السياسية في التاريخ القديم والحديث هي من تسطر آلاف الأدلة حول أنظمة الحكم والحكام والحكومات في كل بقاع الأرض ... ولأننا بشرا نصيب ونخطئ ولسنا معصومين ولسنا مقدسين ولسنا منزّهين من أي خطأ أو زلل وبالتالي لا يوجد بشرا لا يخطئ ... بدأ من أبونا آدم عليه السلام وأمنا حواء عندما أخطأ وعصوا الخالق جل جلالة وصولا إلى الأنبياء والرسل الذين أخطؤوا في "حياتهم الشخصية" ... ورغم الكم المهول والذي أستطيع وصفه حقا بأنه أمرا "لم يسبق له مثيلا" في تاريخ الإعلام والحملات الممنهجة والشرسة ضد السعودية وقيادتها وتحديدا ضد سمو ولي العهد الأمير "محمد بن سلمان آل سعود" ... ورغم كل ما يكتب وينشر في كل الصحف الأوروبية والكندية والأمريكية ضد شخصية سمو ولي عهد السعودية بشكل شخصي وممنهج خرج كليا عن المهنية الصحفية ... وأنا هنا لا أدافع عن ولي عهد السعودية لأنه أصلا لا يحتاج دفاعي أو شهادتي لكن كتوصيف لما يحدث فإن حتى طالب سنة أولى إعلام سيكتشف بكل أريحية أن المهنية الإعلامية مغيبة تماما وعن قصد وعمد في تلك الحملات الإعلامية ؟
في حقيقة الأمر والواقع وبالأدلة هناك إنجاز خُرافي يُسجل لسمو ولي العهد "محمد بن سلمان" لم يجرؤ أحد على القيام به في كل تاريخ السعودية أو منذ عرف العالم إسم "سعودية - سعوديين" في سنة 1932 أي منذ 90 عاما ... هو أنه سحق التطرف في السعودية وألغى وصاية المتشددين وأغلق أبواب الإفتاء التي لم تترك شاردة وواردة في حياة الإنسان إلا وأفتت فيها وخرس واختفى فرسان المنابر وكأنهم "وكلاء الله في الأرض" ... وتم إلغاء "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" أو بما تمسى "الشرطة الدينية" والتي كانت تتبع عورات الناس وكشف فضائحهم ... وسمح للمرأة بقيادة السيارة بعدما كان أمرا محرما في تاريخ السعودية وفتح المسارح وصالات السينما وسمح للمرأة بحرية الحجاب والنقاب من عدمه ... ولا تزال السعودية تحت القمع الفكري والسياسي وهذا الأمر ليس بجديد فهو أمر معمول به منذ نشأتها بمعنى لا تستنكر أمرا هو أصلا لم يحدث فيه أي تغيير منذ 90 عام ... لكن هذا الإنفتاح السعودي والحفلات الموسيقية والطربية الراقية والمحترمة وعلى النقيض الحفلات الماجنة والفاحشة بكل تناقضاتهما ... أرسل إشارات شديدة القوة للشعب الإيراني بأن الدولة ذات نشأة 90 عام نجحت بقلب كل معادلات المتطرفين والمتشددين بقرارات حاسمة وانتقلت من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال ... فأصبح الكثير من الإيرانيين يتحدثون إن كانت دولة منذ نشأتها ذات الـ 90 عاما نجحت بهذا التحول الخُرافي فما لنا نحن لا نستطيع أن نغير الأوضاع ونحن تحت نظام متطرف متشدد حكم وطنهم في 1979 أي قبل 43 عاما لم نجني من وراءه إلا القمع والفقر والعقوبات والإرهاب ؟ ... والإيرانيين فعلا تحدثوا عما يحدث في السعودية من حفلات ومهرجانات وانفتاح واسع النطاق وهذا الأمر كان عاملا لشحن جيل الشباب الحالي ... الذي يرى أن المظاهرات هو انتقاما لحال أسرته منذ عقود وهي تعيش في خوف وفقر وحاجة ومئات الآلاف عاطلين عن العمل ومئات الآلاف في السجون ... و "الدعارة السرية" وحفلات الخمور لم تتوقف يوما في المدن الإيرانية وفي نفس الوقت يرون كبار المسؤلين وأوسطهم وأصغرهم ممن هم في السلطة يتمتعون بمزايا كبيرة والقانون نادرا ما يطولهم في حالة من الفساد المستشري هناك ... وهذا الأمر بالتأكيد لا يتوافق مع العدالة المنطقية مع جيل الشباب وهو الجيل المطلع على ما يحدث حوله وحول العالم فكانت حادثة الإيرانية "مهسا أميني" ذريعة وسببا جدا تافه لقيام ثورة نسائية شبابية صرفة ضد نظام الحكم برمته ؟
شابة إيرانية "مهسا أميني" تبلغ من العمر 22 عاما أوقفتها "الشرطة الدينية" بزعم أن لبسها مخالف للوائح والقوانين وتم اقتيادها إلى المركز وفجأة أصابتها نوبة قلبية نقلت على أثرها إلى لمستشفى وفارقت الحياة ... هذه الحقيقة وهي مصورة ولم تتعرض لا للضرب ولا للتعذيب كما أشيع لكنها كان ذريعة لجيلها بأن ينتفضوا ضد "الشرطة الدينية" والتي هي أيضا لا تختلف عن باقي قواعد النظام السياسي والإداري بتلقي الرشوات ... فبدأت "ثورة الحجاب" ثم انفجرت وزايدت المظاهرات في المحافظات الإيرانية حتى وصلت إلى العاصمة طهران ... وحسب الأرقام مؤخرا فقد تراوحت تلك المظاهرات ما بين 200 إلى 400 قتيل حتى اخترقت المظاهرات كل دوائر القرار السياسي في قلب النظام الإيراني ... لا بل وصلت إلى بيت المرشد الأعلى نفسه "علي خامنئي" والذي ثارت ابنة أخته ضد خالها المرشد انتقاما لوالدها الذي تم اعتقاله ومات في السجن ثم انتفضت أخت المرشد ذاته وأطلقت نداء وتحريض ضد أخيها المرشد وضد نظامه القاتل الإرهابي حسبما زعمت ... والنظام الإيراني بالمناسبة لا يهتم لسحق وقتل مئات الآلاف وحتى الملايين لكن ليس لمواطنيه بل لغير مواطنيه في الخارج في دول خارجية لكنه يراجع حساباته بشدة وبدقة في الداخل ... وقد خفت وتيرة الإحتجاجات والمظاهرات وضعفت قوتها بسبب حملات الإعتقال الممنهجة والتي سمح بها النظام لرصد ومتبعة وكشف من يقف خلفها ومن يقودها وكيف تدار ثم بعد ذلك بدأ باعتقال الرؤوس ... ثم بدأت سجون ومعتقلات إيران تعج بالمعتقلين الذين وصلت أعدادهم لأكثر من 5.000 متظاهر وبدأت تنفيذ المحاكمات وبدأ تنفيذ الإعدام فعليا بحقهم ... كل هذا لم تكن الشابة الإيرانية "مهسا أميني" إلا شرارة لانطلاق عضب جيل الشباب الذي يريد تغييرا واسع النطاق لتحقيق أدنى حقوق وحرية له أسوة بما رأوه من تغيرات واسعة جدا لدى جارتهم العدوة اللدودة في السعودية ... وهذا الأمر لا يمكنك أن تتجاهله فثورة تونس تبعتها ثورة مصر ثم تبعتها ثورة سوريا ثم تبعتها ثورة ليبيا مع محاولات لثورة في البحرين وفي الكويت وفي السعودية وفي العراق وغيرها في 2011 - 2012 ... وسواء كانت هناك مخططات أو مؤامرات أو لم تكن فإن المحيط يتأثر ويتفاعل سواء سلبا أو إيجابا في عالم أصبح فضاءه مفتوحا على مصراعيه نعلم في الكويت ما يحدث في كل دول العالم وتعلم دول العالم ما يحدث في الكويت ... هذا الفضاء بات من المستحيل أن ينتهي إلا بأمر واحد وهو أن ينتهي عالم الإنترنت وطالما عالم الإنترنت موجود فالعالم كله عبارة عن بيت صغير الكل يسمع ما يدور فيه ويشاهد ما يحدث بداخله ؟
دمتم بود ...
وسعوا صدوركم