2022-12-02

القمة الصينية العربية ضد أمريكا وإيران ؟

 

بعد أيام من هذا الشهر تعقد القمة الخليجية من جهة والقمة العربية الصينية المشركة من جهة أخرى في العاصمة السعودية الرياض ... تأتي هذه القمة وسط صراع عالمي بين الدول العظمى التي تشكل الأقطاب العالمية المرعبة وهي "أمريكا - الصين - روسيا" ... أما أوروبا وبريطانيا فقد انتهوا فعليا من خلال عوامل عديدة من بينها الدين الخارجي والإقتصاد المتراجع وضعف القوة العسكرية العظيمة وتراجع نفوذهم في مناطق واسعة من دول العالم ... ولا شك أن العلاقات "الخليجية الخليجية" لا تزال يشوبها التوتر وإن كانت الإبتسامات تملأ الشاشات لكن الحذر فيما بينهم لا يزال وفق أعلى الدرجات ... ومن الواضح أن المملكة العربية السعودية تريد جر "حلفائها" إلى المعسكر الصيني وهذا شكلا نرى الأمور بهذا الإتجاه لكن في الواقع السياسي هذا الأمر غير صحيح ... وإن كان هذا ليس موضوعنا لكن من الضروري أن ألفت عنايتكم أن السياسية العربية تحديدا هي أسرع سياسة بتغير مواقفها والإنقلاب على بعضها البعض ؟

في المسح السريع لمعطيات هذه القمة لا أرى إلا أن السعودية تغامر بقوة وبجرأة في محاولاتها العلنية لتنويع حلفائها وتغيير سياستها ومعسكرها الخارجي ... وبالتأكيد هذا الأمر كليا من حق السعودية بنسبة مليار% لا بل المملكة قد تأخرت كثيرا وكثيرا جدا في تنوع حلفائها الرئيسيين ... وبات من الواضح أن الإدارة الأمريكية حتى الأن لم تفهم أو بالأحرى لا تريد أن تفهم أن صفقة تخفيض انتاج النفط بمقدر مليونين برميل ما كانت إلا رسالة من السعودية حصريا وليس من الكويت ولا الإمارات ... وهذه الرسالة مفادها أن ترك إيران تتحكم بالمنطقة يدفع الجميع للذهاب إلى سيد إيران أو من يمسك بلجام طهران وهي روسيا والصين بالتأكيد ... ناهيك أن الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير الماضي وخلال 3 أشهر كأقصى حد كانت كافية لرصد كافة ردود الأفعال للولايات المتحدة الأمريكية والتي أدرك حلفائها في الخليج العربي أن إدارة بايدن أجبن من أن تتحرك ضد روسيا ... ناهيك أدركت السياسية الخليجية أن الجميع "أوروبا - بريطانيا - أمريكا" في حالة رعب حقيقي من اندلاع الحرب النووية من قبل روسيا ... والتي بالتأكيد لحظة اندلاعها ستقوم الصين بابتلاع تايوان كليا وستقوم كوريا الشمالية بتمزيق عدوها اللدود اليابان ... كلها معطيات باتت واضحة للمراقبين السياسيين من أن أمريكا اليوم هي في حالة تراجع وضعف أصبح يشكل خطرا حقيقيا على المصالح العليا لحلفائها في الوطن العربي بشكل عام وفي دول الخليج بشكل خاص ... أمريكا فعليا وضعت خططا لضرب منظمة أوبك كما تفعل اليوم لتحديد سعر النفط الروسي الأمر الذي سيدفع روسيا إلى خفض الإنتاج بمقدار 5 ملايين برميل يوميا ... وهذه الخطوة لن تحدث إلا باتفاق روسي سعودي بمقدار مليونين برميل نفط سعودي + 5 ملايين برميل نفط روسي حتما أسعار النفط ستقفز إلى ما بين 120 - 150 دولار وهذا السعر بالتأكيد سيعوض روسيا والسعودية عن أي خسائر ... وبالتأكيد العراق والكويت والإمارات والجزائر لن يمانعوا على الإطلاق مثل تلك الخطوات لأنها ستنعش خزائنهم ... لكن للأمر سلبيات أخرى اقتصادية وسلبيات قاتلة على اقتصاديات دول كثيرة نعم بالتأكيد ؟

القمة الصينية العربية هدفها إيران ولا شيء إلا إيران ... فقد فشلت كافة العقوبات الأمريكية على طهران منذ عقود وفشلت أوروبا وبريطانيا أيضا بوضع حد لسلوك إيران ... وأمريكا لم ولن تسمح لإسرائيل بارتكاب حماقة ضد إيران بعمل عسكري مع أن اليوم من يقود إسرائيل هم أكثر الشخصيات تطرفا وإرهابا وفظاعة ... وبالتالي وجدت السعودية نفسها مضطرة بأن تقول لأمريكا "قفي هنا ودعيني أذهب لأسياد إيران ومن يمسكون بطوقها" ... لكن من المهم أن يعرف الجميع أن الصين لن تضحي بإيران من أجل عيون دول الخليج لأن الصين وقعت أضخم اتفاقيات مختلفة ومتنوعة مع إيران لمدة 25 عاما في 2021 "معاهدة تعاون استراتيجي شاملة" ... وأيضا روسيا يستحيل أن تضحي بإيران لأن علاقاتهما نستطيع أن نصفها بالعلاقات المعتقة التاريخية ... كل هذه التعقيدات التي تعيشها السعودية سببها أنها ضعيفة أمام النفوذ الإيراني في المنطقة وهذا ما كثيرا وكثيرا جدا ما نبهت عنه وحذرت منه منذ سنوات ... فلو كانت القوة العسكرية السعودية بنفس مستوى السعودية ونفوذها بمثل نفذ إيران فهل كنت تتوقع أن تلتف السعودية خلف حليفها التاريخي إلى عدة حلفاء كلا بل كانت ستواجه إيران بشكل علني ومباشر ... على الجانب الأخر إيران تسجل نصرا سياسيا هنا ونفوذا اجتماعيا هناك وضربات وتواجد عسكري هنا وهناك ... لأن أمريكا تتراجع سياسيا وعسكريا فعليا وحقيقة بدليل لو شاهدت أو راجعت الخريطة الدولية لتمدد الصين خلال 20 سنة الماضية ... فستندهش من التمدد الصيني الخُرافي الذي اجتاح العالم على حساب نفوذ أوروبا وأمريكا وحتى أفريقيا اخترقتها الصين ووضعت رجلها فيها وبقوة الواثق ... وليس هذا فحسب بل اخترقت الصين واجتاحت دول أمريكا الجنوبية القريبة من أمريكا مثل "بيرو والبرازيل والأرجنتين وكولومبيا" ... كل هذا التمدد تم عبر سنوات في لعبة تبدل اللاعبين وتغيير القواعد فكسبت الصين وخسرت أمريكا وأوروبا كثيرا وكثيرا جدا من الحلفاء ؟

اليوم وفق معطيات الواقع السياسي إسرائيل في خطر وخطر حقيقي ولن تجد أحد في العالم كله باهرا في الأكاذيب مثل الإسرائيليين ... فأرصد تغير مواقف إسرائيلية ضد روسيا والإنتقال إلى معسكر تحالف أوروبا والغرب واليابان وأستراليا وأمريكا وكندا مع أوكرانيا ... مما يدعوا هذا الأمر إلى أن روسيا والتي تمسك بلجام سوريا بل وتحكمها حكما مباشرا ستترك إسرائيل لوقت قريب لتواجه مصيرها بحصارها من قبل الميليشيات في سوريا بالإضافة إلى "حماس - حزب الله" ... وعلى الجانب الأخر أمريكا تشعر بأن حلفائها لم يعودوا يثقوا بها نعم هذا الشعور موجود وتحدثوا فيه كثيرا ورميت ملفات خليجية على الطاولة الأمريكية وجرى حديث مكشوف شديد الحساسية "محظور نشره" ... لكن الخليجيين لم يفهموا بعد أن أمريكا لن تخوض أي معركة وأي حرب من أجلهم ولن ترسل قواتها وأسلحتها العظمى لمساعدتهم ... أمريكا تدرك أن العالم يجب حسمه بحرب واحدة حرب كبرى عظمى لا شيء فيها محرم أو ممنوع وهذه الحرب أمريكا وحلفائها في أوروبا وبريطانيا سيدخلونها وفق مبدأ "أكون أو لا أكون" ... أي أن الحرب الكبرى ستدور بين كل من "أوروبا - بريطانيا - كندا - استراليا - اليابان - كوريا الجنوبية - إسرائيل" ... بمواجهة "إيران - روسيا - الصين - روسيا - العراق - سوريا - اليمن - لبنان - أرمينيا - بيلاروسيا" ... وما موقف دول الخليج من هذه الحرب ؟ ... دول الخليج ستنظم تلقائيا إلى معسكر أميركا ليس حبا فيها بل كرها بإيران وحلفائها في الإقليم ... والخطأ الكارثي الذي وقعت فيه السعودية هو يوم غزت اليمن فكشفت نفسها سياسيا وأمنيا وعسكريا في عزو خاسر فكان يجب عليها إما أن تقضي على الحوثيين في وقتها أو تنسحب وتتراجع إلى حدودها تماما وتترك اليمن وشأنه ... فصنعت السعودية اليوم لنفسها عدوا خطيرا جدا يهدد أمنها القومي وسلامة أراضيها وهذا العدو تتحكم فيه إيران ومتحالف فعليا مع حزب الله اللبناني لأنهم من نفس الأيدلوجية ونفس الفكر ونفس الأهداف ... ومن المهم قبل الختام أن أذكر أن كل دول الخليج حاليا لا تملك الذخيرة الكافية بالمطلق لخوض أي حرب تقليدية حقيقية إنما ذخيرة تكفي لبضعة أسابيع وليس أشهر حتى ... ولذلك على دول الخليج أن تسير باتجاهين الأول : شراء ذخائر تكفي لسنتين كأقل أقل تقدير ... وثانيا : عليها إيجاد فريق عمل سياسي من دهاة الفكر السياسي ومن دهاة التفاوض لتحويل العدو الإيراني إلى حليف موثوق فيه ... ولا تحدثني عن أيدلوجية إيران فأيضا دول الخليج لديها أيدولوجيات متضاربة فيما بينها وفكر وسياسة وخلافات ... فإما أن يقدم الجميع تنازلات بمقابل الإغراءات وينهي الجميع تلك الخصومة التي فشلت السياسة الخليجية بحلها أو ليستعد الجميع للحرب الكبرى القادمة وهي بالفعل قادمة وقريبا ؟





دمتم بود ...


وسعوا صدوركم